حتى في مناطق التمرد: الدولة السورية ترعاكم
بعد أكثر من عام ونصف عام تقريباً من سيطرة «الدولة الإسلامية» على مدينة الرقة، لا يزال موظفو المؤسسات الحكومية في المدينة، البالغ عددهم نحو 60 ألفاً، يتقاضون رواتبهم الشهرية بانتظام، بغض النظر عما إذا كانوا قد التحقوا بالعمل في مؤسسات أخرى موجودة في محافظات آمنة، أو أنهم انقطعوا نظراً إلى الظروف المحيطة بسكنهم.
والأمر نفسه يكاد ينطبق على جميع موظفي مؤسسات الدولة ومتقاعديها في كل المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة. وتشير تقديرات رسمية إلى أن عدد هؤلاء يصل إلى نحو 250 ألفاً بين موظف ومتقاعد، وهذه نقطة إيجابية تسجل للحكومة ويعترف بها كثير من المعارضين. فعلى رغم النقص الكبير في إيرادات الخزينة وارتفاع حجم الإنفاق العام، لم تفكر الحكومة في إيقاف رواتب هؤلاء الموظفين، وهو ما يعكس في رأي كثيرين ملامح الاستراتيجية القائمة على استمرار تدعيم وجود مؤسسات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة، وإن بشكل غير مباشر، والحرص على استدامة الأثر الاقتصادي لاستمرارية ضخ ما يزيد على خمسة مليارات ليرة شهرياً في مناطق تعاني من تدنٍّ كبير في الخدمات، وضآلة شديدة في مصادر الدخل.
وتشمل هذه الاستراتيجية أيضاً جوانب خدمية أخرى، أهمها مواصلة تغذية تلك المناطق بالطاقة الكهربائية، وهو إجراء يبرره وزير الكهرباء عماد خميس بالقول «إنه ينطلق من حرص الدولة على القيام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه مواطنيها. وسيطرة المجموعات المسلحة في بعض المناطق لن تكون سبباً في تخلي الدولة عن رعايتها لجميع مواطنيها، وهي تعمل على ذلك وفق الظروف والإمكانات المتاحة».
خميس: نحتاج ما بين 3 ــ 5 سنوات لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية
وعلى صعوبة ما تواجهه المنظومة الكهربائية عموماً من استهداف وتخريب وتدمير، إلا أن وضع إمدادات الطاقة الكهربائية في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين يبدو مقبولاً، رغم الحاجة إلى تحسينه. ويوضح خميس أنّ «الاستهلاك الوسطي للمناطق التي تشهد وجوداً للمجموعات الإرهابية بلغ خلال العام الماضي نحو 2.6 مليار كيلوواط/ساعة، وحسب سعر التعرفة المدعوم، فإن قيمة الاستهلاك تصل إلى نحو 5.4 مليارات ليرة سورية، وإذا ما احتُسبت قيمة هذه الطاقة المستهلكة وفق سعر التكلفة المقدر خلال العام الماضي بنحو 25 ليرة للكيلو الواط/ساعة، فإن قيمة الطاقة المستهلكة في تلك المناطق، التي لا تُحصَّل، تصل إلى نحو 65 مليار ليرة».
لكن ذلك لا يعني عدم وجود اختناقات وأزمات وانقطاعات طويلة، فالاستهداف الذي لم ينقطع طوال عمر الأزمة أخرج جزءاً كبيراً من منشآت القطاع الكهربائي خارج الخدمة، وليس أدل على ذلك من حديث وزير الكهرباء عن الحاجة إلى ما بين ثلاث وخمس سنوات لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية، وإلى نحو 300 مليار ليرة لتأهيل شبكات نقل وتوزيع الكهرباء. وتؤكد بيانات أخيرة لوزارة الكهرباء أنّ عدد محطات التحويل التي أصبحت خارج الخدمة نتيجة الاعتداءات على المحولات وعلى خطوط التوتر، وصل إلى 70 محطة تحويل منها 46 في المناطق التي تشهد وجوداً للمجموعات المسلحة، موزعة على 21 محطة في المنطقة الجنوبية، 3 محطات في المنطقة الوسطى، و22 محطة في المنطقة الشمالية والشرقية، فيما يصل عدد محطات التحويل الموجودة بالخدمة في تلك المناطق إلى نحو 34، منها 5 محطات في المنطقة الجنوبية، و29 في المنطقة الشمالية والشرقية، بالإضافة إلى وجود مجموعات التوليد في سدود تشرين والفرات والبعث بالخدمة في مناطق وجود المسلحين.
بعيداً عن أي اعتبارات أو غايات سياسية، إن نفوذ مؤسسات الدولة واستمرار وجودها في الكثير من المناطق الخارجة عن سيطرتها بطريقة أو بأخرى، ومرونتها في التعامل مع قضايا ومبادرات قادها وجهاء وممثلون للمجتمع المحلي بغية تسهيل دخول المواد الغذائية وتشغيل المنشآت الخدمية، كل ذلك خفف كثيراً من حدة بعض المشاكل وتأثيراتها السلبية على السكان، وإن كان البعض يرى العكس بناءً على معطياته ومواقفه، أو تبعاً لأوضاع مناطق معينة ومعاناتها.
زياد غصن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد