جيلبير غاتور ومشكلة الهوية

13-06-2012

جيلبير غاتور ومشكلة الهوية

منذ أسابيع، وقضية الكاتب الراوندي جيلبير غاتور، تتفاعل وتطغى على جانب من الحياة الثقافية الفرنسية، إذ تفرد لها الصحف العديد من المقالات المتضامنة، مع الكاتب بشكل عام، وذلك بعد أن رفضت الحكومة الفرنسية إعطاءه الجنسية. القضية بدأت منذ شهور، بعد أن قدم الكاتب الأوراق المطلوبة، إلا أنه «فوجئ مؤخرا، وللمرة الثانية في غضون 7 أشهر» برفض تجنيسه، وذلك بسبب «قصة قديمة تتعلق بالمال». أي «بسبب تدبير ضريبي كان لا يزال لغاية فترة قريبة ماضية عرضة للانتقادات» بحسب إدارة الاستقبال والاندماج والمواطنية في وزارة الداخلية (الفرنسية). معنى ذلك؟ ضريبة قديمة على مبلغ 3845 يورو عائدة لوضع «اقتصادي دقيق وعابر في العام 2010».
ومن يعرف الكاتب، وفق مجلة «تيليراما»، كما يعرف مساره و«حبه لهذا البلد»، يجد هذا القرار عبثيا بقدر ما هو غير مفهوم. إذ اختار والداه المجيء إلى فرنسا العام 1997، حيث هربت العائلة من عمليات الإبادة التي عرفتها الحرب في راواندا في 1994، ليتجولا قليلا على بعض البلدان الأفريقية قبل أن يحطا رحالهما في مدينة نيس. كان غاتور يبلغ يومها السادسة عشرة من العمر، ويتكلم الفرنسية بشكل سيئ، بيد أن ذلك لم يمنعه من أن يحصل بعد 18 شهرا على البكالوريا الأدبية بتنويه «جيد» قبل أن يدخل إلى كلية العلوم السياسية في مدينة ليل».
في السادسة والعشرين من عمره، تجول في رحلة داخلية في قلب فرنسا، ولمدة شهرين، من دير إلى آخر، كي يكتب روايته الأولى التي «كان يحملها في داخله منذ فترة طويلة». صدرت الرواية بعنوان «الماضي أمامي»، رواية «مدهشة يقترب فيها، بأكثر ما يمكنه من الرعب المستحيل» الذي عرفته عمليات الإبادة في راوندا. أرسل المخطوط بداية، عبر البريد، إلى أربع دور للنشر (هي «لو سوي»، مينوي، أكت سود وفيبوس)، وتلقى جوابا إيجابيا بنشرها من 3 دور، لكنه اختار أقلّ الدور شهرة، «فيبوس» إذ مسه ما قام به «الناشر الذي أرسل له بعض الملاحظات المكتوبة، الشخصية، وبالتفصيل، حول النص».
صدرت الرواية، ورحب بها النقد والقراء الذين أجمعوا على أهمية الكتاب. حازت الرواية جائزة «غرب فرنسا مهرجان الرحالة المدهشين في سان مالو». تحدث الجميع عن ميلاد كاتب. فتحت أمامه جميع أبواب الأدب.
لفترة طويلة رفض غاتور تقديم أوراقه ليحصل على الجنسية الفرنسية إذ كان يرى أن هذا الأمر سيجعله يتخلى عن أصوله. «كنت أشعر بأني سأطمس جزءا من ذاتي». في آب 2010، غير رأيه وقرر الحصول على الجنسية «أمضيت في فرنسا وقتا أكثر مما أمضيته في راوندا، لقد حانت اللحظة، رغبت في أن أصبح فرنسيا. لم أتخيل مستقبلي في أي مكان آخر بعيد عن هنا».
أمام هذه الرغبة، تقدم بأوراقه والاستمارات المطلوبة، وتخطى الحوار المفترض وتجربة «الفرنسة»، ومن ثم كل المسار المطلوب، لينتظر وينتظر... إلى أن وصله القرار الأخير، إذ رفـضت وزارة الداخلية «أن يترك ماضيه خلفه».
منذ عشر سنوات تقريبا وجيلبير غاتور يحيا في فرنسا بكونه لاجئا سياسيا» وهو يعيش من «دون أوراق» منذ شهر كانون الثاني الماضي في انتظار أن يتمّ تجديد أوراقه. لهذا، فإن لم يستجد أي شيء بهذا الشأن من المرشح أن يفقد وظيفته وأن يطرد من فرنسا، حتى وإن كان الكاتب لا يجرؤ لغاية الآن على تصديق هذا الأمر.
القضية التي أثارتها الصحافة ركزت على أمر واحد: «لقد عرف هذا الشخص مثال الاندماج الفرنسي الذي يتحدث عنه السياسيون في خطبهم، من هنا أي «غريب» يمكنه اليوم أن يحاول الحصول على الجنسية الفرنسية؟


(عن «تيليراما» وبعض المواقع الالكترونية)
إسكندر حبش- السفير


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...