تونس تتنفس الصعداء: انطلاق الحوار الوطني

26-10-2013

تونس تتنفس الصعداء: انطلاق الحوار الوطني

انطلق الحوار الوطني في تونس، أمس، بعد سلسلة مشاورات دفعت رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض الى تقديم تعهد مكتوب، ظل ملتبساً، حول قبوله باستقالة حكومته في غضون ثلاثة أسابيع وفقاً لمبادرة «الرباعية» الراعية للحوار، ما قد يجنب البلاد الانزلاق أكثر في أزمة لم تشهد لها مثيلاً في تاريخها وتركَ مصيرها إلى مفاوضات ستكون شاقة لا محالة ستفضي، أساساً، إلى اختيار رئيس حكومة توافقي يشرف على الانتخابات المقبلة.
وبعد سلسلة من المشاورات، كان أبرزُها اجتماعاً عقده العريض مساء أمس الأول مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، رضخ رئيس الحكومة إلى مطالب المعارضة وبعث برسالة مكتوبة إلى العباسي، بصفته الأمين العام لأبرز مكونات «الرباعية» وأبرز الوسطاء، قال فيها «أجدد موقفي المتمثل في التعهد باستقالة الحكومة في الآجال التي حددتها خريطة الطريق»، وفقاً لنسخة تم تسريبها ونشرتها صحيفة «الشروق» التونسية.
إلا أنّ الرسالة ظلت ملتبسة حيث إنه وصف المبادرة بـ«حزمة مترابطة الحلقات»، داعياً إلى «احترام التلازم»، ما يتناقض ومطالب المعارضة التي تتحدث عن استقالة «صريحة» في غضون ثلاثة أسابيع.
وجاءت رسالة العريض بعد إعلان «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة تعليق مشاركتها في الحوار، أمس الأول، حتى يقدم رئيس الحكومة المؤقتة تعهداً مكتوباً، ووسط تصاعد وتيرة اشتباكات مع «مجموعات إرهابية»، كان آخرها تلك التي ذهب ضحيتها ستة قتلى من قوات الأمن في ولاية سيدي بوزيد يوم الأربعاء الماضي.
وكان رئيس ما يوصف بأنه أكبر أحزاب المعارضة «نداء تونس» رئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي قد توجه إلى العريض، في حديث متلفز مساء أمس الأول، قائلا «لا أشك في وطنيتك ولكن عليك أن ترحل وتعلن استقالة حكومتك لأنكم فقدتم شعبيتكم وفقدتم ثقة الشعب التونسي فيكم»، واصفاً الحكومة بحكومة «تصريف أعمال ومنتهية الشرعية».
وبعد إرسال العريض تعهده، قررت «جبهة الإنقاذ الوطني» العودة إلى الحوار الوطني رسميا، بحسب ما أعلن أحمد نجيب الشابي، وهو زعيم «الحزب الجمهوري» وعضو «الجبهة».
من جانبه، قال المتحدث باسم «حزب العمال» المعارض الجيلاني الهمامي إن «الجبهة الشعبية قبلت تعهد رئيس الحكومة بالاستقالة وفق خريطة الطريق برغم تحفظها على ما أشار إليه في رسالته من ترابط المسارات».
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، في بيان نشر على موقع «فايسبوك»، لدى افتتاح هذه المفاوضات في جلسة مغلقة «اليوم يعتبر موعدا هاما في تاريخ تونس وإن العالم بأسره في انتظارنا وينظر إلينا مليا عسانا ننجح، وها اننا نجحنا في الوصول إلى الجلسة الرسمية للحوار الوطني».
وأضاف «سنعمل مع بعضنا البعض على إنجاز خريطة الطريق في آجالها وسيكون لنا تصديق على الدستور ونتمنى الإسراع في الوصول إلى كل التوافقات المطلوبة».
بدوره، اعتبر رئيس «حركة النهضة» راشد الغنوشي أن «قطار الخروج من الأزمة وضع على السكة اليوم وسيصل إلى محطته خلال بضعة أشهر لتتويج ثورتنا (2011) مع انتخابات حرة ونزيهة ستنتج أول ديموقراطية في العالم العربي».
وبذلك، انطلق الحوار الوطني، عصر أمس بتوقيت تونس، وانطلقت مسيرة تنفيذ بنود مبادرة «الرباعية» المقدمة في 17 أيلول الماضي، التي تنص على أن «تنعقد جلسة أولى للحوار الوطني ... يتمّ خلالها الإعلان عن القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات المقبلة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية التي تتعهّد بتقديم استقالتها (في غضون ثلاثة أسابيع)» و«بدء المشاورات حول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستعهد إليها مهمة تشكيل الحكومة».
ويترافق ذلك مع «استئناف المجلس الوطني التأسيسي لجلساته وتحديد مهامه ونهاية أشغاله (في غضون أربعة أسابيع)». وأعمال المجلس محددة في المبادرة بالآتي: «إنهاء اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتركيزها في أجل أسبوع واحد وإنهاء إعداد وإصدار القانون الانتخابي في أجل أسبوعين وتحديد المواعيد الانتخابية في أجل أسبوعين من إنهاء تركيز هيئة الانتخابات، والمصادقة على الدستور في أجل أقصاه أربعة أسابيع بالاستعانة بلجنة خبراء تتولى دعم وتسريع أعمال إنهائه وجوبا في الأجل المشار إليه».
يذكر أنّ الحوار الوطني كان قد افتتح في 5 تشرين الأوّل الحالي بالتوقيع على نصّ المبادرة من قبل الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي والتي قبلت خريطة طريق كمبادرة، لكن الجلسة الرسمية لم تنعقد حتى يوم أمس بانتظار التوافق على آليات تنفيذ المبادرة.
وبموازاة انطلاق أعمال الحوار، أعلن النواب المنسحبون من المجلس الوطني التأسيسي، عقب اندلاع الأزمة إثر اغتيال النائب القيادي المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي، استعدادهم للعودة الفورية إلى المجلس.
وقد ذكرت وكالة الأنباء التونسية «وات»، مساء، أن الجلسة الأولى كانت تتركز بالخصوص حول تركيبة ومهام اللجان الثلاث المتعلقة بالمسارات الحكومية والتأسيسية والانتخابية.
وبانتظار معرفة ما سيدور خلال جلسات الحوار، فإنّ النقطة الرئيسية التي من المفترض أن تسيطر على معظم النقاشات ستتعلق بـ«الشخصية الوطنية» التي سيتم التوافق حولها لتشكيل الحكومة المقبلة المشرفة على الانتخابات، ذلك أنّ بقية المواضيع الخلافية لن يكون من الصعب تجاوزها، خصوصاً أنّ أطراف الأزمة السياسية كانوا قد توصلوا في ما له علاقة بالدستور، مثلاً، إلى توافقات سابقة وكان يمكن إقراره لولا وقوع حادثة اغتيال النائب المعارض البراهمي واندلاع الأزمة.
ويشير متابعون للأزمة التونسية إلى أنّ ستة أسماء يتم تداولها في الأروقة حول اسم «الشخصية الوطنية»، وهي: الخبير الاقتصادي راضي المؤدب، السفير الأسبق نور الدين حشاد (وهو ابن الشخصية النقابية التاريخية في تونس فرحات حشاد)، الرئيس الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مختار الطريفي، وزير التنمية الأسبق النوري الجويني، محافظ المصرف المركزي الحالي الشاذلي العياري، وربما يكون الأكثر حظوظاً وزير الدفاع الأسبق عبد الكريم الزبيدي. إلا أنّ الحديث حول هذه الأسماء يسير بحذر نظراً إلى أنّ جميعها «تطرح إشكاليات فعلية لطرف أو اثنين»، وفق ما يشير المتابعون.
في غضون ذلك، تواصلت، أمس، لليوم الثالث على التوالي العمليات الأمنية في منطقة سيدي علي بن عون التابعة لولاية سيدي بوزيد، حيث تكثفت الدوريات الأمنية، وهو ما مكن، وفقاً لـ«وات»، من توقيف 15 شخصا يشتبه في تورطهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة مع «المجموعة الإرهابية»، التي أدت المواجهات معها إلى مقتل ستة من عناصر الأمن التونسي يوم الأربعاء الماضي. وقد أصدر رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي قرارا جمهوريا يقضي بإحداث منطقة عمليات عسكرية تشمل سيدي علي بن عون.


(«السفير»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...