تونس: الجبالي يرجئ استقالته وجولة جديدة من المشاورات لتشكيل حكومة تكنوقراط الإثنين
بعدما كان التونسيون يترقبون قرار رئيس الحكومة حمادي الجبالي اليوم بالاستقالة، خرج الجبالي ليؤكد أنه سيواصل الاثنين المشاورات التي بدأها أمس مع رؤساء الاحزاب السياسية حول قراره بتأليف حكومة تكنوقراط، لاخراج البلاد من الازمة السياسية التي تأججت بعد اغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد. وقال الجبالي للصحافيين عقب الجولة الاولى من المشاورات «حدثت جولة من تبادل الرأي بين من هو داعم للمبادرة (تأليف حكومة تكنوقراط) ومن هو ضدها ومن هو في الوسط». وأضاف «هناك تقدم وتطور في كل النقاط التي اثيرت، وقررنا ان نلتقي يوم الاثنين لمواصلة المشاورات».
ومضى يقول «خرجنا بنتائج مشجعة، وجلوس كل الاطراف على طاولة الحوار هو شيء مهم، لقاء (اليوم) فيه كثير من الايجابية ومستوى راق من الصراحة».
وتابع «تحدثنا مباشرة وبكل واقعية لمناقشة المبادرة التي قدمتها الى الاحزاب والشعب». وتأكيداً على تراجعه عن تقديم استقالته اليوم الى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إذا فشلت مشاوراته مع الاحزاب، قال الجبالي «نرى ان الوقت ليس هو الاهم، الاهم هو مصلحة تونس وايجاد مخرج وحل للازمة».
وطلب الجبالي من رؤساء الاحزاب الذين شاركوا في المشاورات عدم الادلاء بأي تصريحات لوسائل الاعلام لان الوقت ليس «وقت مزايدات».
لكن وكالة «فرانس برس» نقلت عن الباجي قايد السبسي، رئيس حزب «نداء تونس» المعارض، وكمال مرجان آخر وزير خارجية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي يترأس حزب المبادرة (وسطي معارض)، قولهما إن المشاورات كانت «ايجابية»، رافضين الادلاء بمزيد من التفاصيل.
ويهدف الجبالي من اجتماعاته مع الأحزاب إلى عرض تركيبة حكومة الكفاءات عليهم، ليحدد وفقاً لذلك حظوظها في النجاح بالحصول على ثقة المجلس التأسيسي.
اللافت أن تفاعل حركة النهضة مع مبادرة أمينها العام كشف عن تباين كبير داخل هياكل الحركة في تصور المرحلة الانتقالية، بينما كان حوار مؤسس حركة الاتجاه الاسلامي (سنة ١٩٨١) المحامي عبد الفتاح مورو، مع المجلة الفرنسية «Marianne» دليلاً جديداً على عمق الخلافات التي تسربت الى الحركة بسبب «محنة الحكم». وهاجم مورو على نحو علني وبوضوح، رفيق دربه زعيم الحركة راشد الغنوشي، وطالبه بالانسحاب، متهماً إياه بقيادة البلاد والحزب الى الهاوية.
ورأى مورو، وهو نائب الغنوشي في رئاسة الحركة، أن تجربة النهضة في الحكم على قصرها كانت فاشلة، وان «مكانها الطبيعي في المعارضة لعشرين عاماً أخرى على الأقل حتى تتعلم من أخطائها وتنسجم مع الإرث الإصلاحي التنويري التونسي». وأشار مورو الى أن بعض القادة أقرب الى التيار السلفي، بينهم الحبيب اللوز، الذي خطب في قواعد النهضة قبل اسبوع قائلاً: «على العلمانيين ان يرحلوا عن هذه البلاد». ورأى مورو أن هذا القول خطير جداً، ويهدد الوحدة الوطنية، مجدداً أسفه لصمت قيادة الحركة على الاعتداءات التي تعرض لها من السلفيين أخيراً.
وأكد مورو انه هو مؤسس حركة النهضة، وأن الغنوشي التحق بها فيما بعد، واتهمه بتحويل الحركة الى مؤسسة عائلية، قائلاً أيضاً «إن الشعب التونسي قام بثورة من أجل الحرية ولا يمكن ان تنتهي الثورة بتسليم الحكم للمتطرفين يميناً أو يساراً». وتوقع مورو أن النهضة ستغادر الحكم قريباً، بعد شهور تحديداً، لأنها فشلت في إقناع الشعب ببرنامجها.
حوار مورو جاء في وقت قاتل بالنسبة إلى الحركة، التي لم تعد قادرة على التكتم على خلافاتها، إذ يتعرض أمينها العام حمادي الجبالي لحملة كبيرة منذ أن أعلن عن مبادرته بتأليف حكومة كفاءات وإقالة وزراء الأحزاب، بمن فيهم وزراء النهضة. حملة شملت صفحات facebook القريبة من النهضة الى حد اتهامه بقيادة «الثورة المضادة» و«الانقلاب البنفسجي».
المفارقة أنه حتى يوم أمس كان قادة النهضة يؤكدون أن الجبالي سيكون مرشح الحركة مرة ثانية لتأليف حكومة تجمع بين الكفاءات والسياسيين. واذا جرى المرور الى هذا المقترح فان جبهة «الاتحاد من أجل تونس»، التي تضم خمسة أحزاب أساسية في المشهد السياسي، متمسكة بتحييد وزارات السيادة عن كل الأحزاب (الدفاع والداخلية والعدل والخارجية). كذلك تحييد المساجد وحل روابط حماية الثورة ووضع روزنامة لعمل المجلس التأسيسي كشروط دنيا لدعم الحكومة الجديدة.
أما الجبهة الشعبية، فتطالب بتحييد مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني، وتطالب بأن تنبثق عن مؤتمر الحوار «حكومة إنقاذ» بنفس الشروط تقريباً التي طرحها «الاتحاد من أجل تونس»، فيما يطالب حزب العريضة الشعبية (حاز المرتبة الثانية بعد النهضة في عدد الأصوات) باستقالة الجبالي الذي يُحمّله مسؤولية فشل الحكومة، وتأليف حكومة برئاسة محمد الناصر (وزير في زمن الحبيب بورقيبة وفي الحكومة السابقة).
أما الشارع التونسي، الذي لا يزال مصدوماً بجريمة اغتيال بلعيد، فرأى في مبادرة الجبالي أملاً يخرجه من المأزق الذي غرقت فيه البلاد، ويحميه من مخاطر العنف. وهو ما كشفته استطلاعات الرأي، إذ يساند ٧٣ في المئة من التونسيين مبادرة الجبالي.
هذه النسبة تكشف عن تحولات الشارع التونسي بعد ١٤ شهراً من حكم الترويكا التي لم تحقق اي إنجاز على أرض الواقع وهو ما أقر به رئيس الحكومة.
وكان الجبالي قد أكد أنه لن يغادر حركته، الا اذا طُرد منها. بدورهم، أكد قادة النهضة، بمن فيهم زعيمها، أن الجبالي «ابن الحركة» وستجدد ثقتها فيه، إلا ان حوار مورو أمس مع المجلة الفرنسية أكد مجدداً تنامي التباينات بين شقين في الحركة؛ شق يعتز بالإرث الإصلاحي التونسي، وآخر اقرب الى تنظيم الاخوان المسلمين بمرجعيته المحافظة. هذا ما قد يكون الرئيس المرزوقي قد قصده في حواره مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أخيراً، عندما قال إن مشكلته مع النهضة ليس لأنها حزب إسلامي، بل لأنها حزب محافظ.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد