تهمة «ازدراء الأديان» تشغل المصريين
«ما رأيكم لو قلنا بأن التفكير يثير الشهوة؟»... «إذا كان كذلك، فالتفكير حرام!»... «لكن، ماذا يعني التفكير؟».
نكتة متداولة بين بعض الشباب المصري هذه الأيام، أبطالها ثلاثة متشددين، محورها الخشية مما نجهل.
وفي المقابل، يجهل كثيرون نتيجة انتشار موجة مكافحة «ازدراء الأديان»، وهذا ما يثير القلق في شأن القضية الأحدث في مجال «تكفير التفكير»، وأشهر القضايا راهناً الدعوى المقامة على عادل إمام بتهمة «ازدراء الأديان» في عدد من أفلامه الشهيرة القائمة على شخصية السلفي أو «الإخواني»، في معرض انتقاده التيارات السلفية والسخرية مما يعتبره إمام محدوديتها وقصور فهمها للدين ولشؤون الدنيا المعاصرة، علماً أن استئناف المحاكمة أرجئ حتى 24 من الشهر الجاري.
الوحش
لكن القصة لم تبدأ مع عادل إمام، وإن كانت التغيّرات التي أفرزتها ثورة 25 يناير سلطت ضوءاً أقوى على الموضوع. لكن الشهرة التي اكتسبها محام يدعى نبيه الوحش تدلّ إلى سياق. بات الوحش معروفاً في الأوساط الإعلامية، ليس لشطارته وحنكته القانونية، بل بسبب قضايا ازدراء الأديان، ومخالفة الشرع والدستور والصيام والأخلاق. وكم من دعوى أقامها على المخرجة إيناس الدغيدي والفنانتين يسرا وغادة عبد الرازق والمطرب تامر حسني والإعلامية هالة سرحان وغيرهم حتى أطلق عليه لقب «بعبع الفنانين». لكن إذا كان نبيه الوحش «بعبع الفنانين»، فإن هذه القضايا قد تكون «بعبع المجتمع» بأسره لما تشكله من قيد رقابي على عقول المثقفين والمبدعين والفنانين وكل صاحب فكر. فكل فكرة وردت في أفلام ناجحة مثل «الإرهابي» و «طيور الظلام» و «الإرهاب والكباب» و «مرجان أحمد مرجان»، وغيرها، يمكن أن تفتح باب النقاش (مع أو ضد) والاختلاف والنقد وحرية الرأي المفترض أن يكون لها هامش مصان لا ينال منه «إرهاب التكفير».
ونيابة عن المتضررين من الصورة النمطية التي قدمها «الزعيم» عن أفراد هم - في رأيه - واجهة أصولية خالية من المضمون، لشيء أخطر، أقام المحامي السلفي عسران منصور دعوى جنحتين مباشرتين ضد الكاتبين لينين الرملي ووحيد حامد والفنان عادل إمام، بتهمة ازدراء الدين الإسلامي والاستهزاء بمرتدي الجلباب والحجاب والنقاب، من بينها مسرحية «الزعيم» وأفلام «مرجان أحمد مرجان» و»الإرهابي» و»حسن ومرقص».
وصف نقيب الممثلين المصريين أشرف عبد الغفور هذه القضية بـ «التفاهة»، وقال إن «النقابة موقفها واضح لجهة الدفاع عن حرية الإبداع، لا سيما إذا كانت قضايا تافهة وهشّة ويرفعها محامون يبحثون عن الشهرة»، مؤكداً أنها «قضايا بسيطة سيُحكم فيها من أول جلسة لمصلحة المبدعين»، وأن قضايا ازدراء الأديان «ليست جديدة، فهناك عشرات الدعاوى أقيمت على فنانين». ومع ذلك يتخوّف مبدعون ومثقفون من ميل خطير في المجتمع المصري راهناً (أو على الأقل ثمة من يسوّق لنشر هذا الميل) إلى إلغاء هامش التفكير النقدي بحجة الدين، في مقابل تكريس «منظومة القطيع».
وعلى رغم أن الدستور المصري يكفل حرية الرأي والعقيدة، فإن فئات عدة من المجتمع باتت ميالة إلى الحجر على هذه الحريات! والمعركة تدور رحاها منذ سنوات، إذ سبق أن اتهم موقع «نصر الإسلام» الإلكتروني الكاتب حامد عبد الصمد بالكفر والإساءة إلى الذات الإلهية في روايته «وداعاً أيتها السماء». كما طالب مجمع البحوث الإسلامية بإسقاط الجنسية عن عدد من الكتاب والمبدعين مثل نوال السعداوي. أما الشاعر حلمي سالم فقد سحبت منه جائزة الدولة بسبب قصيدة «شرفة ليلى مراد». والدكتور نصر حامد أبو زيد مات ولم يُردّ الاعتبار إليه وإلى فكره، بعد اتهامه بالكفر والتفريق بينه وبين زوجته بسبب أبحاثه التي تقدم بها لنيل درجة الأستاذية.
تتنبّه المنظمات الحقوقية إلى هذه القضايا اليوم، إلا أن ذلك لا يجد صداه المأمول في قلب المجتمع. فالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان مثلاً عبّرت عن قلقها البالغ من ظاهرة هذا النوع من القضايا في المحاكم، باعتبارها تحجّم حرية الرأي. وأشارت في بيان إلى الدعوى التي أقيمت على رجل الأعمال نجيب ساويرس وتتهمه بازدراء الأديان ونشر صور مسيئة إلى الدين الإسلامي (ميكي وميني ماوس بالجلباب والنقاب)، وكذلك الدعوى المقامة على عادل إمام والتي كانت محكمة جنح الهرم في الجيزة أصدرت فيها حكماً بالحبس ثلاثة أشهر وغرامة ألف جنيه. واعتبر رئيس المنظمة حافظ أبو سعده، أن «مثل هذه القضايا لا تحلّ في المحاكم، بل بإثراء ثقافة الحوار والجدل الموضوعي».
من أيام يوسف وهبي
وبالعودة إلى «المسلسل» الذي يتفاقم منذ الصعود السياسي الأخير للتيارات الإسلامية في مصر، نشير إلى أنه في عام 1926، استعد الفنان يوسف وهبي لتجسيد شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) في فيلم، فقامت الدنيا وتراجع وهبي واعتذر.
ويشير الزميل أيمن الحكيم، في كتابه الصادر حديثاً «الفن حرام»، إلى تكفير الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1989 من جانب محام شاب حصل على فتوى من الشيخ صلاح أبو إسماعيل (والد المرشح الرئاسي المستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل) والشيخ عبد الحميد كشك تجيز تكفير عبد الوهاب بسبب أغنية «من غير ليه»، معتبرين إياه خارجاً عن الملة. إلا أن شهادة رئيس لجنة الفتوى في الأزهر حينئذ الشيخ المشد أنقذته من تهمة التكفير والإلحاد. ولن ننسى الدعاوى التي أقيمت على المخرج الراحل يوسف شاهين، تارة ضد فيلمه «المهاجر»، إذ رفض الأزهر الشريف سيناريو الفيلم لأنه مستوحى من قصة سيدنا يوسف (عليه السلام)، فاضطر شاهين لتغيير الشخصيات وأعاد عرضه عليهم فحصل على الموافقة، لكن الفيلم أثار غضب المتشددين لدى عرضه، وأقيمت عليه دعاوى عدة.
ويشار هنا إلى أن أفراداً في جماعة «الإخوان المسلمين» شبهوا المرشح الرئاسي المستبعد المهندس خيرت الشاطر، بيوسف الصديق، ولم ينتفض أحد!
ومن «المهاجر» إلى «المصير»، الذي تناول فيه شاهين حياة ابن رشد، بطريقته الخاصة، وفيه يحذر من سيطرة الفكر الظلامي. يعود هذا الفيلم إلى الذاكرة اليوم فيما ينتظر كثيرون «مصير» «الزعيم» في قضية ازدراء الأديان الثلثاء المقبل، ليس لأن المعني بها نجم مصري كبير وله محبّوه فحسب، بل لأنها قد تكون حلقة أساسية في السلسلة، فإما أن تكسرها لمصلحة الحريات، أو أن تطيلها إلى أفق محفوف بالأسئلة عمّا بعد.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد