تمركز الميديا: قلّة تتحكم بالعقول
لعل احد الأمور الأشد إثارة لقلق معارضي «بيبا» و «سوبا»، أن القانونيين اللذين يعطيان قوة للشركات العملاقة في الإعلام والترفيه والمعلوماتية، جاءا في وقت تشهد فيه الميديا عملية «مركزة» فائقة الضخامة. وبقول آخر، تعاني الميديا عالمياً، خصوصاً في الولايات المتحدة، من أن مجموعة صغيرة جداً من الشركات العملاقة، تهيمن على مجرياتها وأمورها كافة. ويتناقض ذلك مع القول ان تطوّر الميديا يحمي الديموقراطية، عبر زيادة حرية الناس في الاطلاع بصورة واسعة على مجريات الأمور. إذ لا يتوافق هذا الدور مع احتكار الميديا بأيدي قلّة تستطيع أن تتحكم في ما يعرفه الناس، والطريقة التي تُقدّم فيها المعلومات للجمهور الواسع.
5 شركات تتحكّم بأميركا
في إحدى مطالعاته أمام الكونغرس في مستهل القرن الـ 21، لخّص السيناتور الجمهوري جون ماكين المعلومات التي توافرت لدى «اللجنة الفيدرالية للاتصالات» في شأن مُلكية الميديا، بعبارة موجزة: «تتحكّم خمس شركات في أكثر من 85 في المئة من مصادر الميديا». وتسيطر 5 شركات على 84.8 في المئة من الميديا، وهي: «مجموعة يونيفرسال للموسيقى» Universal Music Group، «بي أم جي» BMG، «سوني للترفيه والموسيقى» Sony Music Entertainment، «مجموعة وارنر للموسيقى» Warner Music Group و «إي أم أي» EMI.
ورأى ماكين أيضاً أن الشركات الخمس الكبرى في الكابل، تضخ برامج إلى 74 في المئة من مشاهدي الكابل في الولايات المتحدة. وبيّن أن أربع شركات تهيمن على 90 في المئة من عائدات اعلانات البث الإذاعي في الولايات المتحدة. وأشار إلى سيطرة عشر شركات على نصف ما تتداوله أيدي الجمهور من صحف، مع ملاحظة أن الولايات المتحدة تضمّ عشرين صحيفة رئيسة حاضراً، وهو عدد قليل أصلاً بالمقارنة مع ما كانه قبل عقود قليلة.
في السياق عينه، يشار إلى أن عشر شركات سينمائية أميركية تحصد 99 في المئة من مردود الأفلام. وتسيطر عشر شركات للكابل التلفزيوني على 85 في المئة من مردود سوق الكابل الأميركية، فيما يصعب وصف سوق كهذا بأنه يحتضن الصحافة الحُُرّة التي سعى واضعو الدستور الأميركي لحمايتها.
وعلى رغم ان معظم ثقافة القرن العشرين تكوّنت تحت تأثير التلفزيون، لم يُحفظ سوى قسم يسير من تلك الثقافة حتى الآن. مثلاً، تحرص جامعة فاندربيلت على تسجيل 3 ساعات من أخبار التلفزيون يومياً، بفضل استثناء في قوانين المُلكيّة الفكريّة. ويُفهرس هذا المحتوى، ثم يوضع في تصرّف الباحثين، لقاء بدل زهيد. ما عدا مبادرة جامعة فاندربيلت، فإن التلفزة شبه غائبة، الا لنخبة من العاملين في شركاتها الكبرى.
وفي كلمات لا تخلو من نبرة حزن، أعرب برويستر كاهل مؤسس موقع «إرشيف الإنترنت» مرجعي، عن أساه حيال الممارسات المتشدّدة للشركات العملاقة في الملكية الفكرية. إذ نقل كتاب «ثقافة حُرّة» (تأليف البروفسور الأميركي لورانس لِسغ) عنه أنه قال: «خلال القرن العشرين، ظهر قرابة مليوني أو ثلاثة ملايين تسجيل من الموسيقى، ومئة ألف من الأفلام التي قدّمت على الشاشات، إضافة الى مليون او مليونين من الأفلام التي وُزّعت عالمياً. يضاف الى ذلك قرابة 26 مليون كتاب مُعَنوَن. ومن الممكن وضع تلك المواد كلها في كومبيوترات تحتويها غرفة عادية، تقدر شركة صغيرة على شرائها. إذاً، نحن في صدد نقطة تحوّل في التاريخ.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد