تفاصيل فضيحة مدرسة السواقة بعدرا
هل حصلت على شهادة سواقة (خاصة أو عامة)، من مدرسة عدرا للسواقة في ريف دمشق بين عامي 2003 ـ 2005؟
إذاً لاتستغرب أن تجد اسمك بين الـ 505 أسماء الذين أدرجوا ضمن فضيحة الحاصلين على رخص للقيادة دون استكمال الشروط القانونية والمالية للشهادات، ودون أن تكون بالضرورة على علم بأنك وقعت ضحية تلاعب من بعض الموظفين في هذه المدرسة، ما أدى لزجّ اسمك في هذه القضية، إلى جانب آخرين حصلوا على الشهادات فعلاً دون أن يدفعوا الرسوم أو يستكملوا الأوراق المطلوبة.
بين هؤلاء الخمسمئة وخمسة أسماء، (مديرون مهمون في وزارة النقل، مسؤولو رقابة وتفتيش، أبناء وأشقاء مسؤولين بمرتبة وزير ومعاون وزير)، بعض هؤلاء وردت أسماؤهم في تحقيقات اللجنة التي شكلها وزير النقل عام 2005على أنهم لم يدفعوا رسوماً مالية لقاء الحصول على شهادات السواقة، وبعضهم الآخر إضافة إلى المئات من المواطنين الآخرين، سيجدون أنفسهم مجرد ضحايا لموظف يدعى "ح" والذي هو حتى الآن المتهم الرئيسي حسب تحقيقات اللجنة، حيث يُتهم هذا الموظف بمساعدة موظفين آخرين، «بقبض الرسوم المالية للشهادات ووضعها في جيبه، وتغطية الطلبات والأضابير بإيصالات مالية من أضابير قديمة»، كما يقول رافع مهنّا مدير مدرسة عدرا السابق والذي تكشّفت هذه الفضيحة في عهده أواخر عام 2005.
وهكذا سيجد بعض القرّاء أسماءهم، وقد وردت ضمن قائمة الأسماء التي وجدتها اللجنة مرفقة بإيصالات مالية من أضابير أخرى. وفي الوقت ذاته، يكشف هذا التحقيق عن قائمة من الأسماء لم يثبت أنها دفعت الرسوم المخصصة والتي تتراوح حسب نوع الشهادة (عامة أو خاصة) بين3000 ـ 4200 ل.س، فتم إدراج هذه الأسماء على أنها بلا إيصالات مالية.
ويقدّر حكمت حسابو ـ مدير الرقابة الداخلية في وزارة النقل، حجم الأموال التي فاتت على خزينة الدولة، من جرّاء هذا "التلاعب" حسب تعبيره، بأكثر من مليون ليرة سورية.
البحث عن البراءة ما حصل خلال هذه الفترة أنّ بعض الذين وردت أسماؤهم في تقارير اللجنة، استطاعوا إحضار صور عن الإيصال المالي الذي دفعوا بموجبه رسوم شهادة السواقة، وذلك بتقديم طلبات لمديرية مالية دوما التي تحتفظ بنسخة عن أرومة (النسخة الثانية) من الإيصال المالي لكافة الحاصلين على رخصة قيادة من مدرسة عدرا.
وهو أمر ممكن، كما قال محمود البلخي مدير مدرسة السواقة الأسبق، والذي أكّد أنه اقترح على لجنة التحقيق التي شكلها وزير النقل وعلى مدير الرقابة «التنسيق مع مديرية المالية في ريف دمشق أو التنسيق مباشرة مع مديرية مالية دوما لمقارنة كافة الأسماء الـ505 الواردة في تقرير اللجنة على أنها بلا إيصالات أو أنّها مرفقة بإيصالات لأسماء أخرى« كل هؤلاء »كان يمكن التأكّد فعلياً عما إذا كانوا قد دفعوا أم لا عبر التنسيق مع مديرية المالية المذكورة».حكمت حسابو مدير الرقابة في وزارة النقل والذي يتولى التحقيق في القضية منذ عام 2005، يرى أنّ العودة إلى مديريات المالية «أمر فيه تعقيد وصعوبة». وفيما لا ينفي سليمان معروف مدير مالية دوما وجود صعوبة في البحث عن إيصالات بأسماء دون أرقام، وكذلك صعوبة تتبع الإيصالات لهذا الحجم الكبير في ظل عدم وجود نظام مؤتمت على الكمبيوتر، لكنّه يؤكّد «استعداد المديرية للتعاون في البحث عن الإيصالات فيما لو طلبت أية جهة عامة ذلك بصورة رسمية».
ومع ذلك يفضّل مدير الرقابة في وزارة النقل، أنّ يكون كل شخص يرد اسمه في هذا التقرير مسؤولاً عن إثبات براءته بنفسه، أي أنّ «كل واحد سيرد اسمه على أنّه لم يدفع إيصالاً أو وجدوا في إضبارته إيصالاً باسم آخر، عليه هو نفسه مسؤولية البحث عن النسخة الثانية من الإيصال في بيته أو لدى الدوائر المالية». الموظف (ح)
في عام 2005 كانت بداية كشف الفضيحة. رئيس قسم التسجيل في مدرسة عدرا للسواقة، يكتشف أنّ إحدى الدورات التي حصل أصحابها على شهادات سواقة، تتضمن أسماءً بلا إيصالات مالية، ناقش الموضوع مع الموظف المعني بالإيصالات واستكمال الأوراق (ح)، ونظراً لارتباك هذا الأخير، فقد أثيرت الشكوك ودفعت زميله رئيس قسم التسجيل ومدير المدرسة للعودة إلى دورتين سابقتين، فوجدوا أيضاً أسماءً بلا إيصالات مالية أو غير مستكملة للأوراق، فسارع الموظف المذكور (ح) لمحاولة التغطية، ودفع من جيبه عن 16 شخصاً وردت أسماؤهم في هذه الدورة وفي الدورتين السابقتين.
أحال مدير المدرسة آنذاك رافع مهنّا القضية لوزير النقل، والذي أمر بدوره بتشكيل لجنة مهمتها جرد كافة أضابير دورات السواقة عام 2005.
اكتشفت اللجنة 227 طلباً أو إضبارة ضمن عام 2005، بعضها بلا إيصالات وبعضها فيه إيصالات قديمة تعود لأسماء مختلفة.
ثم قررت اللجنة العودة عاماً آخر إلى الوراء فحققت في أضابير عام 2004، فكانت النتيجة حوالي مئة طلب، كانت بلا إيصالات مالية أو غير مستكملة للأوراق المطلوبة.
ونتيجة ذلك وافق وزير النقل مرّة أخرى، على أن تعود اللجنة سنة أخرى إلى الوراء، فدققت في أضابير العام 2003، فكشفت مزيداً من خفايا هذه الحكاية: 130 اسماً آخر كشفت أضابيرهم أنّ بعضهم لم يدفع إيصالاً مالياً وبعضهم جرى استبدال إيصاله بآخر، وبعضهم كان بلا أوراق رسمية تستكمل طلب الحصول على الشهادة. توقفت اللجنة عند عام 2003، ولو أنها عادت إلى عام 2000 بداية انتقال مهمة مدارس السواقة من فروع المرور إلى وزارة النقل، فإنها «من المؤكّد كانت ستكتشف حالات مماثلة» كما قال مدير الرقابة في وزارة النقل، لكن لم يتضح حتى الآن، لماذا لم ترجع اللجنة فعلاً بالتدقيق حتى عام 2000 مادام في الأمر استعادة للمال العام؟
ويوضح مسؤول سابق في مدرسة عدرا أنّ احتمال تكرار هذه التلاعبات منذ عام 2000 وحتى 2003 «هو احتمال كبير، خاصة أنّ المعتمد كان في تلك الفترة هو إرسالية أي ورقة عادية بدلاً من الإيصال الرسمي»، «مايتيح ـ حسب قوله ـ إمكانية التلاعب أكثر، لأنّ الإيصالات الرسمية مرتبطة برقم وتاريخ معيّن بينما في الإرسالية، يمكن التحكم بالرقم والتاريخ». أربع شخصيات مهمة كان مدير مدرسة السواقة في عدرا منذ عام 2000 وحتى بدايات الـ2004 محمود البلخي، وهو يعتقد أنّ عهده كان نظيفاً من هذه التلاعبات، ويبرر كل الأسماء التي وردت على أنها لم تدفع الرسوم أو لم تستكمل الأوراق في عهده، بأنها «تلاعب من ذلك الموظف». ويكشف التدقيق في عام 2003وفي الفترة التي كان البلخي فيها مديراً، أن عدداً من أصحاب المناصب، وردت أسماؤهم على أنهم لم يدفعوا الرسوم المالية للحصول على الشهادة. كما يثبت تحقيق تشرين أنّ (4) من هؤلاء النافذين والذين حصلوا على شهادات السواقة عام 2003، حاولوا تدارك الفضيحة فدفعوا قيمة الإيصالات المالية في 14/8/2006، بالإيصالات التي تبدأ بالرقم (532675)، ولحسن الحظ فإن الإيصالات المالية لا يمكن التلاعب بها وإعادتها بالتاريخ إلى الوراء، ولذلك فإنّ أصحاب المناصب الأربعة والذين مازالوا يتربعون على كراسيهم في وزارة النقل وغيرها، دفعوا رسوم شهادات السواقة التي حصلوا عليها بعد ثلاث سنوات تقريباً، عندما بدأت الفضيحة تتكشّف والتحقيقات تتسع. أسماء متقاربة حوالي 350 شخصاً حصلوا على شهادات سواقة خاصة وعامة بين عامي 2003 ونهايات2005، دون أن يدفعوا رسوماً مالية ـ بحسب تقرير اللجنة التي شكلها وزير النقل ـ كما أشار التقرير إلى أنّ هؤلاء أيضاً لم يستكملوا أوراق التسجيل النظامية، بينما يبقى العدد المكمّل للـ505 محصوراً في الأضابير التي كان أصحابها قد دفعوا الرسوم فعلاً، لكنّ إيصالاتهم استبدلت أو تم إخفاؤها. ومن هذا العدد الكبير من المصنّفين على أنهم لم يدفعوا، يتبيّن أن المبلغ الفائت على خزينة الدولة، يكون أكثر من ضعف المليون ليرة، وهو الرقم الذي توقعه مدير الرقابة حكمت حسابو.
«يبدو أنّ عدداً من الموظفين كانوا متورطين في القضية وعلى مدى زمن غير قليل» يقول الدكتور محمود زنبوعة معاون وزير النقل والمسؤول عن مدارس النقل، ويضيف: «كانوا يعتمدون إحدى طريقتين، فإمّا أنهم كانوا يقبضون رسوم التسجيل من بعض الناس ويضعونها في جيوبهم، ثم يبحثون عن أضابير قديمة، فيأخذون منها إيصالاً ويضعونه في إضبارة الشخص الذي دفع الرسوم»، وهذا مايفسّر أنّ الأسماء التي وجدت في أضابيرها إيصالات، تعود لأشخاص آخرين، فقد «حاول المتورطون البحث عن إيصالات قديمة تحمل أسماء قريبة من الأشخاص الذين يرغبون في وضعها باسمهم»، كما يقول أحد أعضاء اللجنة.
وبمراجعة قائمة الأسماء، نجد التشابه الذي تقصّد المتلاعبون اعتماده في توزيع الإيصالات على الأضابير، فعلى سبيل المثال لا الحصر: (إضبارة عبد الرحمن محمد جاسم أرفقت بإيصال عبد الرحمن درويش سيد أحمد، وطلب أحمد شريف معه إيصال وائل شريف، بينما طلب وائل بسام شريف فكان معه إيصال وائل نايف، وأنس الحسن مرفق معه وصل أنس رمضان، ورياض كاظم المحمد مع رياض نظام الدين....). وهذه مجرد امثلة من تقرير اللجنة، ولاتعني أنّ أحد الاسمين لم يدفع الرسوم بل «هي نتيجة تلاعب هؤلاء الموظفين واستبدالهم الإيصالات، ليخفوا اختلاسهم لأموال الإيصالات..» كما يقول معاون الوزير. لكن في حالات أخرى، فقد تبيّن أن «آخرين لم يدفعوا فعلاً، ويبدو أن الموظف المسؤول أو أحداً ما في المدرسة، كان يأخذهم على عاتقه» كما يقول أحد أعضاء اللجنة.
المدير الحالي لمدرسة السواقة هشام كدكوي، يوضح أنّ هذه القضية دفعت لمزيد من المراقبة والتدقيق: «أصبحنا ندقق كل إضبارة مع الوصل المالي بالاسم والرقم والتاريخ»، ويعتقد كدكوي أن نظام المدرسة، كان يعاني خللاً ساعد على الفساد، ويقول: «كان في المدرسة 65 موظفاً معظمهم لاعمل لهم، ومن لا عمل له يشتغل بالسمسرة»، ويضيف: «الآن اختصرناهم إلى 22 موظفاً». محمود البلخي المدير الأسبق لمدرسة عدرا للسواقة، يفيدنا أنّه كان يقوم شهرياً بـ «كبسة تفتيشية على قسم التسجيل»، وهو يصرّ على أنّ كل الأسماء التي تنسب إلى عهده على أنها لم تدفع أو لم تستكمل أوراقها، كلها تعود لذلك الموظف الذي «ظهر عليه الثراء»على حد تعبير البلخي، فيما يعتبر المدير الذي تلاه رافع مهنّا أنّه هو «من كشف الفضيحة».
وفي ظل ابتعاد كل من المديرين السابقين عن المسؤولية المباشرة عما حدث، يبقى من «التسرّع اعتبار ذلك الموظف (ح) قد قام منفرداً بكل تلك الأخطاء دون مساعدة أو رعاية من أحد» كما يقول مدير الرقابة.
ورغم ذلك، فإنّ أبطال هذه الفضيحة التي انطلقت منذ نحو عامين، جميعهم مازالوا بعيدين عن أي شكل من أشكال المحاسبة، وسط تساؤلات عن سبب التأخر في التحقيق والمساءلة للمتورطين.
وما يعرفه مدير الرقابة الداخلية في وزارة النقل حكمت حسابو، وهو الذي يتولى التحقيق في القضية منذ ذلك الحين، أن الهمس يزداد عن أسباب التأخير أو الجمود في التحقيق، وهو يعرف أنّ ثمة تساؤلات تصل لحد الاعتراض، لاسيما إذا عرفنا أنّ مدير الرقابة ذاته، هو أحد الأسماء الرئيسية التي ذكرها تقرير اللجنة التي شكلها وزير النقل، حيث ورد اسمه على أنّه بلا إيصال مالي أي أنّه لم يدفع الرسم.
يعرف ذلك مدير الرقابة حسابو، ويعتبر أنّ أسباب تأخير التحقيق: «تتعلق باستكمال إفادات الموظفين المرتبطين بالقضية»، وأنّه شخصياً يعتبرها قمّة الموضوعية، أن يحقق مع نفسه في هذه القضية،...لكن هل تقبل قوانين الرقابة أن يتولى التحقيق في قضية ما شخص يشتبه في أنّه أحد المتورطين فيها؟
حمود المحمود
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد