تعمّق الأزمة الاقتصادية في تونس
عمّقت استقالة حكومة حمادي الجبالي الأزمة الاقتصادية في تونس، وكان أول المؤشرات تراجع البورصة أمس الذي جاء بعد ساعات من تخفيض جديد لتصنيف تونس للمرة الثانية في ظرف وجيز، إذ خفضت وكالة التصنيف «ستاندرد اند بورز» تصنيف تونس السيادي من «B B» إلى «-B B».
وذكرت الوكالة، في بيان لها، أن الوضع السياسي المتأزم وارتفاع منسوب الاحتقان السياسي جعلا من مناخ الاعمال مناخاً غير مناسب للاستثمار ولا لدفع التنمية. واعتبرت أيضاً أن الوضع قد يتطور نحو الأسوأ في غياب مؤشر للوضوح السياسي، وخاصة تحديد موعد للانتخابات.
التصنيف الجديد لم يكن مستغرباً. فمنذ أشهر لم ينقطع خبراء الاقتصاد التونسيون عن قرع أجراس الإنذار بشأن الوضع الكارثي المحدق بتونس، من بينهم وزير المال في حكومة الترويكا المستقيلة حسين الديماسي. الديماسي كان قد حذر من أن تونس مهددة بالسيناريو اليوناني، وأنها توشك على الإفلاس، إذ بلغ الوضع الاقتصادي بعد عامين من الثورة تدهوراً غير مسبوق بسبب الاحتقان السياسي الذي أثر على مناخ الاستثمار وهروب رأس المال وانكماش رأس المال الوطني.
وكانت منظمة الأعراف دعت في مؤتمرها الأخير إلى التسريع في حسم ملفات رجال الاعمال الممنوعين من السفر بسبب تهم تتصل بشبهة العلاقة مع النظام السابق في عدد من الملفات، وقد ترتب على هذا توقف رجال الاعمال عن الاستثمار، وهذا من بين أسباب الأزمة التي تفاقمت، خاصة بعد صعود الترويكا إلى الحكم.
بدوره، كشف الخبير الاقتصادي معز الجودي أن عجز الميزان التجاري وصل إلى ٦ مليارات يورو، وبلغت نسبة التضخم ٦ في المئة، كما انخفض احتياطي العملة الصعبة. كذلك كشف أن نسبة البطالة ارتفعت إلى ٨٥٠ ألف عاطل من العمل، فيما يقدر عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها حوالى ٣٧٠ مؤسسة متوسطة وصغرى، ووصلت نسبة الاقتراض الخارجي إلى ٥٠ في المئة سنة ٢٠١٢، ولم تتجاوز نسبة النمو ٠.٥% فقط!
هذه المعطيات يعتبرها الاقتصاديون كارثية بالنسبة إلى اقتصاد هش تمثل فيه السياحة والخدمات العنصر الأساس. وقد جاء اغتيال الشهيد يسري بلعيد ليزيد من مصاعب القطاع السياحي مع ازدياد إلغاءات الحجز، وخاصة في السوق الفرنسية.
وقد أعلنت هيئات وكالات السفر والفنادق دقة الوضع الذي يعيشه القطاع الذي يشغّل حوالى ١٠ في المئة من التونسيين ويمثل المصدر الاول للعملة الصعبة. كذلك يجمع خبراء الاقتصاد التونسي على أن أزمة تونس الاقتصادية الآن لا حل لها خارج الحل السياسي، وخاصة القضاء على بؤر العنف وأسبابه وبسط هيمنة الدولة وفرض سلطة القانون على الجميع واحترام الحريات ووضع خارطة طريق واضحة تقود البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة والإعلان رسمياً عن موعد إنهاء عمل المجلس التأسيسي، وهو ما من شأنه أن يطمئن الشعب ورجال المال التونسيين والمستثمرين الأجانب.
وما يخاف منه التونسيون اليوم هو «السمعة السيئة» التي يمكن أن تصبح عليها تونس في السوق العالمية إذا عجزت عن تسديد ديونها. وقد حذر البنك المركزي من تداعيات الأزمة السياسية على الوضع الاقتصادي والمالي الهش. وكشف محافظ البنك الشاذلي العياري أن كل المستثمرين الأجانب يطالبون بتوضيح خريطة الطريق حتى يستعيدوا نسق الاستثمار، لأن غياب مواعيد سياسية محددة من شأنه ألا يشجعهم على الاستثمار. لذلك طالب العياري بالتسريع في حسم التعديل الوزاري.
وستضطر تونس إلى الاستدانة لتسديد ديون قديمة ولصرف الأجور، وهذا دليل على كارثية الوضع الاقتصادي في بلاد ذات موارد محدود وتعوّل كثيراً على موقعها الجغرافي وخصوصيتها الطبيعية.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد