تراجع الحياة الاجتماعية في سورية
كلما أمعنا النظر في الحياة العامة للأسر ة السورية اليوم تنقلنا الذاكرة إلى عادات وتقاليد جميلة لم نعد نألفها ولم تعد تربطنا بها سوى خيوط رفيعة.ويصبح السؤال أكثر إلحاحا عن مبادرة أو دراسة تحليلية سواء أكانت من وزارات أم هيئات رسمية تعنى بمبادىء وعادات العائلة السورية الأصلية؟
ماالذي تغير في سلوكياتها العامة,في علاقاتها الاجتماعية في نمط معيشتها ؟وماذا أصاب الانسان السوري العادي الذي سمعنا أنه زمان كان صبورا, ضاحكا, شهما,متعاونا,فما هي الحكاية بالضبط ولماذا تغيرت هذه الأمور.
وكيف يفسر علماء الاجتماع والاقتصاد والنفس هذه التغيرات ...الخ استفسارات كثيرة في هذا التحقيق نأخذها من شخصيات عايشت الماضي وشهدت تغيرات الحاضر فجعلتنا نصحو معها على واقع مادي لم يستثن العائلة الريفية أو العائلة المدنية..
ولأن وراء كل انسان تفتح معه عبق الماضي قصة شديدة الخصوصية ما أن جلسنا في منزل العمة ندة رزق البالغة من العمر 93 عاما حتى اندمجت رائحة المكان ومحتوياته بكل مافيه من دلائل الماضي (الفانوس) دلة القهوة النحاسية الفناجين القديمة مدفأة الحطب وسقف البيت العائلي مع أنفاس العمة ندة التي أخذت تسرد لنا جوانب مدهشة في طريقة حياتهم الماضية وتفكيرهم.فبدأت الحديث عن شوارع البلدة الضيقة وبيوتها العربية المتلاحقة التي طالما جمعت الأحباب والجيران والأقارب في سهرات يومية يتبادلون فيها الأحاديث عن أعمالهم وأحلامهم وقصصهم الشخصية وعن مواسم الزيتون والحصاد ومشكلات الحب والزواج
ثم ركزت على الحياة في منزلهم حيث كان الناس يقصدون والدها للتقاضي وحل المشكلات فلم يكن هناك مخافر أو محاكم فذكرت قصصاً عن العمل الشعبي والتعاون لإزالة الخلافات ومواجهة المشكلات العامة فهي لاتنسى كيف اجتمع أهل البلدة لرصف الطرقات الموحلة بالحجارة (ناس تلم الحجارة وناس ترصف الشوارع) وكيف كانوا يجتمعون في ليالي الأعياد لصنع (الكرابيج) وهي المعمول حاليا وثم ينتهي بهم المطاف إلى بيت صاحب العيد لمساعدته في تحضير الطعام وتوزيعه على سكان القرية..
وحيث إن المكان الذي نتحدث عنه هو الغوطة الغربية من ريف دمشق فإن الناس كانوا يعيشون على زراعة الزيتون والخضار والقمح والشوفان فكانت العائلات تساند بعضها البعض في لم الرزق وقطاف المحصول وفي سليق القمح وطحن الطحين وتحضير الخبز كما كانوا يتساندون في الأحزان والأعراس ومن العادات التي لم تعد موجودة الآن وهي أنه عندما كانت العروس تركب على الفرس من منزل أهلها إلى منزل زوجها كانت كلما مرت أمام بيت من بيوت البلدة يرمى عليها فستان جديد يقدمه لها أصحاب هذا البيت كنوع من المساعدة وهكذا حتى تصل إلى بيتها الجديد.هذه العادة تسمى (الخلعة) وهي تطبق أيضا على العريس ثم يقدم أهل القرية لأهل العريس (حمولة) من السكر والرز والذبائح وكان ذلك بمثابة دين يقدمه الناس في المناسبات لمساندة بعضهم البعض.
وتتحسر العمة ندة على تلك الأيام قائلة لم نكن أغنياء ولكننا لسنا فقراء كنا نعيش مما ننتج وكل عائلة تتبادل مع الأخرى ما لد يها من منتوجات .
كنا نجمع البيض بالسلل ونوزعه على الأطفال في أيام الأعياد وكنا نرسل اللحم والحليب للعائلات التي ليس لديهم مواشٍ وكل شيء كنا نصنعه بأيدينا حتى الصابون والمربيات والسمن العربي وخوابي العسل لم نشعر أن شيئا كان ينقصنا .
ماذكرناه كان جزءاً بسيطا مما روته لنا العمة رزق لننتقل بالزمان والمكان من ريف دمشق إلى ريف حماه حيث تلاقي العائلة السورية هناك قسوة الحياة وحلاوة المعشر فتحدثنا الجدة حسن عن حياة الناس في منطقة الغاب وهي متحسرة على هذه الأيام التي وصلت إليها والتي أصبح فيها الجار لايدخل بيت جاره إلا في حالات المرض والموت بعد أن عاش برفقته أجمل سنين العمر والأولاد لايزورون أهلهم إلا بالشهر مرة والعائلة تعتمد بكل ما تحتاجه من غذاء ومواد استهلاكية على السوق فقط.
فيأخذها الحديث إلى خبز زمان (خبز التنور) المصنوع من القمح الخالص والمعجون بأحاديث النسوة وهن ينتظرن دورهن على الخبيز وإلى الأكلات الشعبية المغذية والى الخيرات الكثيرة التي كانت بين أيديهم والتي يعملن من أجلها طوال ساعات النهار وتفكر كيف أن جميع أفراد العائلة يعيشون ضمن نظام معين الجميع يحترم بعضه الآخر يعملون معا ويأكلون معا فكان النهار للعمل والليل للسهر فرغم عملهم المضني بالأراضي من حفر وسقاية أو قطاف للقطن أو حصاد فإنهم يعودون لمتابعة أعمال البيت ومن ثمة الاجتماع للسهر في بيت فلان أو فلان رجال ونساء وأولاد يجتمعون أمام نار الموقدة وعلى ضوء السراج تذهب أحلامهم إلى المستقبل وماذا سيفعلون بموسم هذا العام.
وضحكة الجدة كثيرا عندما ذكرت لنا كيف أنجبت ثلاثة من أولادها في الحقول حيث كانت تعمل فيقال لها كم عمر فلان تقول جاء في الصيف أيام الحصاد منذ عدة مواسم وهكذا.
وقالت كانت الحياة بسيطة والناس تعيش حياة طبيعية ليس فيها مظاهر أو كذب والجميع يساعد العائلة التي تقع في ضائقة ما ,مثلاً:كنا نسمع بيت فلان لم ينتهوا من قطاف القطن وأن السماء قد تمطر في أي لحظة فيهب الجميع لمساعدته في جني محصوله قبل أن يدركه المطر.
كما كنا نشترك في معايرة الحليب والخبز والبيض وغيرها من المنتوجات ونشترك في الأفراح والأعراس وكان يقولون :(يابخت من جمع رأسين على مخدة ,ويانحس من فرق بين عباده) هذه القناعات كانت موجودة في الرزق والمعيشة والزواج وفي كل الأمور.
ولاتختلف حكاية الجدة أم ياسر عن الحكايات السابقة إلا أنه لكل واحدة ذكرياتها وحنينها للأمكنة وإن تغيرت فعند كل صخرة وشجرة بلوط تركتها في القرية لها حكاية..وعند كل شجرة زيتون سقتها يداها مع أهلها تروي لنا قصة عمر مضت معه أجمل الأيام والتي تقول عنها إنها أيام مغمسة بالشقاء والتعب إلا أنها الأفضل والأجمل لأنها بعيدة عن كل ملوثات هذا العصرالرهيب وبالرغم من أنها تركت قريتها في بانياس وسكنت مع عائلتها في دمشق منذ أكثر من /27/ عاما إلا أنها نقلت معها عشقها وحبها لعادة كانت تمارسها كل يوم مع جاراتها وهي صناعة خبز التنور فحاولت صنع هذا التنور في دكانها المتواضع في حيها الذي تسكنه حاليا وبمجرد الدخول إليه نشتم رائحة الخبز الطازج الممزوجة برائحة دخان الحطب والذي يعيدنا إلى سنين خلت وعادات اندثرت حتى في قريتها ..وتتذكرها وتقول بأنها كانت تجتمع مع جاراتها لتخبز الخبز فواحدة تعجن وواحدة ترق العجين وأخرى تقف عند النار وتخبز وأخرى تجلب الحطب وهكذا كل يوم وكن ينشدن أجمل المواويل القديمة وبعد ذلك تطبخ الطعام لكل عائلتها مهما كبرت في وعاء كبير أسمه المقلي تضعه على الحطب المشتعل وتطبخ أشهى المأكولات وتجتمع كل أفراد العائلة والقريب من الجيران وكل هذا والطفل نائم في هزازته لا تشعربه على عكس أطفال هذه الأيام وتربيتهم الصعبة ويقاطعها زوجها ليقول :إنهم كانوا متحابين ويتساعدون في بناء البيوت الطينية وفي أيام الحصيدة وإنه من المستحيل أن يترك رجل يحصد لوحده دون مساعدة أقربائه له ويتحسر العم أبو ياسر ويقول أيام مضت بجمالها وشقائقها ولن تعود..
وكل من شاهد مسلسل الجاويش ومسلسل باب الحارة ستعود به الذاكرة إلى تلك الأيام التي امتازت بالعلاقات الدافئة بين أهل الحارة التي تعطينا أجمل الصور عن تعاون العائلة السورية في المدينة آنذاك.وهذا يؤكده لنا السيد نادر شموط الذي أشار إلى موضوع التعاون الذي جمع أفراد الحي الدمشقي ولاسيما أوقات المناسبات الأفراح والأحزان وأيام المونة وتحدث عن التسامح والبساطة التي كانت تميز تلك العلاقات.
أما السيد محمد نحاس قال:أين أيام زمان..كان أهل الحي يسألون عن بعضهم البعض وإن تخلف أحدهم عن أمسية من الأمسيات الدمشقية عند الحكواتي أو عند زعيم الحارة يذهب كل رجال الحي للسؤال عنه ولأيام رمضان حكايات أخرى أما الآن لم تعد موجود تلك العلاقات الحميمية فالجار لايسأل عن جاره وحتى في أيام العيد وهذا ما حدث معي سافرت لشهرين وعدت لبيتي ولم يشعر بغيابي أحد من سكان البناية ..أما موضوع تربية الأولاد فهذا موضوع آخر أصبحت صعبة جداً ويستغرب السيد نحاس من هذا الجيل وبقدرته على مجادلة الأب في كل صغيرة وكبيرة ويقول : ( جيل ما عاد استحى)وإنه كلما أغدقنا عليه بالمصروف يطلب المزيد ولايهمه سوى تقليد الآخرين أما ظروف الحياة فتجعله يعيش في دوامة لا يستطيع الخروج منها حيث سيطرت المادة على كل شيء حتى في موضوع التعليم والدراسة فمن يدفع أكثر يحصل على أفضل الجامعات.
تختزن الذاكرة بين طياتها الكثير من حالات الفرح والبساطة التي كانت تعيشها الأسرة السورية سواء في الريف أو المدينة فيصبح السؤال ملحا عن السبب في تغير العادات والعلاقات وعن رأي علم النفس وعلم الاجتماع في هذه التغيرات .الدكتورة هناء برقاوي في حديثنا معها قالت إننا نؤمن أن التغيير الاجتماعي سمة من سمات كل مجتمع وأن الأسرة أول الخلايا التي تتعرض للتغيير الاجتماعي وبداية التغيير طرأ على حجم الأسرة التي تحولت من أسرة ممتدة تضم عددا كبيرا من الأولاد المتزوجين وأولادهم والأم والأب والعمات أو الخالات ضمن منزل كبير يتوزع بمجموعة من الغرف وهو البيت العربي القديم إلى أسرة صغيرة مستقلة بمنزل صغير .
رافق ذلك تغير في العلاقات وأهمها تغير السلطة أو الكلمة النهائية التي كانت لرب العائلة أو الأخ الأكبر الذي يسير أمور العائلة والعلاقات بين السلطات قائمة على المودة والطيبة والشجار الخفيف يرافق ذلك سلوك اجتماعي ملتزم .
بعد ذلك والحديث أيضا للدكتورة برقاوي تطورت الحياة المعرفية والمادية فظهرت علاقات اجتماعية جديدة قائمة على مبدأ (الذي خلفه أبوك لك ولأخوك) فتجزأ البيت الكبير وتم بيعه لشراء منازل صغيرة ولكن في بعض العائلات وعلى سبيل المثال( العائلات الدمشقية القديمة) تباعد الأخوة من حيث السكن واستمروا بشراكة العمل ..وهذا نلاحظه أيضا عند أصحاب المهن إذ مهما كانت درجة تعلم الأولاد فإنهم يتركون جزءا من وقتهم لممارسة مهنة الأب أو الجد.هذا أثر على العلاقات الاجتماعية بمعنى أن التواد والتراحم الذي كان موجودا لتعايشهم مع بعضهم البعض تضاءل كثيرا بسبب البعد وظهور علاقات أخرى وقد انحصرت الصلات الاجتماعية في مناسبات معينة مثل الأعراس ,الأحزان,الأعياد كما انحصرت بعض القيم الاجتماعية الكبيرة على الأقل بشكل ظاهري نتيجة لظروف الحياة التي فرضت اختلافنا عنها.
ثم أكدت على موضوع الاستهلاك كأحد أسباب التغير إذا كانت الأسرة تقتني حاجات أساسية تساعدنا على مسيرة الحياة ,الآن وللأسف انتشار الإعلانات بشكل واسع حول منتوجات جديدة فرض تحول الكماليات الى ضروريات فتحولت الأسرة من نمط توفيري إلى نمط استهلاكي يصاب الأنسان فيه بهوس الشراء »الموبايل مثلاً) هو الآن حاجة لكنه يصبح كماليا عندما أسعى إلى تبديل الجهاز مع كل جديد يظهر, »التلفزيون) تحول من مصدر للمعرفة المسلية إلى وسيلة ترفيهية تفرض قيما وعادات سطحية بطريقة مبالغ فيها.
هناك مفاهيم عديدة تبدلت لدى الأسرة السورية مثل مفاهيم الخطوبة والزواج بعد أن كانت ميسرة وسهلة أصبحت وسيلة للتنافس في إظهار الأفراح وأيضا مسألة الانجاب التي تحولت إلى أمر يرهق العائلة من تكاليف الولادة إلى المبالغة في الضيافة وفي التحضيرات للمولود فلم يعد الفرح نابعا من القلب بل نجسده عبر مظاهر اجتماعية كاذبة لاتقدم ولا تؤخر فتحول فرحنا بالولادة ,والنجاح والشفاء من المرض إلى قيمة كمالية نتباهى بها أمام الآخرين.
كما تحولت علاقتنا ونظرتنا إلى الجد أو الجدة »المسن) الذي كان يحترمه جميع أفراد المنزل وينظر له »بأنه بركة البيت ) إلى شخص غير مرغوب بوجوده ولا ننسى كيف أصبحت المرأة تتفاخر بأنواع الأطعمة.
التي تحضرها من المطاعم بعد أن كانت تتباهى أمام زوجها وأمام الضيوف بما تحضر بنفسها من مأكولات...والخ.
وهنا المشكلة ليست في الأشخاص الذين حالتهم المادية مرتفعة وإنما بمن يتمسكون بهذه الأشياء لتقليد الأقوياء ماديا فترهق العائلة كاهلها من أجل إرضاء شعور بأنها ليست أقل من الآخرين.
وبالطبع هذه المقارنة ليست في محلها أين القناعة التي تربينا عليها ويفترض أن نربي أولادنا عليها وعبارة »القناعة كنز لايفنى) ليست مجرد قول أو حكمة لنردده دون العمل به.
والحديث هنا عن هذه التغيرات يقودنا إلى الحديث عن استمرار الفجوة بين طبقات المجتمع السوري والذي يسجل تراجعا في العدالة الاجتماعية وتتسع معه الدائرة الاجتماعية للفقراء ويستمر تراجع حجم وسعة شريحة الفئات الوسطى التي يقام عليها الهرم الاجتماعي مما يضع أعدادا كبيرة من العائلات على حافة الهشاشة الاجتماعية هذا ما تؤكده الدراسة الإحصائية لمكتب الأحصاء في عام 2004 حيث إن حاجة الفرد للغذاء تبلغ 1420 ل.س شهريا وبالتالي أصغرعائلة تحتاج إلى 7000 ل.س للطعام فقط وهو ثلث نفقات الأسرة أي أن ثلثي نفقات الأسرة دون تغطية مادية وبالتالي أن العائلة المؤلفة من خمسة أفراد تحتاج إلى 15 ألف ليرة سورية في الشهر ومن المعروف أن رواتب العاملين لا تصل إلى هذا المستوى وبالتالي معظم العاملين في القطاعين هم دون خط الفقر.ورغم عمليات التجميل لهذا الواقع لابد أن نعترف أن هذه الأسباب هي الأكثر وجاهة والتي أدت إلى تغيير أنماط وعادات العائلة السورية.
الدكتور سمير مراد رئيس »قسم تربية الطفل) يشير إلى سلبيات فرضهاعليه العصر الحالي على الأسرة الحديثة مثل الضغط الاقتصادي الذي تعاني منه ا لكثير من الأسر الذي جعل الأب منشغلا دائما لتغطية نفقات العائلة والتي تزداد بزيادة تقنيات العصر وهذا على حساب متابعته لأبنائه في سلوكياتهم وتربيتهم وهذا ينطبق على وضع المرأة التي أصبحت تعمل داخل وخارج المنزل وهذا السعي الدائم أبعد العائلة عن التواصل وجعل علاقة الأب والأم مع الأولاد تأخذ أشكالا مختلفة وبدأت الأسرة تعي عملية الحوار والانتباه إلى ميول ورغبات الأبناء بينما في السابق يحاول الأهل خلق نسخ عنهم ويفرضون عقوبات صارمة لاتراعي الخصائص الفردية للأبناء ولكن هناك إيجابيات للضبط السلوكي السابق الذي يرتكز على الاخلاقيات واحترام الكبار والصغار ولاسيما الأب الذي كان له الأثر الكبير في البيت والحياة كانت بسيطة تتسم بالبساطة والعفوية كانت تصل إلى درجة المشاركة بين أفراد الأسرة للحاجات الخاصة بينما النمط الحديث يقوم على استقلالية بكل شيء.
ويضيف د.مراد إن أهم ما يميز هذا العصر هو كثرة المؤسسات المنافسة للأسرة والتي أصبحت أقوى وتلعب دورا كبيرا في التأثير على سلوكيات الأبناء مثل وسائل الأعلام والانترنيت والاصدقاء ووسائل الترفيه والتنافس أصبح كبيرا في زمن ارتفعت به التكاليف والعلامات للدراسة والاهل يتسابقون لجلب أساتذة خاصين للأبناء وهذا مؤشر سلبي لعدم قيام المدرسة بدورها وبأنها مقصرة والبعض استغل هذه الدروس لغايات ربحية.
ان كل ماقيل في هذا الموضوع يشير بأصبع الاتهام إلى تكاليف الحياة المادية الصعبة التي غيرت معها الكثير من طرائق الناس وطبائعهم وهذا يضعنا أما استفسارات أخرى عن شكل هذه التغيرات المادية التى طرأت على العائلةالسورية بشكل عام ؟
الدكتورمحمدجميل عمر رئيس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد أجابنا قائلاً هناك علاقة متشابكة بين الوضع المادي للعائلة وبين مستوى معيشتها فمنذ فترة زمنية طويلة كانت متطلبات العائلة أقل بكثير مما هي عليه بالوقت الحالي لسببين أساسيين الأول :ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تتطلبها الأسرة والثاني ارتفاع عدد هده الحاجات وتفرعها وكأن الأنسان مخلوق عجيب مصاب بداء الحاجات فكلما أشبع حاجة يتولد لديه حاجات أخرى وهذه الزيادة في متطلبات المواد الاستهلاكية للعائلة أدت إلى زيادة العبء المادي على أفرادها .
والمشكلة في واقعها :إن معدل أرتفاع الدخل الذي حدث لا يتوازن مع معدل ارتفاع الأسعار وهذه الفجوة شكلت ضغطا كبيرا ً على مستوى المعيشة للأسرة من جهات متعددة أهمها أنه كلما انخفض المستوى المعيشي للأسرة انعكس ذلك على الحالة الصحية والنفسية والتعليمية لهذه الأسرة وكما تؤثر على العمل والحالة الاجتماعية لأن الأنسان القوي في عمله وبلده تكون إنتاجيته وحياته الاجتماعية أقوى.
والذي يزيد المشكلة تعقيدا ً هو ارتفاع تكاليف الصحة وتكاليف التعليم والغذاء والكساء والبيوت وغيرها من الأساسيات مما شكل ضغط جديد وأكبر على الأسرة ودفع الأمهات للمشاركة في التحصيل المادي للمساهمة في نفقات العائلة هذه التغيرات وانخفاض المستوى المادي للأسرة أدى إلى عدم قدرة الشباب على الدخول في الزواج وتأخرسن الزواج الذي انعكس بدوره على الفتيات وأدى إلى زيادة نسبة العنوسة وهذا بالطبع له انعكاساته الاجتماعية والاخلاقية الخطيرة ثم تأتي مشكلة البطالة حيث لدينا ما يزيد عن 800 ألف نسخة عاطل عن العمل .
وبشيء من التفصيل عدنا مع الدكتورجميل لنسأله كيف أثر ذلك على سلوك الناس والعلاقات العائلية ؟
فقال :الضغط المادي للأفراد جعل هؤلاء يخصصون القسم الأعظم من وقتهم إلى العمل من أجل تحصيل نفقات الأسرة هذا أعطى وقتا أقل للاشراف على تربية الأولاد ووقت أقل للحاجات الترفيهية ومن ضمنها الحياة الاجتماعية والتواصل في الزيارات والعادات التي كنا نراها سابقاً تغير الكثير منها أصبحت المظاهر المادية تطغى على الجوانب الأخرى في علاقات الناس فيما بينهم فمن سلبيات الحضارة تراجع مساعدة الناس لبعضهم البعض وخاصة بين الأقرباء فكان سابقا عندما يريد شاب الزواج يساهم جميع أفراد العائلة والأصدقاء لتأمين حاجات الزواج, هذا الدور تقلص كثيرا , وكان الشاب المتزوج يسكن في منزل أهله بعلاقة فيها الكثير من الانسجام لكن التقدم الحضاري أخرج الأولاد ليشكلوا بيوتا مستقلة وهذا بدوره أدى إلى تحديد عدد الأولاد فلم يعد هناك عائلة كثيرة العدد.
ويمكننا القول انخفاض الوضع المادي يكمن وراءه الفقر والأمية والجنوح وارتكاب أعمال إجرامية وانحرافات وغش...الخ.
والحل الأمثل لكي تتوازن الأسرة والعلاقات هو إعادة توزيع الدخل بين الأفراد بشكل عادل بحيث يستفيد من الثروة الشريحة الكبرى.
ميساء الجردي- براء الأحمد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد