بلاك ووتر لبناني

07-11-2007

بلاك ووتر لبناني

صباح كل يوم, وأنا في طريقي إلى العمل, يطالعني الرجل الأربعيني إياه,الذي جلبوه على عجل, أو ترك زوجته في المنزل والتحف طائفته رداً لغائلة أو إشباعاً لغلّ, وهو يقف مستفَزاً ومتأهباً,رِجله اليمين إلى الأمام واليسرى إلى الخلف, رافعاً يده إلى مواجهة فمه,حاملاً فيها جهاز إرسال,يراقب السيارات العابرة, يبحلق فيمن يديرون المقود وكأنه يريد التهام عدو,أو فاته قطار التشبيح في الحرب الماضية.

هذا منظر طبيعي في بيروت رجال.. شبان باليونيفورم, أغلبه يشوبه الأزرق يتفيؤون مبنى أو يقفون على الناصية, بعضهم إذا اقتربت من المكان المولج بحراسته يسألك بهدوء مصطنع عن وجهتك..هكذا ومنذ اندلاع الثورة السيادية تفشت, جراء استتباب الأمن وتنعم لبنان به, ولأسباب ميليشايوية متنكرة بشكل ظاهر, الشركات الأمنية في العاصمة اللبنانية لتضارب على محال الفراريج والمناقيش .‏

بدأت الشركات الأمنية ذات الطابع الحمائي في لبنان عام 1986 إبان الحرب الأهلية عبر (الشركة اللبنانية ر السويسرية للأمن والمراقبة),وزاد عددها بعد اتفاق الطائف وبداية ما سمي تفنيصاً (السلم الأهلي), لكنها حتى اغتيال الحريري وتحديدا حتى نهاية عام 2005 لم يتجاوز عددها ,18 وبحنكة وحكمة السبع وفتفت تجاوزت الآن,حسب رأي المطلعين 33 شركة أمن مرخّص لها,والبعض يقول أكثر, فوزارة الداخلية لا تبوح بالمستور, 21 منها يقودها ضباط متقاعدون, ويصل عديد عناصرها إلى أكثر من 20 ألفا, أي جيش صغير, من عسكريين متقاعدين أو خارج الخدمة أو من بقايا ميليشيات مع ما أضيف إليهم من تيارات سياسية معينة أتوا من عكار والضنية والمنية والبقاع وإقليم الخروب وغيره, وللأمانة اذهبوا إلى بلدة (برقايل) في عكار لتكتشفوا كم عدد الشباب الذين انخرطوا في هذه الشركات مقابل 400 دولار شهرياً, وتم تأهيلهم أو إعادة تأهيلهم محلياً أو في أماكن عربية (معتدلة) ...‏

في الظاهر لا يبدو للعيان أي تشابه بين الشركات الأمنية اللبنانية وشركات الأمن والحماية التي غزت العراق بعيد احتلاله, لكن بقايا الميليشيات من جماعة أنطوان لحد الذين ذهبوا إلى إسرائيل بعد العام ,2000 وأقرباؤهم وأنسباؤهم في تنظيمات (شقيقة) يمموا شطر الرافدين للعمل كخبراء ومقاولين مرتزقة في الشركات الأمنية هناك, والتي بلغ عددها حالياً حوالي 130 شركة, جمعت في اتحاد يدعى PSCAI( بعدد يتجاوز ال 40 ألف مرتزق,وأهمها وأشهرها (بلاك ووتر) التي ذاع صيتها بعد مقتل أربعة من أشاوسها في الفلوجة, وقتلها العشرات من العراقيين,ابنة عم ديك تشيني وحبيبة بول بريمر,وشركة (دين كورب),كما اشتهرت شركتا (كاسي أنكوري كوربوريشن) و ( تيتان كوربوريشن ) بتعذيب واغتصاب سجناء عراقيين في سجن أبو غريب .‏

ذات يوم تفصّح اليوزباشي فؤاد السنيورة متباهياً (لبنان انتقل من الدولة الأمنية إلى الدولة الآمنة), دون أن يخبرنا كيف تم هذا الانتقال وكيف لم تستطع وزارة داخليته السبعية والفتفتية اكتشاف عبوة واحدة أو خيط اغتيال طيلة عامين ونيف, لا بل خرج السبع بعد حادثة عين علق ليتهم بالسياسة دون أن يعود للاعتذار بعد ذوبان الثلج.‏

هل الأمن في الفلسفة السنيورية التي تتعهد العمل الحكومي على الورق منذ أكثر من عام أن ينتشر العاطلون عن العمل أمام المطاعم والفنادق والشركات والكازينوهات ومحال الألبسة والمولات والمربعات والمثلثات والمكعبات والمستطيلات الأمنية ?, أم هل تحتاج بيروت إلى نصف عدد مقاولي الأمن في العراق الذي ينتشر فيه 150 الف يانكي?.‏

هذا هو السؤال, على طريقة جنبلاط . أما الجواب فهو في الفنادق والشقق المفروشة التي ينتشر فيها رجال متعددو الألوان في بيروت, وأمنيون بلباس موحد على الأبواب والأرصفة لرسملة البلاك ووتر اللبناني عندما تدعو الحاجة..وهي قريبة.‏

غسان الشامي

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...