انقسام لبناني حول عملية حزب الله
أحدثت عملية اسر الجنديين الاسرائيليين وما تلاها من مواجهات عسكرية هزة سياسية كبيرة في الداخل اللبناني بعدما انقسم السياسيون بين مؤيد للعملية ورافض لها منطلق رفض اقحام لبنان في «مغامرة نحو المجهول».
ومنذ انطلاق المواجهات نشطت الاجتماعات واللقاءات التشاورية بين القيادات السياسية من فريقي الاكثرية والاقلية النيابية، اتصلت النائبة بهية الحريري برئيس مجلس النواب نبيه بري للتشاور معه في سبل مواجهة نتائج العدوان وآثاره ودعم صمود الجنوبيين. كما اتصلت برئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة للغاية نفسها. وبحثت معه في امكان ارسال فرق اغاثة الى الجنوب باسرع وقت لمساعدة المواطنين. ودعت الحريري فاعليات الجنوب اللبنانية والفلسطينية الى اجتماع طارئ في دارة العائلة في مجدليون لمتابعة التطورات.
وعقدت هيئة المتابعة لقوى «14 اذار» اجتماعا استثنائيا ظهر امس في المجلس النيابي جرى خلاله «تداول التطورات الأمنية الراهنة». وتوجه المجتمعون بعد الاجتماع الى السرايا الكبيرة للقاء الرئيس السنيورة.
وفي اطار المواقف، حيث الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية عقب اجتماع في مركز حزب البعث في بعلبك «العملية الجريئة الني نفذتها المقاومة الاسلامية بأسر الجنديين الاسرائيليين واقتحام تحصينات الاحتلال وترسانته العسكرية». وهنأت الاحزاب «قائد المقاومة وسيدها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على وفائه تجاه كل المعتقلين في سجون العدو». وعاهدته بـ «الوقوف خلف قيادته الحكيمة».
ورأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني «ان العدوان الاسرائيلي على لبنان هو استمرار لعدوانه على الارض الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة ولبنان الذي سيقف صفا واحدا في وجه هذا العدوان». ودان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان «الاعتداءات الاسرائيلية الجوية والبرية والبحرية التي استهدفت الجنوب وبنيته التحتية وأوقعت شهداء واضرارا». واعتبر «ان اسرائيل من خلال اعتداءاتها تهدف الى ضرب الاستقرار في لبنان. وهي تريد تفجير المنطقة برمتها».
ورأى الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل «ان قرارات الحرب والسلم لا تأخذها الا الدولة اللبنانية. ومن غير المقبول ان يقحم لبنان في حرب وخصوصا في ظروف لا تخدم مصالحه الوطنية». واضاف: «ان ما يحصل يدفع لبنان باتجاه المجهول وفي نفق لا نعرف اين يمكن ان يوصله. واعتقد ان من المهم ان يدعو رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الى مؤتمر الحوار الوطني وان يكون هناك موقف وطني واضح وان نصارح بعضنا البعض حول المعطيات المتوافرة على الارض وان تكون هناك مسؤولية مشتركة. ولا يحق لاحد ان يقحم لبنان في هكذا مغامرة».
واعتبر النائب بطرس حرب «ان ما حدث في الجنوب امر مفاجئ. وجاء في ظرف دقيق وفي وقت غير ملائم لكوننا في عز موسم الاصطياف». وقال: «يجب ان نقرر الى من يعود اتخاذ قرار الحرب والسلم في لبنان. هل يعود الى الشعب اللبناني ومؤسساته الشرعية او يبقى هذا القرار منحصرا في يد فريق من اللبنانيين؟».
وتلقى الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله اتصالا هاتفيا من المرجع الشيعي الشيخ محمد حسين فضل الله، هنأه فيه بـ «العملية النوعية للمقاومة الاسلامية» التي تم خلالها أسر جنديين اسرائيليين، مشيدا بـ «المستوى الخططي والتنفيذي الذي تتمتع به المقاومة الاسلامية والأداء الجهادي المميز الذي يمثل قدوة للعمل الاسلامي المقاوم النظيف الذي يشرف الأمة ويعطي الزخم والدفع لمصلحة قضايانا الكبرى وخصوصا قضية فلسطين».
وهنأت حركة «حماس» «حزب الله» باسره الجنديين الاسرائيليين. واصدرت بيانا رأت فيه «ان عملية الاسر التي قام بها مجاهدو حزب الله تؤكد من جديد تكامل مشروع المقاومة ضد الكيان الصهيوني، سواء أكانت هذه المقاومة في فلسطين او في لبنان او في محيط فلسطين». كما هنأت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المقاومة بعمليتها «البطولية التي توجت بأسر جنود اسرائيليين وقتل اخرين«. واعتبرت «ان هذه العملية هي انجاز كبير لمصلحة لبنان وفلسطين. وتشكل دعما حقيقيا للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في الضفة الغربية وقطاع غزة».
واعتبر «تيار المردة» الذي يرأسه النائب السابق سليمان فرنجية «ان المقاومة اثبتت اليوم أهمية استراتيجيتها للدفاع. وان عملية أسر الجنديين الاسرائيليين عمل مقاوم جبار، فالمقاومة وعدت ونفذت». ورأى الحزب السوري القومي الاجتماعي ان العملية «حدث كبير يمنح مجددا المقاومة وسلاحها الشرعية والصدقية». واشاد الحزب الشيوعي اللبناني بـ «العملية البطولية للمقاومة الاسلامية» داعيا الى «التصدي المشترك للعدوان الاسرائيلي على لبنان وشعبه». وقال: «ان هذه العملية البطولية هي عمل مشروع تماما في سياق المواجهة مع العدو الاسرائيلي الذي يواصل احتلال جزء من الاراضي اللبنانية، فضلا عن استمرار اعتقال اسرى لبنانيين من ابرزهم عميد الاسرى سمير القنطار».
وبارك المكتب السياسي لـ «حركة التوحيد الاسلامي ـ مجلس القيادة» في بيان اصدره امس «العملية البطولية للمقاومة في جنوب لبنان». واكد «ان الامة ما زالت بخير وان سواعد المجاهدين ما زالت بالمرصاد».
وفي وقت لاحق أعلن الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ حسن نصر الله ، أن كل ما يريده الحزب من العملية التي نفذتها المقاومة الاسلامية امس «هو أسر جنود لمبادلتهم... والسلام»، مؤكدا ان الحزب «لا يريد التصعيد في الجنوب ولا أخذ لبنان والمنطقة إلى الحرب». وحمّل إسرائيل مسؤولية أسر اثنين من جنودها لرفضها الإفراج عن الأسرى اللبنانيين، معتبرا أنها لو أفرجت عنهم «لنزعت هذه الورقة من يد حزب الله». وكشف أن الحزب كان يخطط لعملية الأسر منذ 5 أشهر، نافيا أي ارتباط بينها وبين التقارب الأخير بينه وبين «تيار المستقبل» الذي يقوده النائب سعد الحريري.
ونفى نصر الله، في مؤتمر صحافي عقده امس، ما يشاع في بعض وسائل الإعلام عن حالة نزوح كبيرة من القرى الأمامية في جنوب لبنان. ولفت الى أن المقاومة أعلنت أسر جنديين إسرائيليين «وبطبيعة الحال كل تفصيل بوقته. والاسرائيليون اعترفوا بان هناك جنديين اسرائيليين أسرا. ويبدو أن عددا من القتلى من جنود الاحتلال وقعوا في المواجهة الاولى. وهناك كلام عن سبعة قتلى».
وأكد نصر الله «أن أي توغل إسرائيلي لم يحصل. وكل ما حصل هو توغل في نقطة واحدة هي موقع الراهب الواقع قرب عيتا الشعب. تقدمت دبابة اسرائيلية وتم تدميرها وسقط طاقمها بين قتيل وجريح. وكان العدو الاسرائيلي قبل ساعات طلب وقفا لإطلاق النار في هذه البقعة لسحب قتلاه وجرحاه. ونحن قلنا إن المطلوب وقف إطلاق نار شامل وليس وقف إطلاق نار في بقعة»، مشيرا إلى أن الأسيرين الإسرائيليين «أصبحا في مكان آمن وبعيد».
وشدد نصر الله على «أن ما جرى اليوم (امس) حقنا الطبيعي. وهذا هو الطريق الوحيد المنطقي الموجود لان لا المجتمع الدولي سيحرر الأسرى ولا المؤسسات الدولية ولا المؤسسات الإقليمية، ولا الحكومات ولا الأنظمة ولا المفاوضات السياسية».
وقال: «العملية حصلت والأسرى موجودون. الإسرائيلي قام بمجموعة ردود فعل حتى الآن. ونحن مارسنا ضبط النفس. ولكن أي توغل أو أي تقدم داخل الاراضي اللبنانية كان يقابل بقسوة. وقبل نصف ساعة تم ضرب عدد من المواقع القيادية العسكرية الإسرائيلية كرسالة واضحة أن ضبط النفس الذي تمارسه المقاومة حتى الآن ليس ضعفا ولا ترددا، بل هناك رسالة واضحة اننا جاهزون للذهاب بعيدا لكن ما زلنا نمارس ضبط النفس ونتصرف بردود فعل محسوبة ومدروسة».
وأعلن نصر الله: «أن الأسيرين موجودان. ولن يعودا الى الديار إلا بوسيلة واحدة هي التفاوض غير المباشر والتبادل. ولا أحد يستطيع في كل هذا الكون أن يردهما الى ديارهما إلا التفاوض غير المباشر والتبادل. وإذا أراد الإسرائيلي التفكير بأي عمل عسكري وكان هدفه استعادة الاسيرين، فهو واهم، واهم، واهم حتى ينقطع النفس. لن تستطيع اسرائيل وفي ظهرها العالم كله أن تعيد الأسيرين الى ديارهما المغتصبة».
ولفت إلى «أن لبنان يتعرض منذ اللحظة الاولى لضغوط شديدة من السفير الأميركي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والسفارات الأجنبية... ونحن في العام 2000 واجهنا وضعا مشابها من التهديد والتهويل. في أي حال، أي عملية عسكرية لن تؤدي لاستعادة الأسرى. وهذا أمر محسوم. أما إذا كان الهدف تدفيع لبنان الثمن لهذه العملية التي قامت بها المقاومة في هذه النقطة ـ وأنا أعرف حساسية الموقف لبنانيا وإسرائيليا وفلسطينيا وعربيا ودوليا ـ نحن هدفنا مما جرى هو أسر جنود إسرائيليين لنبادل بهم، والسلام. ونحن لا نريد التصعيد في الجنوب وهذه ليست نيتنا. ولا نريد أخذ لبنان الى الحرب ولا أخذ المنطقة الى الحرب. أما إذا أرادوا المواجهة فعليهم أن يستعدوا للمواجهات. ونحن حاضرون للمواجهة ونذهب اليها بعزم وإيمان قوي ويقين بالنصر».
وأضاف: «أما رسالتي إلى الداخل، والوقت في لبنان ليس وقت مزايدات وجدل، أنا لا أطلب من أحد دعما ولا مساندة. ولكن ألفت نظر اللبنانيين، رسميين وغير رسميين، أن لا يتصرف أحد بطريقة تشجع العدو ولا أحد يتصرف بطريقة تشكل غطاء للعدوان الإسرائيلي على لبنان. الوقت وقت تضامن وتعاون لمواجهة هذا الاستحقاق. ولاحقا سنكون جاهزين للنقاش وجاهزين للجدل. حذار من ارتكاب أي خطأ يشكل عونا ودعما ومساندة للعدوان. البلد امام استحقاق. ويجب ان يتصرف الجميع بمسؤولية. والحكومة اللبنانية معنية بان تتصرف بمسؤولية وطنية. واليوم هناك اتصالات كثيفة تطالب بإعادة الجنديين الإسرائيليين الآن وإلا سنواجه أوضاعا صعبة. وجوابي هو: في أي عالم يعيش هؤلاء؟ الحكومة اللبنانية مسؤولة عن الحفاظ على البلد. وجزء من هذه المسؤولية ألا تدع لبنان مكشوفا أمام العدوان الإسرائيلي».
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد