اليمن: يوميّات القتل العادي في ظل الجماعات المسلّحة
في مساء عيد الأضحى، سُرقت سيارة ناشط في الحزب الاشتراكي اليمني في منطقة قريبة من مقر جهاز الأمن السياسي في العاصمة صنعاء، ونجح المسلّحون في تنفيذ عمليتهم من دون أن يلاقوا اعتراضاً من عناصر القوات الأمنية الموجودة بكثرة في تلك المنطقة.
يتكرر الأمر في مدن يمنية أخرى، ومن أبرزها مدينة تعز (جنوبي صنعاء)، التي تُعتَبر واحدة من أكثر المدن اليمنية كثافة سكّانية وأكبرها من حيث المساحة الجغرافية.
رغم ما هو معروف عن أهلها من تسامح، أصبحت تعز مجالاً مفتوحاً لانتشار جماعات مسلّحة تأتي إليها من المدن المجاورة وتتحرك بداخلها بسهولة وتقوم بتنفيذ عمليات قتل.
فقبل يوم واحد من الاحتفال بعيد الأضحى، دخلت إلى تعز جماعة من محافظة مأرب النفطية، وأقدمت على قتل أكاديمي شاب هو الشقيق الأصغر لواحد من أكبر مشايخ المدينة الجدد وقريب من حزب التجمع اليمني الديني للإصلاح، كما هو قريب من القائد العسكري علي محسن الأحمر الذي كان الذراع اليمنى للرئيس السابق علي صالح وانشق عليه في سياق الثورة الشعبية.
عملية القتل هذه دفعت عناصر قبلية تنتمي إلى أسرة الشاب القتيل إلى الهجوم على عدة تجمعات تابعة لأبناء محافظة مأرب ويقيمون في تعز، ما أثار عدداً من جماعات مسلّحة من قبائل مأرب للدخول إلى تعز لتحصل مواجهات مفتوحة بينهم. لعلها عمليات نجحت في تحويل المدينة الأكثر مَدَنية في اليمن إلى ما يشبه غابة لا احتكام فيها إلا للسلاح وقوته.
وكان من الممكن أن تتمدد تلك المواجهات وسط غياب شبه تام للقوى النظامية، في حين تدخلت شخصيات اجتماعية وسياسيّة من المحافظتين ونجحت في عقد اتفاق قضى بسحب كل العناصر المسلحة من الجهتين وتمكين قوى الأمن من متابعة الجناة الذين كانوا سبباً في اندلاع المواجهات.
وفي محافظة مأرب نفسها، تعرّضت أنابيب النفط مجدداً لاعتداء تخريبي أدى الى توقف أحد الأنابيب الرئيسة عن الضخ. فقد أقدم مسلّحون تابعون لإحدى القبائل على تفجير أنبوب لم يمر على إصلاحه سوى يومين فقط بعد تفجيره من قبل عناصر تابعين لقبيلة أخرى. وكانت هذه القبيلة الأخرى نجحت في عقد اتفاق مع محافظ المدينة على إعطاء العناصر الذين فجّروا الأنبوب مبلغ مليوني دولار أميركي مقابل السماح للفريق الهندسي المختص بإصلاح الأنبوب.
ويعتبر هذا مبلغاً معقولاً بالنسبة إلى الحكومة بالنظر إلى حجم الخسائر الناتجة من استمرار توقف عملية الضخ، إذ تقدّر حجم الخسائر بما يوازي مبلغ 15 مليون دولار في اليوم الواحد.
والمعروف أن القبائل التي تقوم بالاعتداءات لا تجد نفسها مضطرة إلى الهروب من المواقع التي تعتدي عليها، بل تبقى مرابطة هناك وواقفة أمام أي تقدم لفرق هندسية تسعى لإصلاح ما تضرر، وسط عجز تام من قبل القوى الأمنية النظامية عن الاقتراب من هناك.
المحافظات الجنوبية بدورها لم تكن على مسافة بعيدة عن عمليات القتل والقتل المضاد؛ منطقة الضالع القريبة من مدينة عدن كانت مسرحاً لحوادث قتل حصلت في وسط حشد جماهيري كبير أتى للاحتفال بذكرى ثورة اكتوبر الجنوبية، وتأكيد إعلان فكّ الارتباط عن سلطة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، والحق في تقرير المصير.
لكن ظهر أن السلطة النظامية لم يكن لها يد في القتل الذي حصل. لقد اختلف المشاركون في تحديد من يدير دفة الاحتفال ويقود فعالية المنصّة. إشارة أكدّت أن الحراك الجنوبي قد تحول فعلياً إلى أكثر من حراك وله أكثر من قيادة، وما يجمع بينهم جميعاً هو توافر السلاح بنوعيه، الخفيف والمتوسط، وما يطرحه هذا الأمر من تساؤلات حول الجهة التي تقوم بتوفير كل هذا الكمّ من الأسلحة في وسط حراك شعبي تكرر إعلان أصحابه أن يبقى حراكاً سلمياً وألا يتجه في طريق العنف.
وفي حين يسيل كل هذا الدم اليمني في مختلف محافظات الجمهورية، اكتفى الرئيس هادي بإعلان قرار جمهوري قضى بإنشاء صندوق جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومعالجة أوضاع الجرحى والشهداء لحرب 1994 وحروب صعدة ورعاية أسرهم. وبحسب القرار، فإن جبر الضرر هو الإجراءات والتسويات الساعية لتعويض الضحايا عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، والتي لا تزال آثارها مستمرة من دون أن يتلقوا أي نوع من أنواع جبر الضرر من قبل.
إلى ذلك، لم يتأخر الرئيس هادي عن إعلان استيائه من عدم عقد مجلس الوزراء لاجتماعه الاسبوعي المعتاد. لقد اكتشف أن نحو 16 وزيراً، بمن فيهم رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة، قد غادروا البلاد لأسباب عدّة. من تلك الأسباب ما هو خاص بغرض العلاج في ما يخصّ رئيس الحكومة، إذ قال مصدر مسؤول في مكتب رئيس الحكومة في تصريح إعلامي إن باسندوة غادر إلى ألمانيا في رحلة علاجية مستغلاً فترة إجازة العيد وإن تكاليف الرحلة كلها من ماله الشخصي، «ولم يكلف خزينة الدولة فلساً واحداً»، متحدّياً «المغرضين» إثبات عكس ذلك.
ومن تلك الأسباب أيضاً ما هو خاص، لكن بغرض السياحة والاستجمام لبعض الوزراء الذين اصطحبوا معهم عائلاتهم في تلك الرحلات في ظواهر أثارت استياءً شعبياً، خصوصاً أن البلاد تشهد اختناقات في كافة مناحي الحياة فيها.
أمر دفع الرئيس هادي الى التوجّه ليلة عيد الأضحى نحو جزيرة سقطرى الشهيرة بطبيعتها السياحية وإعلانها محافظة جديدة تنضم إلى باقي محافظات الجمهورية اليمنية، كأنه يقول لوزراء حكومته إن السياحة الداخلية أجدى نفعاً للخزانة العامّة وتوفيراً لنفقات بالعملة الصعبة ستذهب الى خارج البلد. إعلان اعتبره مراقبون قراراً فردياً مستعجلاً جاء كردّ فعل ويتطابق مع قرارت رئاسية سابقة كان الرئيس المخلوع علي صالح قد أعلنها. قرارات قضت باستحداث محافظات جديدة وبنحو حصل بعجالة وردّ فعل فردي من غير توافر أي دراسات علمية متخصصة تشير إلى عوائد مجزية من وراء تلك القرارات.
ورأى معارضون أن هذا القرار إنما يأتي تمهيداً لوضع الفيدرالية وإطار الأقاليم الذي سيكون عليه شكل الجمهورية اليمنية بالنظر إلى سياق العناوين العريضة التي خرجت من بوابة مؤتمر الحوار الوطني.
جمال جبران
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد