الموشح اليمني.. نصف للدنيا ونصف للدين
يكتنف الكثير من الغموض تأريخ الموشح وأصله وتختلف وجهات النظر وتتعدد في هذا المجال إلاَّ أن الشيء الذي لا يختلف عليه الكثيرون هو تميز وتفرد الموشح اليمني بمختلف ألوانه التي تتنوع مدارسها من منطقة إلى أخرى.
وعلى الرغم من كون الموشح الديني في اليمن يعد طريقة للاحتفاء بالمناسبات الدينية المختلفة إلا أنه لايخلو من التغزل بالحبيب بعد أن يفتتح في الغالب ببعض المقتضيات الدينية، حيث يقول الكثير من المهتمين بهذا الفن الإنشادي إن بداياته الأولى تمثلت في أولى صوره عندما أنشد كعب بن زهير في حضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنشد حسان بن ثابت في حضرة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. وقد وضعت لحسان بن ثابت منصة للإنشاد في مسجد رسول الله كما يقال..
وتعود بدايات ظهور الإنشاد الديني في اليمن إلى ما قبل خمسة قرون تقريبا غير أن الموشح شهد مروره بالعديد من المراحل المختلفة طور المنشدون اليمنيون من خلالها أشكال ومدارس الإنشاد ونشروه حول العالم الذي وقف مذهولا أمام هذا الإبداع الذي لاتصنعه سوى الحناجر البشرية من دون تدخل الآلات الموسيقية التي استعاض عنها المنشدون بجمال أصواتهم وقصائدهم التي كرسوها لموضوعات ذات سمة دينية في الغالب كالعشق الإلهي أو مدح الرسول أو الوحدانية والملكوت.
ويتميز الموشح اليمني كما يقول بعض المشتغلين به باستحداث بحور جديدة بالتوليد عن طريق التداخل في بحور خليلية أو تفاعل خليلية مع استخدام مشتقات البحور ومهملاتها ومقلوباتها. وله أوزان كثيرة، وغير محصورة، إذ يعتمد وزنها على قريحة الشاعر كما هو الشأن في أدوار الغناء، وتلحينها، ويجيدها أكثر من كان لديه القدرة على التلحين والغناء.
وقد أكد علماء موسيقى الشعر أن وزن الموشحات يعتمد على ذوق الشاعر وقدرته على التلحين والغناء. الأمر الذي جعل من الإنشاد اليوم تراثا شفهيا عالميا اعترفت به اليونسكو ودعت للحفاظ عليه.
حيث أسست لهذا الغرض جمعية المنشدين اليمنيين في العام 1989، وهنا نطرح العديد من الأسئلة عن عناصر تميز الموشح اليمني وتأريخه وأهم رموزه لنحصل على الإجابة من قبل عدد من أعلامه المعاصرين.
وعن تميز الموشح اليمني يقول المنشد اليمني البارز قاسم زبيدة -رئيس فرقة زبيدة للإنشاد:"الموشح اليمني يتميز عن غيره كثيرا، فبينما الموشحات في الدول الأخرى تتجه للحب والغزل نجد أن الموشح اليمني يجعل للغزل جانبا مهما إضافة إلى الموشحات في ذات الله والموشحات في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه.
وفي الجانب الموسيقي نجد أن الموشح اليمني تكمن موسيقاه في حلوق منشديه، وهناك عدة ألوان للموشح في اليمن وكلها جميلة مع اختلاف ألوانها، فنجد ألوانا للموشح في ريمة وفي حراز وفي المحويت وفي حضرموت حيث يستخدم الإيقاع مع الدان وفي صنعاء حيث يستخدم الإيقاع مع المرش".
وعن بدايات الموشح يقول المنشد قاسم زبيدة:"الموشح لا تأريخ له ولا بلد فلم يستطع أحد معرفة منشئه ولكنه عموما ينبع من الأماكن التي لها إشعاعات حضارية وأنا أعتقد أنه يأتي إلى الحضر من البدو لأن الخضرة والطبيعة الخلابة هي عند الفلاحين والقبائل".
وعن أبرز أعلام هذا الفن في اليمن يقول زبيدة:"أعلام الموشح في اليمن كثيرون، ويقال إنه كان هنالك منشد اسمه عبد الله الشريم ينشد بصوته دون استخدام "مايكرفون"، وإذا أنشد يسمع على بعد كيلو متر.
أما علي محسن الأكوع -رئيس جمعية المنشدين اليمنيين والذي شارك في حفلات في الكثير من دول العالم، فيتحدث عن مميزات الموشح اليمني عن سواه بالقول:"أهم ما يميز الموشح اليمني أنه مقبول عالميا ومحليا رغم أنه لا تصاحبه آلات موسيقية وهذه ميزة لا تمتلكها أية دولة أخرى، فمثلا عندما شاركنا ذات مرة في مهرجان بابل في العراق سألونا ما هي الآلات التي ستنشدون بها وعندما أجبنا أنه لاتوجد أية آلات موسيقية انبهروا.
كما أن من أهم ما يميز الموشح اليمني أن أكثره فيه ذكر الله وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح بذكر الله حتى ولو توسط بالغزل فالبداية تكون بالذكر والنهاية بالصلاة على النبي وجل الموشحات تتغزل في الذات الإلهية".
أما عن بدايات الموشح فيقول رئيس جمعية المنشدين اليمنيين:"أستطيع أن أقول عموما أنه لا يوجد تأريخ معين للموشح ولكنه بالتقريب منذ ألف وأربعمائة عام عندما أنشد المهاجرون والأنصار وهم يستقبلون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيالمدينة المنورة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وهذه تعتبر أول انطلاقة للإنشاد، أما في الكتب فقد بحثنا ولم نجد تاريخا معينا للإنشاد والبعض يقول منذ أكثرمن "400" سنة والآخر يقول "600" سنة وهناك اختلاف في هذا المجال.
فيما يعتقد المنشد اليمني إبراهيم حبيب أن الموشح اليمني هو الأصل قائلا:"أنه كان لهجرة اليمنيين ومشاركتهم في الفتوحات دور كبير في انتشاره".
صالح البيضاني
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد