المنخفض يكشف المستور صرف خارج الخدمة وكهرباء لا تتحمل البرودة
بداية الشتاء «تتزنر» «هدلة» رغم عمرها المديد فهي اليوم بعامها الخامس والسبعين تدلك السطح وترمم البيت القديم الذي تسكن، وتنظف مجاري المزاريب والبلاليع وتتفقد احتياطيها من الطحين والدبس والحطب والخضار المجففة واللحم المقدد والمخبأ للطوارئ.
الطوارئ كلمة تدركها العجوز المسنة بعملها لا بكلماتها ولا باللافتات التي ترسمها على الجدران كما تفعل محافظتا دمشق وريفها، فالبداية كانت مع أولى زخات المطر وخير السماء الذي وصل مع وصول المنخفض البارد يوم الجمعة العاشر من الشهر الجاري، فسدت فتحات الصرف الصحي المفقود بعض أغطيتها وانقطعت الكهرباء على العديد من القرى والمدن في ريف دمشق وبعض أحياء العاصمة أيضاً، وقطع أتوستراد دمشق حمص الدولي بالمياه التي لم تجد لها مصرفاً لأن الشركة العامة للطرق والجسور حجزتها خلف سور إسمنتي بارتفاع 40 سنتيمتراً ولم يتنبه المهندسون الدارسون والمنفذون والمشرفون إلى أن السماء ستمطر يوماً فوق طريق دمشق حمص الدولي فلم يتركوا للماء منفذاً سليماً، إلى أن جاءت الجرافات ونزعت السور الإسمنتي المقابل على الطرف الأيمن للقادم من حمص وفتحت للمياه مسلكاً ليس بدائم ولكنه حاول أن يحل المشكلة. وفي دمشق لم تتمكن مصارف المياه استيعاب المياه الهاطلة وتشكلت المستنقعات المائية في أغلبية الطرقات، ما أدى إلى طوفانات كما حصل لنفق الثورة والمستوى الأرضي من عقدة القابون صباح يوم السبت 11/12، والحال ذاته انطبق على ساحة باب توما والكثير من المناطق في العاصمة غطتها المياه وفي بعض الحارات دخلت المياه إلى البيوت.
ومع الثلج ازداد الأمر سوءاً صباح الأحد 12/12 حيث شكل الهطل المتزايد له مشكلة على الطرقات، فصيانة محافظة دمشق لم يكن لديها سوى ثلاث كاسحات ثلجية تعمل وقد أعارتها للريف من أجل المساعدة في فتح الطرقات، على حين كانت تتوضع حسب تصريح مدير الصيانة عادل الأزهر خمس كاسحات أخرى قيد الإصلاح، وكأن التحذير المسبق والكتابة في الصحف المحلية عن منخفض قوي لم تدفع إدارة المدينة إلى إصلاح آلياتها، وعدم الاكتراث الواضح وضع مدير الصيانة في مأزق عندما كان يزج حتى بالآليات غير مكتملة الإصلاح من أجل تسهيل حركة الناس. آليات الكسح التي استعارتها الريف والتي تتوافر لديها لم تؤت أكلها فقد قطع الطريق الدولي دمشق – حمص لأكثر من 16 ساعة متواصلة عند تقاطع القسطل والمراح وقطعت الطرق المؤدية إلى سرغايا وعرنة وصيدنايا ومعلولا وقدسيا وبلودان والزبداني وعرنة والريمة، وبعض قرى وادي بردى، وبحسب نشرات المرور في الريف فالانقطاع الطرقي في معظم الطرقات المركزية المؤدية إلى المحافظات المجاورة ودخل الباقي تسمية سالك بصعوبة نتيجة تشكل طبقات من الجليد وتراكم الثلوج عليها.
تشكلت ثلاثة مستنقعات مائية تركز اثنان منها على طريق دمشق حمص الأول بالقرب من محطة الأمان باللـه والثاني في منطقة الدوير قبيل حمص، والثالث كان على طريق القنيطرة بالقرب من سكة القطار في جديدة عرطوز.
والحال لم يكن أفضل في دمشق فوجد السائقون أنفسهم في الطرق الرئيسية وليس الفرعية أو الجادات تحت رحمة الثلج، فثلاث من كاسحات الثلج كانت تعمل ولكن في ريف دمشق أما الكاسحات الخمس الباقية فلم تكن جاهزة للخدمة وتنتظر أوامر الإصلاح حيث من الواجب على أي إدارة يقظة تجهيزها قبل حلول الشتاء. ودفع الثلج المتكاثف على طرقات المدينة الكثيرين إلى ترك سياراتهم على جانب الطريق واستخدام النقل العام داخل المدينة، وهذا الآخر أيضاً كان في مأزق، فأغلبية أصحاب الميكروباصات ذهبوا إلى بيوتهم خوفاً من أن يشكل تساقط الثلج سبباً في انقطاع الطرقات، بينما خففت أغلب الشركات الخاصة العاملة على الخطوط الداخلية من حركة باصاتها حتى لا يقع ضرر كبير في حال حصول حوادث، على حين أن عدم وجود احتياطي في عدد الباصات لدى شركة النقل الداخلي بدمشق لتزج بها في هكذا حالات، جعل الناس تنتظر الرحمة تحت المطر الغزير والثلج الكثيف وبعد الانتظار لساعات في الطرقات حتى بت ترى أسرابهم على الأرصفة التي يمر به خط الميكروباص أو الباص، وهم بلا حول ولا قوة فإدارة مدينة دمشق غافية في الشتاء الذي باغتها فجأة بينما كان عمال المدينة يواجهون الثلوج بلا خطة واضحة وكانت الأوامر تصدر بشكل تلقائي وفقاً لما تطلبه إدارة المرور التي كانت تواجه تعقيدات اللحظة في الميدان فتستغيث بفرق الإنقاذ والطوارئ التي واجهت تطورات العاصفة الثلجية والمطرية بما تيسر لعناصرها من بداهة شخصية وأدوات ربما لا تصلح أصلاً لمواجهة هكذا حالات وبالحد الأدنى لم يزود أي عامل من عمال الطوارئ بالألبسة المقاومة لتسرب الماء وكانت المخاطر التي تواجه عمال الطوارئ هي الأكثر خطورة ورغم كل قساوة البرد صمد عمال الطوارئ في المناطق التي كلفوا بها. انتهاء العاصفة المطرية والثلجية، أظهر عيوباً ما كانت بالحسبان، تجلت في أغلبها بسوء تنفيذ الطرقات، وسوء تنفيذ فتحات الصرف الصحي، وكشفت أن إدارة مدينة دمشق ليس لديها أي خطة طوارئ، لمواجهة عاصفة ثلجية ومطرية استمرت ليومين. وبحسب المهندسة رنا الزايد المتخصصة بإنشاء البنى التحتية فإن دمشق والمدن المحيطة بها تعاني من عدم وجود شبكات لصرف مياه الأمطار وأقطار شبكة الصرف القائمة غير مناسبة نهائياً لمثل هذه الحالات فهطل 72 مم خلال ست ساعات أدى إلى فيضانات في دمشق وداريا والجديدة والكثير من المدن والقرى الأخرى في ريف دمشق، وأضافت الزايد: إن هذه المدن تعاني أيضاً من سوء الطرقات فيها، حيث تكثر الحفر والخنادق التي تعوق حركة المياه وبذات الوقت لم تكن مصارف تبنى في الماضي جانب الرصيف، ومستوى الصرف الصحي من حيث العمق لا يتناسب مع مستويات المنازل والأقبية ما أدى إلى طوفان بعضها كما شهدت السفارة اليابانية غرق قبوها الذي استغرق نضحه عمل اثنتي عشرة ساعة متواصلة لمضختين بقياس 8 إنشات شغلتهما صيانة المحافظة من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء بلا انقطاع.
وبالعودة إلى الطرقات بينت الزايد أن المشكلة الثانية تتمثل في ميولها ونسبته حيث تميل بالأغلب إلى الداخل كما هو الحال في طريق دمشق – حمص والواجب أن تكون جهة الميلان باتجاه الخارج والجوانب ورغم أن التكلفة لمثل هذه الأعمال عالية إلا أنها تكون سهلة ويسيرة قبل فتح الطرقات وشقها، والسؤال لماذا لا تقاس النسب وتحسب كما نعمل في المنازل منذ قديم الزمن؟
كهرباء لا تتحمل البرد
ومن الريف حكايات تبدأ من أكثر المناطق هطلاً ثلجياً أي «عرنة» حيث سجلت الهطلات التي طال انتظارها بحسب تعبير الأهالي أرقاماً لم تسجل منذ سنوات حيث وصلت سماكة الثلوج في قرية «عرنة» على سفوح جبل الشيخ إلى أكثر من متر واحد داخل البلدة بحسب تأكيد رئيس بلدية القرية جهاد كبول، الذي أكد أن الوضع في القرية منذ صباح العاصفة في حالة خمول حيث انقطع التيار الكهربائي لمدة يومين وأغلقت المدارس والناس في بيوتهم.
وبيّن «كبول» أن سماكة الثلوج وصلت وسط البلدة إلى قرابة المتر وأكثر ولذا اضطرت المدارس أن تغلق أبوابها، ولم تفلح محاولات الأهالي ولا البلدية في فتح طرق البلدة إذ لا يستغرق الطريق إلا نصف ساعة ليغلق ثانية.
المسألة الأخطر بحسب «كبول» تتمثل بكون البلدة لا تملك فرناً ما زاد في صعوبة الوضع القائم إذ ينذر بانتهاء مؤنة «الخبز» في يوم واحد وعندها لجأ الأهالي إلى إرسال شابين إلى القرى المجاورة لشراء الخبز ولكن المشكلة تتمثل بأن لا قرية قريبة فيها فرن خبز، وسكانها «عرنة» الـ4600 نسمة وجوارها «الريمة» 1400 نسمة ليس الحال غريباً عنهم. وفي سرغايا قاربت الثلوج 90 سم وأغلقت الطرقات في القرية وجميع المداخل والمخارج، ما اضطر المدارس إلى أن تغلق إلى نهاية الموجة، وانقطع التيار الكهربائي في سرغايا منذ صباح العاصفة ولم تتوافر الكهرباء حتى ليل اليوم التالي رغم محاولات قسم كهرباء الزبداني المتكررة لإصلاح الأعطال، وعانت سرغايا أيضاً من مشكلة الخبز الذي توفر ليوم واحد وبدأ يشح ما دفع الأهالي وهم 16 ألف نسمة إلى اللجوء إلى فرن الزبداني إذا أمكن الوصول إليه، وفي يبرود كانت الطرق مقطوعة والطرق المؤدية إلى البلدات المجاورة مغلقة وخاصة المؤدية إلى عسال الورد والمعرة بسبب تراكم الثلوج وتشكل الجليد على الطرقات. وللكهرباء حكاية ذات شجون فأغلبية مناطق الريف عانت من الانقطاعات المتكررة أو الطويلة وفي بعض المناطق استمر الانقطاع ليوم أو اثنين كما شهدت عسال الورد ورنكوس ومعرة صيدنايا انقطاعات نتيجة أعطال خاصة بحسب مؤسسة الكهرباء في الريف.
وحال دمشق لم يكن أفضل فقد انقطعت الكهرباء في حي التضامن شارع المالكي وكذلك فإن سكان دمر البلد (حي الصبارة) عانوا من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمستمرة لفترات وصلت إلى ست ساعات، وعانت ضاحية قدسيا أيضاً من ذات الحالة لفترات طويلة تصل إلى أربع ساعات وكذلك منطقة الجمعيات خلف الجامع الكبير في المليحة عانت من انقطاعات الكهرباء، وكذلك الحال في قرى وادي بردى حيث إن التيار الكهربائي انقطع في قرى أشرفية الوادي، وجديدة الشيباني، وكفر الزيت وغيرها.
في الختام العودة إلى العجوز المسنة «هدلة» تلك التي ترسم خطة كل عام من الاحتياطيات وتعاود التجريب مرة تلو أخرى وعاماً بعد آخر على حين تنسى إدارتا دمشق وريفها ومؤسساتها من كهرباء ومياه وصرف صحي ومخابز وصيانة وورش طوارئ أن تتفقد حال طرقاتها ومجاري صرفها ومحطات تولديها وتحويلها للكهرباء قبيل الشتاء على أقل تقدير فهل تتعلم هذه الإدارات من العجوز «هدلة» أم لا؟
الأمطار تغرق كرسيي رئيسي بلديتي زملكا والبويضة
أكد مدير المجالس المحلية بريف دمشق معتز قطان إعفاء رئيس مجلس مدينة زملكا بناءً على نتائج تحقيقات لجنة المشاريع الخاصة المقدمة للمكتب التنفيذي بجلسته رقم 89، حيث تبين من خلال الكشف عن واقع المشاريع المنفذة من مجلس المدينة وجود أخطاء مرتكبة من المتعهد أثناء تنفيذ شبكة صرف صحي في حارة الشوام مقابل موقف المدارس، إضافة إلى وجود تجاوزات ومخالفات بناء لم تتم مواجهتها قانونياً، مضيفاً: إن المحافظة رفعت قرار الإعفاء إلى وزارة الإدارة المحلية باعتبار أن الوزارة هي صاحبة الصلاحية في إعفاء رؤساء مجالس المدن، وتم تكليف نائب رئيس المكتب التنفيذي في زملكا إلى حين يتم تعيين البديل. وكانت الأمطار الأخيرة قد كشفت عدم تلبية شبكة الصرف الصحي المركبة للشروط الفنية المطلوبة.
وأكد قطان أن محافظ ريف دمشق أعفى رئيس بلدية البويضة أيضاً من مهامه بسبب تقصيره وعدم تطبيقه نصوص القانون 59 الخاص بمخالفات البناء إضافة إلى الإهمال في شؤون متابعة المشاريع التي تنفذ ضمن نطاق الوحدة الإدارية، وكلف المحافظ نائبه إلى حين إيجاد البديل.
جابر بكر- عبد المنعم مسعود
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد