المغرب: تنظيف المدن من "الفاسدات" في ربيع الفقهاء
في المغرب، ومع انطلاق الاحتجاجات الأولى، بدءاً من 20 شباط/ فبراير 2011، رفع الشباب شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد". ولترجمة هذا الشعار عملياً، ظهرت لجان وتنسيقيات شعبية لمكافحة الفساد. ما هو البند الأول في جدول أعمالها؟ تطهير مدن صغيرة وأحياء شعبية من الدعارة. كيف؟ بمضايقة "عاملات الجنس" في مناطق اشتهرت بتقديم هذه الخدمة بجودة وأسعار لا تنافس! بعد مدة، بدأت النتائج في الظهور. اشهرها كان ما تحدثت عنه الصحف منذ أسابيع عن ترحيل 800 امرأة من مدينة عين اللوح التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5000 نسمة. تقع عين اللوح بمنطقة جبلية لا مزارع ولا مصانع فيها، بإقليم إفران وسط المغرب (حيث يقع المنتجع الذي استقبل فيه الملك الحسن الثاني شمعون بيريز في 1986).
جرى في بداية الأمر إنكار ذلك الترحيل. لكن الجدل سلّط الأضواء على ما وقع. وقد دار الجدل بين التيار الأمازيغي الغاضب من جهة ـ على اعتبار أن سكان المنطقة ناطقين بالأمازيغية ـ وبين الإسلاميين بمختلف تلاوينهم من جهة أخرى، الذين باركوا التطهير وتوبة بعض الشابات.
كتب الناشط الأمازيغي أحمد عصيد مطالباً بإنقاذ سكان المنطقة من التهجير. وندّد بالإسلاميين الأنانيين الذين لا ينظرون أبعد من أنوفهم. من جهته، رحّب الشيخ عبد الله نهاري في إحدى خطبه بما جرى وبارك استئصال الدعارة و"القاذورات". ومع مرور الأيام، نشط كل طرف في تطرفه المضاد. وفي مثل هذه الأجواء، يصعب الوقوف في الوسط. لنأتِ الموضوع من زاوية أخرى.
من ناحية الاقتصاد السياسي للدعارة، فإنّ السلعة الأولى في السياحة المغربية هي الشمس والجنس. تنام مراكش نهاراً وتنهض في الليل. والمغرب قبلة مفضَّلة للأشقاء الخليجيين. وعندما يُضبط خليجي متلبس، يطلق سراحه فوراً، ويطلب منه العودة لبلده. لكن يمكنه العودة للمغرب في اليوم التالي. من جهة أخرى، سمحت السلطة في كل منطقة فيها قاعدة عسكرية بنشوء أحياء كاملة للدعارة ترفيهاً عن الجنود. فممارسة الجنس بشكل مستمر، تخفّض من القلق والتوتُّر، وهذا يضمن الولاء وحسن الخدمة في القاعدة العسكرية. كما وأنّ ذلك يسمح اقتصادياً بإعادة توزيع الدخل على غير الموظّفات. وهنّ ينفقن على أسر بكاملها. وهذه آلية تساعد على الاستقرار الاجتماعي في بلدات بلا دخل. وقد زرتُ الكثير منها في مراهقتي وشبابي. مدن صغيرة هامشية يأتيها الشبان من المدن الكبرى في رحلات مكوكية لشراء 11 دقيقة متعة بدولار أو دولارين. الآن تتعرض هذه المدن، وخاصة الأحياء المشهورة بتجمع بائعات الجنس، للمضايقة بغرض "القضاء على الفساد".
ما هو الفساد؟ هل يعقل طرح سؤال مثل هذا؟ الأمور واضحة، أي أنها من باب شرح "السماء فوقنا". مع ذلك، لن نسلّم بما يبدو بديهياً، وسنتابع البحث في كيف يفهم الناس الفساد.
حين رُفع شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد"، كان المقصود نهب المال العام وتوزيعه على الأتباع. كان المقصود استغلال النفوذ والحصول على الرّشى لجمع ثروات مهولة. الآن، مع ترسخ موجة الأسلمة، بدأ المفهوم يتغير فلزم ضبط تعريفه: الفساد هو الدعارة وشرب الخمر وتبادل القبل في الشاطئ. ما الفساد الأخطر على البلد؟ فساد النساء. الحل؟ ترحيلهن.
توجد هنا مشكلة مزدوجة: أولاً، ستُرحّل تلك النساء لمكان آخر داخل المغرب حيث سوق الجنس نشيط لأن نصف البالغين عزاب. بعد فترة سيطردن لمنطقة ثالثة. ومع الزمن، ستتبلور لدى مليشيات الفقهاء ضرورة رمي "العاهرات" في البحر. أما الرجال الذين يموّلون الدعارة، فلا جُناح عليهم. ثانياً، حين ستطبق مكافحة الفساد في بُعدها الفردي لا السياسي في الدولة، ستتراكم اللاعدالة. فهذا النوع من الفساد، أي الخمر والدعارة يشمل الأغنياء والفقراء. لكن سيعاقب عليه الفقراء فقط.
لماذا لن يعاقب الأغنياء؟ الفقراء يبحثون عن حديقة عمومية للشرب أو لممارسة الجنس. في حديقة مدينة صغيرة ضبط الناس شخصاً فوق حبيبته فقتلوه. بالنسبة للأغنياء الأمر أسلم، في فندق خمسة نجوم، يمكن الشرب والتدخين واصطحاب النساء أمام العسس... سيسمى ذلك سعادة لا فساداً.
بالنظر لما يجري على الأرض، يبدو أنّ "الربيع الأمازيغي/العربي" لا يشمل النساء، فهنّ يُضربن ويُغتصبن، ويكافَأ المغتصب بلحم ضحيته. ولا يسمح بنشر صور النساء في ملصقات الحملات الانتخابية، ثمّ لا يفُزن في الانتخابات، ولا يصلن للوزارة بسهولة. مع مؤشرات كهذه، نحن أمام ربيع الفقهاء فقط.
محمد بنعزيز
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد