المعامل المهاجرة: الصناعة تزاحم الزراعة في الساحل
لم يخف الصناعي وائل محمود ارتياحه الى التطور الملحوظ الذي طرأ على سوق الساحل خلال سنوات الحرب، في الانتاج والتسويق وكذلك الأمر بالنسبة للعمالة المطلوبة للصناعة الوافدة والجديدة على هذه المنطقة. «المعاناة كانت كبيرة في بداية العمل وخاصة في مجال العمالة، لكنها راكمت خبراتها وأصبح بالإمكان الاعتماد عليها في كل شيء، بالفعل لقد تحولت اللاذقية وطرطوس إلى محافظتين منتجتين صناعياً، لدرجة أصبحت مراكز الصناعة والتجارة هنا، فحجم الأعمال تضاعف بسبب الكثافة السكانية الجديدة في هذه المنطقة بفعل ويلات الحرب».
إذاً هي الحرب التي تخلف الويلات والمآسي الاجتماعية، وتقلب كل المعادلات الاقتصادية وتبدل الخرائط الصناعية والتجارية، فها هي الصناعات العريقة والحديثة تهجر عشها وخصوصيتها وتخلع ثوب الخصوصية المكانية حاملة ما استطاعت من أدواتها ومعداتها الى المناطق الأكثر أماناً في طرطوس واللاذقية وفي المنطقة الحرة في دمشق، وكذلك الامر في المنطقتين الحرتين البرية والمرفئية في اللاذقية.
بوابة المناطق الحرة
بداية كان الاعلان الرسمي عن تقديم التسهيلات لخروج الصناعة الى المناطق الآمنة من بوابة المؤسسة العامة للمناطق الحرة التي أصدرت تعليمات الانتقال اليها كإجراء وقائي وأولي. وحسب معلومات «المناطق الحرة» المقدمة فقد دخلت الى المنطقة الحرة البرية في اللاذقية نحو أربعة معامل متخصصة بصناعة النسيج الآلي والمفروشات المخملية وصبغ الاقمشة وصناعة أحبار الطباعة وصناعة البراويز الخشبية وقضبان الديكور الخشبية آليا وصناعة أكياس النايلون، وهي تشغل نحو 126 عاملاً، أما المنطقة الحرة المرفئية في اللاذقية، فدخل إليها ثلاثة معامل وافدة لتصنيع الألبسة الجاهزة والمسكات المعدنية والأثاث الخشبي والأبواب الخشبية وتشغل نحو 100 عامل. وتبين «المناطق الحرة» أن هذه المنشآت بدأت العمل في أماكن ومساحات شاغرة، ولم يعمل أي صناعي في منشأة عائدة لمستثمر موجود سابقاً.
اللافت في هذا الاتجاه الصناعيون المنقولون الى المنطقة الحرة في دمشق، الذين وصل عددهم إلى 15 صناعياً، معظمهم من محافظة ريف دمشق، وتمحورت صناعاتهم في الألبسة الجاهزة بمختلف أنواعها وصناعة الإسفنج الصناعي وصناعة الجوارب الرجالية والولادية، وصناعة النسيج الآلي والأكياس البلاستيكية وصناعة العبوات البلاستيكية والتريكو، ومشاريع هؤلاء الصناعيين تشغل نحو 500 عامل، لكن الغالبية من هذه الصناعات عملت في منشآت عائدة لمستثمرين آخرين.
ولم تسجل البيانات انتقال أي مستثمر الى المناطق الحرة في طرطوس وحسياء ومطار دمشق الدولي. يعلق المدير العام للمناطق الحرة السورية محمد كتكوت على تلك البيانات، فيؤكد أن «مؤسسة المناطق الحرة قدمت كل التسهيلات لنقل المنشآت الصناعية المتضررة الراغبة بالنقل من المناطق الساخنة الى المناطق الحرة بما فيها طرطوس واللاذقية. والتعليمات المحددة لهذه العملية تنظم دخول وخروج البضائع من المناطق الحرة، مع بقاء خضوع المنشآت الصناعية للقوانين المرخصة على أساسه».
وكشف كتكوت أنه «سبق ان طُرحت بعض المساحات الشاغرة في المنطقة الحرة البرية في اللاذقية أمام الصناعيين المتضررين، وخاصة في محافظة حلب، لكن لم يتقدم أحد نظراً لأن الصناعات النسيجية المنتشرة في حلب هي سلسلة متكاملة، ولا يمكن نقل جزء من هذه الصناعات دون نقل الآخر». ولذلك كان رأي اتحاد غرف الصناعة وغرفة صناعة حلب عدم نقل مثل هذه المنشآت، ويمكن نقل بعض الصناعات الخفيفة.
في طرطوس
بالتوازي مع ذلك كان الحراك الصناعي الوافد الى خارج المناطق الحرة أكثر زخماً ووجوداً وتنوعاً بالصناعات، اذ وصل عدد المعامل الوافدة الى محافظة طرطوس نحو 90 معملاً اشتغلت في صناعة الكابلات والملابس والأغذية وصناعة الأحذية، إضافة الى صناعة المنظفات والشيبس والنايلون والبلاستيك والملامين، لكن دخول صناعة الأدوية الى محافظة طرطوس جاء بثوب محلي وكل المعامل التي دخلت للعمل في طرطوس كانت بأسماء ابناء المحافظة. وقد وصل عدد التراخيص التي منحتها مديرية صناعة طرطوس وفق ما أكده المهندس عمار علي مدير الصناعة إلى خمسة تراخيص برأسمال يصل إلى 5 مليارات ليرة سورية ونحو 700 فرصة عمل، والأهم هو الترخيص لمنشأة ضخمة لصناعة أغذية الأطفال في منطقة مرقية. أما بقية الصناعات فقد توزعت في مناطق الهيشة والريحانية وصافيتا وسرستان.
أما في محافظة اللاذقية، فقد كان المشهد مختلفاً تماماً، إذ فشلت فكرة إقامة مشروع العناقيد الصناعية، الذي تبلورت فكرته في ظل الحرب الدائرة في البلاد، ولاسيما من خلال السرقات المتعمّدة لآلاف المصانع وخطوط الإنتاج التي كانت تملأ حلب، فكان المقترح إيجاد مكان بديل آمن لصناعيي حلب، وبحيث تُقام صناعات متسلسلة ومتجاورة تُكمّل بعضها بعضاً تخفيفاً للكلفة وتسهيلاً للعمل، كأن تقام مثلاً مصانع لغزل القطن لتغذية مصانع أخرى متخصصة في النسيج، التي تقوم بدورها تتولى مهمة تغذية معامل مجاورة تقوم بصناعة الملابس.
هواجس أهل الدار
رغم ذلك ومع اختلاف الحال بين كل من محافظتي طرطوس واللاذقية، فالمفارقة أنّ الصناعيين والتجار في المناطق الآمنة أخذوا يشعرون بالضعف ويستشعرون بالخطر الداهم، الذي يهدد مصالحهم جراء دخول بيوتات الصناعة السورية الى عقر دارهم.
ويشير أحد أعضاء غرفة تجارة وصناعة طرطوس إلى أن «التسهيلات تقدم الى الصناعات الوافدة إلى طرطوس، في الوقت الذي لا يستطيع فيه الصناعي المحلي إقامة أي منشأة صناعية بسبب الاشتراطات القانونية المرتبطة بتصنيف الأراضي الزراعية في المحافظة والقرب من الأحراج، وغيرها من الاشتراطات التي تحتاجها الصناعة الساحلية».
مرشد ملوك
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد