المستثمرون في الفضاء
لسنوات خلت، كان استكشاف الفضاء يقتصر بشكل كبير على أجهزة التلسكوب بعيدة المدى، ومؤلِّفي قصص الخيال العلمي. لم يكن هذا شيئاً يمكن للإنسان العادي أن يأمل المشاركة فيه، لكن ذلك قد يتغيَّر، إذ إنَّ شركات تجاريّة جديدة بدأت تضع ضمن مهامها إطلاق رحلات فضائيّة.
وحتى وقت قريب، كانت جميع أنشطة الفضاء، تقريباً، يجري تطويرها وتمويلها من قبل الحكومات، ومعظمها في روسيا والولايات المتحدة.
كانت هناك تكنولوجيا جديدة في الولايات المتحدة، تقودها وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، وفي روسيا، كانت هناك تكنولوجيا مثيلة تقودها وكالة الفضاء الاتحادية الروسية «روسكوزموس».
ومع ذلك، وعبر السنين، خصوصاً بعد الركود الاقتصادي الأخير، جرى تخفيض تمويل المشاريع الفضائيّة.
في منتصف ستينيات القرن الماضي، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 4.4 في المئة من إجمالي ميزانيتها على المساعي المتعلّقة بالفضاء، بحسب البيت الأبيض. أما الآن، فتراجعت هذه النسبة إلى 0.47 في المئة.
فتح هذا مجالاً مثيراً أمام المستثمرين. وبشكل مفاجئ، أُتيحت الفرصة لرجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وحتى الأفراد، للعمل في مجال الفضاء.
ولا تزال الرحلات المأهولة إلى الحدود الخارجية لمجرتنا، درب التبانة، هدفاً بعيد المنال للغاية. غير أنَّ الاستثمار في شركات تصنع أقماراً اصطناعية صغيرة، وصواريخ غير مكلفة، لمساعدة قطاعات صناعيّة أخرى في رؤية الأشياء من أعلى، أصبح أمراً قابلاً للتحقيق الآن. الأمر المؤكد، هو أنَّ الفرص محدودة جداً في هذا المجال ومحفوفة بالمخاطر. لكن ذلك لم يثنِ عزم بعض المستثمرين المتحمِّسين من المراهنة على هذا القطاع الناشئ.
يرى ديفيد كوين، وهو أحد المساهمين في شركة «بسمر للمشاريع»، ومقرها في سان فرانسيسكو، أنَّ فرصة استكشاف «الحدود النهائية» (الفضاء)، لا يمكن أن تتحقَّق قريباً. يقول: «نحن في حاجة لنصبح أجناساً نتنقّل بين الكواكب، حتى نبقى على قيد الحياة. المخاطر عالية جداً».
لدى كوين شركة تمتلك حصصاً في عدد من الشركات العاملة في مجال الفضاء من بينها «سباير»، وهي شركة للأقمار الاصطناعيّة تنشط في مجال تتبّع مواقع السفن والأحوال الجوية، ومقرها في غلاسكو، وشركة «روكيت لاب» النيوزيلندية التي تطوّر نُظُم إطلاق الأقمار الاصطناعية الصغيرة.
وبرغم أنَّ مشاريع الفضاء لا تزال تمثِّل قطاعاً صناعياً صغيراً لدى مقارنتها بغالبية القطاعات الأخرى، إلَّا أنَّها تشهد نمواً سريعاً.
في العام 2011، كانت هناك 100 شركة فقط تعمل في هذا القطاع. أمَّا الآن، فهناك حوالي 1000 شركة، بما فيها قرابة 700 من القطاع الخاص، بحسب ريتشارد روكيت الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «نيو سبيس غلوبال»، ومقرها في كيب كانافيرال ـ فلوريدا.
وتوجد حالياً طرق للاستثمار، مثل شراء أسهم في شركات الملاحة الجوية المدرجة في البورصة مثل شركة «ايرباص» و «بوينغ»، أو الاستثمار في شركات لديها اهتمامات بأبحاث وتطوير تقنيات الفضاء والأقمار الاصطناعية، مثل «مجموعة فيرجن»، المالكة لشركة «فيرجن غالاكتيك» التي تنظّم رحلات فضائية.
خلال السنوات الأربع الأخيرة، وبعدما أوقفت «ناسا» برنامجها لمكوك الفضاء ودخل مستثمرون هذا المجال، شهد هذا القطاع انطلاقة جديدة.
وضع روَّاد الأعمال من أمثال إيلون ماسك، أحد أكبر مشاهير المستثمرين في العالم ومؤسس شركة «تيسلا» وشريك مؤسس لشركة «باي بال»، هدفاً لهم لتنظيم رحلات لنقل الإنسان إلى كوكب المريخ.
وتصنع شركة «سبيس إكس» التي يمتلكها ماسك، ومقرها هوثورن ـ كاليفورنيا، الصواريخ والمركبات الفضائية بأسعار أقلّ من «ناسا».
واللافت أنَّ ماسك عمل على تخفيض تكاليف تصنيع وإطلاق المركبات الفضائية إلى نحو النصف، من تكلفة تبلغ 100 مليون دولار، إلى 55 مليون دولار.
وقد استطاع ماسك القيام بذلك عن طريق تصنيع 80 في المئة من أجزاء الصواريخ في مصانعه، بالإضافة إلى الاستعانة بشركات خارجية، كما فعلت «ناسا»، بحسب كريس كويلتي، خبير تحليل الأسهم المقيم في فلوريدا ونائب أول لرئيس شركة «ريمون جيمس وشركاؤه».
ومن الآن فصاعداً، تُستخدم صواريخ «سبيس إكس»، غير المأهولة، لإطلاق أقمار اصطناعية في مداراتها، وأيضاً لتموين محطة الفضاء الدولية.
وليس ماسك هو رجل الأعمال الوحيد الذي يراهن بأمواله وشهرته على الاستثمار في مجال الفضاء، إذ يأمل ريتشارد برانسون، مالك شركة «فيرجن غالاكتيك»، في أن يصبح صاحب أول شركة للسياحة الفضائيّة.
ويرى كويلتي أنَّه «مهما كان المجال الذي نستثمر فيه، فمن المهمّ التحلّي بالصبر. لكن المستثمرين يقولون إنَّ الأمر لن يدوم طويلاً لتحقيق عوائد. يُتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة أن يطرح المزيد من الشركات التي تركّز على الفضاء أسهمها للتداول العام في البورصة، وستجني الكثير من الشركات أرباحاً. «سينتهي الأمر ببعض الشركات لتكون ضحايا، فيما ستدرج أخريات في البورصة وستنجح، في حين سيجري الاستحواذ على أخرى. المهم هو أنَّ نقطة التحول هذه آتية لا محالة»، بحسب كويلتي.
(«بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد