المرأة الأميركية المسلمة في الاستطلاعات
حفلت الصحف والفضائيات في الأيام الماضية بأخبار الاستطلاع الذي أجراه معهد «غالوب» على مدى عام كامل لاستكشاف أوضاع المسلمين الأميركيين بعد ست سنوات على أحداث العام 2001. وقد خص الاستطلاع المرأة المسلمة في الولايات المتحدة بفصلين من الدراسة أو من «المذكرة التفسيرية» التي جاءت بعد وصف العيّنة وطرائق البحث واحصائياته.
وما يزال عدد المسلمين في الولايات المتحدة موضع أخذ وردّ، لاختلاف وجهات النظر في كيفية الاحصاء. لكن أصحاب الدراسة يقولون إنهم قد يكونون حوالى الأربعة ملايين، بينهم أكثر من مليون من السود الأميركيين، والآخرون جاءوا من الخارج، وقد مضى عليهم جيلان أو أكثر. والمسلمون هم «الأقلية» الأكثر تنوعاً من حيث الأصول الإثنية في الولايات المتحدة. بيد أن غالبيتهم آسيوية، ويبلغ الأفارقة نسبة الـ 34 في المئة بينهم وهناك تضامن قوي في صفوفهم، على رغم ذاك التنوع. ويتردد أكثر من 50 في المئة على المساجد بانتظام، ونسبة الذين يصلّون في المناسبات تصل الى 75 في المئة ويعمل الرجال بالطبع في شتى المجالات، لكن تغلب عليهم حِرَف أو مِهَن النُخب مثل الأطباء والمهندسين والمحامين والموظفين الحكوميين والعاملين في مجالات الأعمال. ويستند ذلك الى أن الدولة الأميركية هي التي تسيطر على شؤون الهجرة، ولذا فإنها تختار الذين تريدهم أن يدخلوا للولايات المتحدة ويستقروا فيها ويصيروا من مواطنيها. وهكذا فإن الكثرة الساحقة من المسلمين الأميركيين هم من الطبقة الوسطى، ومع ذلك فإن الأفارقة من بينهم أدنى الى الفقر.
وإذا كان المسلمون الأميركيون متميزين من حيث الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فإن النساء من بينهم هن الأكثر تميزاً. فـ 42 في المئة من النساء المسلمات حاصلات على شهادة جامعية. وهنّ يمارسن سائر المهن، وبخاصة مهنة الطب والأبحاث الطبية والصيدلة. ولا يختلف وضعهن عن وضع الرجال من حيث فرص العمل، والحصول عليه. بل إنهن ينافسن الرجال في الحضور الى المساجد، وفي تنظيم النشاطات في المساجد وجوارها للمناسبات، واستحداث الجمعيات التي تخدم شؤون الجماعة، ومن ذلك تعليم الأطفال العربية وعلوم الدين. والطريف أنه بالمقارنة بين آمال وتطلعات الرجال والنساء، فإن النساء يظهرن باعتبارهن الأكثر أملاً، والأبعد تطلعاً لأنفسهن وأولادهن.
وهناك حدثان ظهرا خلال الاستطلاع باعتبارهما الأشد تأثيراً في حياة المسلمات والمسلمين في الولايات المتحدة. الحدث الأول هو حدث 11 سبتمبر عام 2001، عندما هاجمت «القاعدة» نيويورك وواشنطن. فقد ترتبت على هذا الحدث الهائل مشكلات كثيرة وكبيرة في حياة المسلمين في أميركا وعلاقاتهم بالمجتمع الأميركي من جهة، وبالدولة الأميركية من جهة ثانية. فقد تعرض المسلمون وبخاصة النساء المحجبات لتمييز كبير في الشارع والعمل. وقد اضطر آلاف الطلاب للعودة الى بلدانهم الأصلية، بعد ان تعذّر عليهم اكمال دراساتهم وظهرت كتب ومنشورات كثيرة تستظهر تأصل العنف في صفوفهم باعتبار أن دينهم دين عنيف. وترى الدراسة الاستطلاعية أن النساء المسلمات كنّ أصبر وأقدر على مواجهة آثار أحداث 11 سبتمبر، ربما لأنهن كنّ الاكثر تعرضاً. وقد خرجن الى الاعلام، وتظلمن، وزدن عن الفعاليات مع الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية على حد سواء. وما أظهرت المؤسسات الحكومية والسلطات تحيزاً ظاهراً. لكن قبل العام 2005 فإن تلك المؤسسات ما فعلت الكثير باستثناء نشاطات العلاقات العامة، والدعاية للحريات التي يتيحها النظام والدستور. وقد انجلت الغمة الى حد كبير وعلى المستويين الاجتماعي والمؤسساتي.
أما الحدث الثاني فهو حدث ترشح باراك أوباما وانتخابه. فقد وقفت معه نسبة 80 في المئة من المسلمين رجالاً ونساءً. وشعبيته بين النساء المسلمات أكبر من مثيلتها بين الرجال أحياناً. بيد ان الأكثر وقعاً أن المسلمين الأميركيين (ومجموعات إثنية ودينية أخرى) نظرت الى ترشح أوباما ونجاحاته الأولى، باعتبار ذلك دليلاً على التغيير الاجتماعي الكبير، وعلى انفتاح الفرص أمام الجميع ليس بسبب الحريات التي يتيحها النظام، بل ولسبب انفتاح المجتمع الأميركي. كما أن بين المسلمات الأميركيات من اعتبر ظاهرة أوباما دليلاً على تجاوز أحداث 11 سبتمبر.
وفي كل الأحوال، فإن ترشح أوباما زاد من تسيّس المسلمين الأميركيين، أو أنه زاد من اندماجهم. بيد أن أبرز ما تظهره الدراسة أن اكثر من نصف المسلمين ما يزالون غير معنيين بالشأن العام وبالعملية السياسية الأميركية على الخصوص. والطريف ما تذكره الدراسة من أن المسلمين الأميركيين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، لكن ذلك لا يدفعهم الى القيام بنشاطات تشبه تلك التي يقوم بها اللوبي اليهودي.
ما هو المستقبل الذي ينتظر المسلمين الأميركيين أو ينتظرونه هم ويعملون له؟ بحسب الدراسة، فإن التجربة الاسلامية بالولايات المتحدة كانت ناجحة، وهي تزداد نجاحاً. وهذا بخلاف ما عليها الحال في كندا وأستراليا. ولذلك أسباب: الفئات التي هاجرت الى أميركا كانت حسنة الاستعداد، وأن النساء المسلمات انطلقن بسرعة لتوافر الفرص، بخلاف ما كان عليه الأمر - ولا يزال - في العديد من البلدان العربية والاسلامية. وأن المسلمين الأميركيين تضاءلت علاقاتهم بمواطنهم الأصلية، فلم تُعقهم مشكلات بلدانهم الاصلية عن التقدم في سياقات الحياة الجديدة، بخلاف المسلمين الأوروبيين، وأن الأصوليات ما وجدت شعبية في صفوفهم فبقي تدينهم تقليدياً وهادئاً.
أما الإعراض عن الحياة العامة والسياسية فقد قلل من تأثيرهم، لكنه ما كان عقبة في وجه اندماجهم.
رضوان السيد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد