اللاشمانيا: 499 قرية وتجمعاً سكنياً موبوءاً وعشرون ألف مصاب
تشير المعلومات إلى أن مرض اللايشمانيا /حبة حلب/ استوطن لعدة قرون في محافظة حلب وكان أول من جاء على ذكره الأخوان/راسل/ اللذان كانا يعملان كطبيبين في القنصلية الانكليزية في حلب، حيث وصفاه آنذاك بأنه آفة جلدية تصيب الوجه والأطراف وتستمر لمدة عام، ورغم أن المرض استقر لعقود من الزمن في محافظة حلب إلا أنه انتشر بعد ذلك في المحافظات وبالأخص في حلب وحماة وادلب واللاذقية وطرطوس.. فما أسباب انتشاره.. لماذا الإصابات في تزايد وما مبرر إخفاء أرقام الإصابات الحقيقية.. ماذا فعلت وتفعل الجهات المعنية للحد من انتشاره.. ثم ما تفسير رفض المعنيين الإدلاء بأي حديث أو تصريح في هذا الموضوع.. لماذا التخوف والتكتم وحجب المعلومات .. وهل أصبح من الاستحالة بمكان أن تسجل نسبة الإصابات صفراً..؟
تعتبر اللايشمانيا آفة جلدية تصيب المناطق المكشوفة من الجسم وتتميز بحبة حمراء غير مؤلمة لا تلبث أن تكبر وتتقرح وتستمر لمدة عام لتخلف بعد الشفاء ندبة ظاهرة وينقل طفيلي اللايشمانيا حشرة صغيرة تدعى /ذبابة الرمل/ وتعيش في الأماكن الرطبة والمظلمة في الأتربة،مخلفات القمامة, وتبقى الحشرة ساكنة طوال النهار حيث تطير في الليل لمسافات قصيرة وتسمى في حلب /بالساكت/ ومن أهم العوامل التي تزيد من انتشار المرض، الصرف الصحي المكشوف وتجمعات المياه، انتشار القمامة وحظائر تربية الحيوانات ومخلفات البناء.
اجراءات منذ عام /1994/ تم تأسيس مركز مكافحة اللايشمانيا وتجسد دوره عبر ثلاثة محاور شملت علاج الإنسان باعتباره خازن المرض حيث تمخض ذلك عن افتتاح /42/ مركزاً صحياً في المحافظة اضافة لافتتاح ثلاثة نقاط طبية متنقلة تبعاً لظهور مفاجئ للمرض في أي مكان .
المحور الثاني يتعلق برش المبيدات الحشرية للقضاء على/ذبابة الرمل/ حيث وكما تقول الدكتورة /لمى جعلوك/ رئيسة مركز مكافحة اللايشمانيا بحلب فإن الحملة للعام الحالي ستشمل /19/ مصاباً و/45/ قرية في الريف وأخيراً التوعية الصحية والوقاية من المرض.
الدكتور/عمار طلس/ مدير صحة حلب يعترف أن المحافظة سجلت ارتفاعاً باللايشمانيا ليصبح العدد في عام /2008/ /18603/ اصابات أي بزيادة قدرها /8308/ اصابات في عام /2007/ الذي تميز بوجود 165 مصاباً و193 قرية مقابل241 اصابة و/258/ قرية عام /2008/ وقد بلغ التعداد السكاني للقرى والأحياء الموبوءة للعام الماضي /400/ ألف نسمة ولذلك يؤكد الدكتور /طلس/ بأن القضاء على المرض يحتاج لتضافر كافة الجهود وأولها المساهمة الفعالة لصحة بلدية حلب في حملة رش المبيدات الحشرية وتحسين الظروف البيئية لأحياء /الأشرفية- الشيخ مقصود- حلب الجديدة/ والتي بلغ مجموع اصاباتها للعام الماضي/ 3389/ مشكلة نسبة /18٪ ، من اصابات مدينة حلب وكذلك تحسين الأوضاع البيئية لبعض القرى الموبوءة كتغطية المجرور المكشوف الممتد بين نبل وكفر داعل مروراً بعندان وحريتان وكفر حمرة ومعارة الأرتيق وياقد العدس.
دون ذكر الأسماء وبعد الاتصال بهم هاتفياً أبدى العديد من المعنيين رغبتهم في التعاون معنا لكنهم عدلوا عن ذلك لدى الالتقاء بهم،ومن مصادرنا الخاصة حصلنا على كتاب جمعية طب الجلد رقم/13/ص تاريخ 31/3/2009 وفيه يرفع ممثلو الجمعية توصيات إلى السيد المحافظ مرفقة باستبيان وزع على الحاضرين وشمل /73/ طبيبا وطبيبة جلدية وقد خلصت نتائج الاجتماع المنعقد في 25/3/2009 إلى وضع خطة سريعة لعلاج اللايشمانيا وتشكيل لجنة من أطباء الجلد في حلب لمتابعة الأمر والأهم الاسراع في إحداث مركز وطني لمكافحة اللايشمانيا مرتبط مباشرة برئاسة مجلس الوزارء وله ميزانية خاصة ويعتمد على الخبرات المحلية وكذلك إحداث مركز مرتبط بوزارة التعليم العالي /جامعة حلب/ للبحث العلمي والتوصل لأنجع السبل لمكافحة اللايشمانيا.
بغض النظر عن خطة العلاج والمدد الزمنية ونوعية الأدوية فإن نقص الدواء في مراكز الصحة لم يردع مع ذلك بعض ضعاف النفوس من تهريبه إلى الصيدليات والتي تبيعه بأسعار خيالية وذلك مع العلم بأن الدواء محصور بوزارة الصحة فقط ويوزع للمراكز عن طريق المديريات مجاناً.. ومايؤكد النقص في الدواء هو الكتاب رقم /4069/ ص.ج تاريخ 21/4/20٠9 المرفوع من قبل السيد المحافظ إلى وزارة الصحة والقاضي بطلب تأمين الكمية الكافية من الدواء كون المتوفر حالياً لدى مديرية صحة حلب هو فقط /122/ فلا كونة/ بانتوستام/ 30مل.. وهنا ثمة أسئلة تقول: لماذا وكيف /رغم النقص/ يتم تهريب الدواء للسوق السوداء ويباع بأسعار كبيرة رغم أنه مجاني.. ؟ ولماذا يتم التقنين في الجرعات الدوائية في مراكز الصحة مايجعل العديد من الاصابات معندة ومستعصية عن الشفاء.. ؟عموماً ورداً على الأسئلة لم تنفِ الدكتورة /لمى جعلوك/ ذلك معللة بأن الأمر يتطلب تحقيقاً من قبل الجهات المعنية ومؤكدة أن الدواء يسلم للمراكز وصرف الدواء مسؤول عنه رئيس المركز حصراً، مؤكدة عدم وجود تقنين بكميات الدواء لأن مركز مكافحة اللايشمانيا يوزع الأدوية حسب حاجة كل مركز، أما بخصوص عدم طرح الأدوية في الصيدليات فتؤكد /جعلوك/ أن هذه خطة وزارة الصحة والمركز ملتزم بها.
ومع أن السيد /بشار داديخي/ مدير دائرة رش المبيدات لم يشر في حديثه إلى وجود أي نقص أو معاناة حول الموضوع مكتفياً بالقول :إن الدائرة تقوم بعمليات الرش في كل عام بالتنسيق مع عدة جهات وأولها مركز مكافحة اللايشمانيا ووضع برنامج زمني لرش المناطق المصابة والتي تمثلت في العام الحالي بمناطق مثل /الدويرنية - المالكية - جبرين - حندارات - البكارة - خان العسل - كفر داعل - المنصورة - الليرمون/ إلا أن ذلك لاينفي وجود نقص ملحوظ بكميات المبيدات الحشرية بحلب، بدليل أن كتاب السيد محافظ حلب رقم /4070/ ص.ح تاريخ 21/4/2009 المرفوع إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة يقضي بطلب تأمين المبيدات الحشرية لاستكمال تغطية وقاية لــ /160/ ألف نسمة، حيث إن المتوفر من المبيدات حالياً لايكفي سوى لتغطية أمكنة لـ /200/ ألف نسمة من أصل الـ /360/ ألف نسمة موزعين بين /19/ حياً و /45/ قرية مصابة وهي خطة العام 20٠9.
واستناداً لهذا الكتاب يعود مدير الصحة ليؤكد مجدداً على وجود نقص واضح وكبير في المبيدات الحشرية مضيفاً بأن ذلك يشمل أيضاً العمال والآليات وعدد المشرفين لافتاً بأن حملة عام /2009/ تحتاج لأكثر من /300/ عامل مضخة والوزارة ستغطي حاجيات ومستلزمات الحملة بحدود النصف فقط ويتابع /طلس/ بأن الأمر يحتاج أيضاً لـ/12/ سيارة مغلقة تتسع كل منها لـ/30/ عامل مضخة و/4/ سيارات إشراف وعدد من المشرفين ومضخات رش محمولة تتناسب وعدد العمال حيث إن المتوفر حالياً في مركز مكافحة اللايشمانيا هو /80/ مضخة رش رذاذي محمولة فقط.
حسب احصائيات مركز مكافحة اللايشمانيا فقد سجلت محافظة حلب عام /2007/ /10400/ اصابة في حين سجل عام /2008 /19500/ اصابة ومع ملاحظة الفرق الواضح في عدد الإصابات لعام /2009/ بين احصائية مديرية الصحة ومركز مكافحة اللايشمانيا.. واستناداً لما سنورده لاحقاً فإن مانود الاشارة إليه هو أن عدد الاصابات في العام الحالي في تزايد مستمر، الأمر الذي قد يشكل وضعاً خطيراً ربما تصعب السيطرة عليه ، ففي زيارة لمركزي اللايشمانيا في منطقتي /أتارب وأورم الكبرى/.
أفاد المسؤول في أتارب /راجياً عدم ذكر اسمه/ أن المركز سجل في العام الحالي /158/ اصابة في كانون الثاني و/176/ اصابة في شباط و /180/ اصابة في آذار، في حين رفض مدير مركز أورم الكبرى اعطاء احصائية دقيقة عن نسب الاصابات في مركزه مكتفياً بالقول: إن أكثر من /1300/ اصابة ترده كل شهر منذ بداية العام الحالي والعديد منها لايستجيب للعلاج مرجعاً ذلك إلى ضآلة كمية الدواء التي تعطى للمريض المصاب وذلك بسبب الكميات التي تمنح للمراكز الصحية.. مايعني بالنتيجة وجود سؤال يطرح نفسه استناداً للآلاف من الإصابات التي سجلت في مركزين فقط للعام الحالي والسؤال ترى كم هي نسبة الإصابات في الـ 40 مركزاً المتبقية وكم ستبلغ مع مرور الزمن ولاسيما أننا لم ندخل فصل الصيف بعد.
الصرف الصحي
ولأن مياه الصرف الصحي المكشوفة سبب أساسي لانتشار واستفحال اللايشمانيا ونظراً لارتفاع نسبة الإصابات عاماً بعد عام في محافظة حلب فقد قامت شركة الصرف الصحي بإعداد خطة شاملة تمثلت بدراسة وتنفيذ العديد من مشاريع خطوط وشبكات ومجمعات رئيسية ومحطات معالجة للصرف الصحي وتوالت الاجتماعات والمشاورات لهذا الهدف فكان منها الاجتماع المنعقد في 5/11/2008 لتحويل مياه الصرف الفرعية للمصبات الرئيسية ثم عقد الاجتماع في 12/11/200٨ لتنفيذ خط المجمع نبل، معارة أرتيق ثم الاجتماع القاضي بتشكيل لجنة لنقل محطة المعالجة من معارة أرتيق نهاية مجرور نبل إلى جنوب مدينة حلب في منطقة خان طومان وإنشاء الشبكات الفرعية للمناطق المجاورة للخط ثم عقد اجتماع آخر بتاريخ 21/3/2009 لمناقشة وصل المصبات الرئيسية للصرف الصحي للوحدات الإدارية على محوري الخطين المجمعين نبل، معارة أرتيق والباب، عران ونتيجة للمتابعة من قبل الدكتور تامر الحجة محافظ حلب السابق، قامت مديرية الخدمات الفنية بإعداد مذكرة رقم 1731/ص تاريخ 26/3/2009 تعلم فيها السيد محافظ حلب عن تنفيذ مشاريع الصرف الصحي بالتعاون مع مجالس البلديات للقرى الموبوءة باللايشمانيا والبالغ عددها 15 قرية إضافة لإنجاز مشاريع أخرى من قبل جهات أخرى ليصبح عدد القرى المخدمة بالصرف الصحي 29 من أصل 44 عدد القرى الموبوءة وليبقى بذلك 15 قرية موبوءة وهي قيد إعداد المخططات التوجيهية ومن ثم إعداد دراسات لمشاريع الصرف الصحي فيها ورغم هذه الجهود فإنه لم نلاحظ أي تراجع في عدد الإصابات باللايشمانيا بل على العكس هناك تزايد ملحوظ.
إذاً ومما تقدم فإن الوضع في ظل هذه المعطيات لايبشر خيراً ونحن وإن كنا لا نشير بأصابع الاتهام إلى أحد فإن هذا لايمنعنا من التأكيد بوجود خلل في هذا الموضوع الشائك ولعل من نافلة القول التذكير بجملة من المقترحات التي من شأنها الحد من انتشار اللايشمانيا وأولها تأمين الدواء بكمياته اللازمة والضرورية وتشكيل لجان لمراقبة عمل المراكز الصحية وإيلاء الاهتمام لتنفيذ مشاريع الصرف الصحي أولاً وتأمين المبيدات الحشرية في كل عام قبل موعد انتشار المرض ودراسة إمكانية عدم حصر الدواء بوزارة الصحة ومديرياتها وبالتالي توفيره بشكل حر في الصيدليات والإسراع كحل إسعافي بالنسبة للمصبات المكشوفة للصرف الصحي وإحداث محطات معالجة في المجمعات والوحدات الإدارية وكذلك التصريح عن الأرقام الحقيقية للإصابات في كل مركز ومكان لاتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة وتأمين كافة احتياجات مديرية صحة حلب ومركز مكافحة اللايشمانيا من عمال وسيارات ومشرفين وأدوية.
محمد مسلماني وفاروق حمود
المصدر: الثورة
التعليقات
حبة سوريا كلها
إضافة تعليق جديد