الكنيسة الأرثوذكسية وبـوشكـين
هل فعلا يقف الدين ضد الأدب والأعمال الفنية؟ هل وظيفته الفعلية، في العمق، محاسبة كل تعبير لا يتفق معه على الرغم من أن «لا إكراه في الدين»؟ ما يعرفه العالم المعاصر من عمليات رقابة، تمارسها المؤسسات الدينية، على مختلف تشعباتها ومذاهبها وطوائفها، لا بدّ من أن يجعلنا نعيد التفكير بهذا الموضوع، لا سيّما أنه لو دققنا النظر جيدا، لما وجدنا أن الخالق يحمل سوطا لينظم مسيرتنا فوق هذه اليابسة. فالمشكلة الحقيقية تكمن في هذه «المؤسسات الدينية» التي تعتقد أنها تمثل الله على الأرض، بالأحرى، التي أصبحت تعتقد أنها هي الأصل.
آخر تحفة سمعنا بها منذ أيام، وقرأنا عنها، أن الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، فرضت رقابة على أحد نصوص الشاعر ألكسندر بوشكين، وهي حكاية شعرية بعنوان «حكاية البابا وخادمه بالدا». بهذا المعنى، تنضم الكنيسة الأرثوذكسية إلى بقية المؤسسات الدينية الرسمية، فبعد الأزهر، والفاتيكان، تعود الكنيسة الروسية الأرثوذكسية لتنضم إلى القافلة، ولتبدأ بالتغريد مع الجوقة عينها. لكن الأنكى من ذلك كلّه، أن الكنيسة المعنية، لم تمنع الكتاب، مثلما هي العادة، أو كما عرفنا مع المؤسسات الزميلة – (أو لنقل الرفيقة، إذ لا بدّ من أن نتذكر الكلمة الأثيرة زمن الاتحاد السوفياتي) – بل أعادت طباعة الكتاب على نفقتها الخاصة في منطقة كرسنودار، لتغير في النص حيث جعلت البابا تاجرا عاديا.
ليس في الأمر أيّ مزحة. فالخبر الذي قرأناه في مجلة «الاكسبرس» الفرنسية يؤكد ذلك. وهو إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على «التطور» الفعلي الذي تنتهجه اليوم المؤسسات الدينية، بمعنى مساهمتها الفعلية في تزوير الذاكرة الإنسانية والأدبية: تخيلوا مثلا لو أن نسخ هذا الكتاب بقيت موجودة بعد عقود طويلة، ولم يسمع بما جرى أي شخص من الأجيال الجديدة، وقرأ الكتاب بنسخته «الكنسية» لاعتقد فعلا أن بوشكين تحدث عن تاجر لا عن أي شخص آخر.
هل الدين فعلا مسؤول عن كل هذه الترهات التي ترتكب باسمه، أم أنها مسؤولية الذين يعتقدون أنهم يمارسون سلطة منزلة، سماوية، لا يحق لأحد مناقشتها؟ لا أحد ضد الإيمان الحقيقي، أي لا أحد ضد هذه العلاقة بين الإنسان، وبين الله، الذي هو الفكرة الأسمى عن الحب والعدالة والتسامح و.. إذ من يمكن له أن يقف ضد هذه الأفكار الرائعة. بهذا المعنى ليس الإيمان بالله هو سبب مآسينا، إنما هؤلاء الذين يعتقدون أنفسهم آلهة على الأرض، والأنكى من ذلك كله، أن يتحول البابوات أو آيات الله أو الشيوخ الكبار إلى نقاد للأدب...
المؤسسات الدينية، تجعلنا نعتقد أن ثمة فضيحة في كل كتاب تصادره وتمارس عليه رقابتها الشنيعة، لكن متى يحين الوقت، لنعلن نحن، عن كل الفضائح التي ارتكبتها هذه المؤسسات، ولم يرتفع ضدها أي صوت.
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد