العلم والإسلام: متى تم الطلاق؟
برونو غيدردوني، فيزيائي فلكي، مدير بحوث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا. يدير مرقب ليون منذ سنة 2005، متخصص في العلاقات بين العلم والإسلام. أسس معهد العلوم الإسلامية العليا. وفي التسعينات قدم حصة "من أجل معرفة الإسلام" على القناة الفرنسية الثانية.
عرف العلم في العالم الإسلامي فترة ذهبية ما بين القرنين الـثامن والسادس عشر. فهل كانت هناك صراعات بين العلماء والفقهاء المسلمين؟
كانت الصدامات محدودة لأنّ كلّا من الخلفاء الأمويين والعباسيين قد شجّعوا تطوير البحث العلمي. ومن هنا استقبل العالم الإسلامي العلوم باستحسان إذ نظر إليها ككشف للخلق الإلهي. وإن وجد صراع، فمردّه بالأخص إلى التوتّر الخفيّ الذي كان قائما بين الفقهاء والفلاسفة.
هل كان حول مسألة خلق العالم؟
تطوّر العلم الإسلامي أثناء الغزوات العربية انطلاقا من ترجمة التراث الثقافي للمناطق المحتلة وهضمه، وقبل كل شيء الفكر اليوناني القديم، إذ استلهمت الفلسفة العربية الوسيطة من أفلاطون وأرسطو والأفلاطونيين المحدثين، فاستعارت على وجه الخصوص نظرية أبدية العالم المعتبرة كنتيجة لأبدية الله. وهو ما أدّى إلى الدخول بشكل مباشر في مواجهة مع تصوّر الفقهاء القائل بخلق الله للعالم من عدم.
هل تمّ إزعاج بعض الفلاسفة؟
كان النقاش فكريا قبل كلّ شيء، كما تبيّن ذلك الحجج التي عارض بها ابن رشد اللاهوتي الغزالي. وكان هذا الأخير قد أحصى أواخر القرن الحادي عشر هفوات الفلاسفة والتي من بينها مسألة أزلية العالم، إذ كان يعتقد أنّ العقل لا يمكن أن يناقض الإيمان. وبعد سنوات ردّ عليه ابن رشد، قاضي قرطبة وفيلسوفها إبان فترة إسبانيا الإسلامية، بوجوب إعادة تأويل النص المقدس لأنّ الدين لا يمكن أن يتناقض مع الفلسفة والعقل. وقد تمّ نفي ابن رشد مؤقتا من مدينته قرطبة في نهاية حياته من طرف سلطة الموحّدين.
من بين العلماء المسلمين في العصر الوسيط، أعطى علماء الفلك دفعا كبيرا لعلمهم قبل أن يأخذ الغرب بزمام المبادرة..
لقد حرّر العلماء المسلمون الفكر العلميّ الذي كان سجينا منذ قرون في ماقبليات أرسطو الفلسفية. بانفصاله المبكّر عن عقلانية اليونان الدوغمائية، بدأ العلم العرب-إسلامي ينظر إلى الطبيعة، بدأ يجرّب. وانتهى علماء الفلك إلى نقد النموذج الفلكي اليوناني. وبإعادتهم لحسابات بطليموس، وقفوا على أخطاء متعلقة بموضع الحركات السماوية. وقد بين كثير من مؤرّخي العلوم أنّ كوبرنيكوس -حتى وإن كان له بالطبع الفضل في كونه الأوّل الذي اقترح نموذجا شمسيّ المركز- فمن المحتمل أنه استلهم حسابات من علماء الفلك العرب.
ولكن انحدر مستوى العلم العربي بعد ذلك..
بعد الانحطاط الأكيد الذي عرفه العلم العربي-الإسلامي والذي يطلق عليه المسلمون "الجمود" والمتعلق بتقهقر العالم العثماني عموما، أدّت صدمة الاستعمار إلى إحداث تجديد فكريّ. عمل كثير من المفكرين في القرن التاسع عشر على عصرنة الفكر العرب-إسلامي. كان إعجابهم بالتقدم العلمي الغربي صادقا. وقد تمّ إدماج نظرية مركزية الشمس ثم نظرية التطور لاحقا في البرامج التعليمية العلمية في الجامعات. ولكن منذ ثلاثين سنة ومع العولمة ومن منظار صدام الحضارات الإيديولوجي ظهر رفض للغرب وعلمه. وبدأ البعض يستخدم نصوص القرآن في موضوع خلق العالم ليناوئ من خلالها ويعارض نتائج العلم. تترجم هذه العلاقة المرضية بالحداثة والتي تستخدم الإسلام كوسيلة إيديولوجية تطوّرا مقلقا في نظر الأوساط المثقفة المسلمة.
المصدر: Le nouvel Observateur, Hors-série, n°77, Janvier-Février 2011.
بقلم: شارل جيول ترجمة : حميد زناز
المصدر: الأوان
إضافة تعليق جديد