الصحة النفسية حاجة ملحة للاجئين العراقيين
يخشى أبو خالد، وهو عراقي ورب أسرة كبيرة هربت من بغداد إلى دمشق منذ سنتين، النوم في الظلام على رغم أنه تجاوز العقد الخامس. وهو على هذه الحال، منذ أن تعرّض للخطف والتعذيب، مدة أربعة أيام، وذهب إثر الحادثة إلى سورية.
ويروي أن خاطفيه أذلوه، وبصقوا عليه وشدوا عينيه ويديه وضربوه ضرباً مبرحاً، وقطعوا عنه الأكل والشرب والنور، طوال أربعة أيام... ثم قرروا إطلاق سراحه مقابل فدية مالية.
وقصّة أبو خالد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة كما يبدو، في عراق تمزّقه التفرقة الطائفية والمذهبية، وأعمال العنف والترهيب. إلاّ أن الآثار النفسية تعقب نهاية «القصة» وتستمر.
وتقول زوجته أم خالد: «لما وصلنا إلى سورية أخضعناه لعلاج نفسي، من طريق مكتب الأمم المتحدة، لكن الكوابيس لا تزال تراوده ليلاً، وهو قليل النوم والأكل».
وكانت دراسة حديثة صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكدت أن عدد العراقيين في سورية الذين يعانون صدمة عصبية، يفوق عدد أقرانهم في دول أخرى.
وبينت الإحصاءات التي أجراها المركز الأميركي للحدّ من الأمراض أن 90 في المئة من اللاجئين يعانون الاكتئاب، ونسبة كبيرة منهم يعانون القلق والتوتر ما بعد الصدمة.
ويظهر أن نتائج البحث وأرقامها لم تشكل مفاجأة للمعنيين، على رغم وقعها وتأثيرها، ففي «كل ساعة يبلّغ عن حالات تعذيب، أو عن آثار عنف مدمرة إلى اللجان الطبية أو مكاتب الهلال الأحمر السوري»، كما تقول سيبيلا وايلكس، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة، في سورية.
وتذكر زينب عدنان، وهي شابة عراقية تعيش مع والدتها وأختها الصغرى في منطقة جرمانا جنوب دمشق، أن والدتها تراجع الطبيب بصورة دورية بسبب ارتفاع «السكر العصبي»، إثر مقتل زوجها على مرأى منها. وتشير إلى أن المراكز المتخصصة، التي تقدّم المساعدات الطبية، تكتظ بآلاف العراقيين من مختلف الأعمار، وجلّهم مرضى بالسكري والضغط والكوليسترول، ومن بينهم أيضاً معوقون من ضحايا الانفجارات وأعمال العنف.
وفي طابور طويل أمام مركز للهلال الأحمر، في منطقة حاميش، يقف الشيخ أبو ياسر للحصول على ورقة موعد مع طبيبه، وهو أصيب مرتين بذبحة قلبية، بسبب مقتل ابنته وحفيدته بانفجار في بغداد. وكان قرر المجيء إلى المركز بعدما نفدت نقوده، لا سيما أن الأدوية مرتفعة الثمن، وليست متوافرة بكثرة.
ويدفع المريض لفروع المفوضية او مكاتب الهلال الأحمر، مبلغاً ضئيلاً، لا يتجاوز 50 ليرة سورية (أي دولار واحد)، مقابل المعاينة ونحو 20 في المئة من قيمة الأدوية للأمراض المزمنة. والعمليات الجراحية تجرى بالاتفاق بين الطبيب والمفوضية، بحسب المرض وحالة المريض المادية.
وفي مكتب الأمم المتحدة في منطقة كفرسوسة في دمشق، يستقبل الأطباء مرضى يعانون من إعاقة جسدية أو نفسية.
وتؤكّد المفوضية أن نتائج المسح الذي نفّذته، وشمل 754 عراقياً، تستعجل وضع برامج متخصصة لمعالجة الصحة العقلية، لا سيما أن كثيرين من اللاجئين العراقيين، يعانون الاكتئاب والقلق والاضطراب والإجهاد اللاحق للصدمة. وتشدد النتائج على تأثيرات تلك الحالات والأعراض في جوانب من حياة المصابين، ومنها انهيار زيجات كثيرة أمام حالات الإجهاد، وتخلّف الأطفال عن الدراسة، وصعوبات كبيرة في التعامل مع مجمل الشؤون الحياتية والمعيشية. وتقدّر المفوضية أن 20 في المئة من المسجلين لديها، هم ضحايا للتعذيب والعنف في العراق.
وتؤكّد مؤسسة «أبســـوس لأبحاث السوق»، التي شاركت في أعمال المسح المـــيداني، ومقرّها أتلانتا في ولاية جورجيا الأميركية، أنها تولت تحليل بيانات مراكز مراقبة الأمراض.
وتبين أن كل شخص، من الأشخاص الذين شملهم المسح، ذكر أنه تعرض، في العراق، لحادث على الأقل، من الحوادث المسببة للصدمات، مثل عمليات القصف الجوي والمدفعي والهجمات... وهناك 80 في المئة علقوا في عملية إطلاق نار مرة على الأقل. ونسبة حالات الاكتئاب والقلق، في عينة المسح، هي الأعلى، وتقدّر بنحو 89 في المئة.
وذكر 68 في المئة أنهم تعرضوا للاستجواب أو التحرش من جانب ميليشيات أو عصابات، وتلقوا تهديدات بالقتل، و16 في المئة عُذّبوا. وشاهد نحو 72 في المئة تفجيرات بسيارة مفخخة، 75 في المئة منهم، كانت لهم صلة بضحية على الأقل، من ضحايا تلك الأعمال. وأشارت نتائج المسح إلى أشكال التعذيب، من ضرب وصدم بالكهرباء وحرق موضعي واغتصاب، على أيدي أفراد الميليشيات. ونسبة الذين تعرّضوا لأعمال مماثلة في العراق، تصل إلى 69 في المئة.
وتعكف المفوضية على تحديد أولويات الدعم النفسي - الاجتماعي للاجئين، ويشمل ذلك الإحالات المنتظمة على أطباء نفسيين، وعيادات ومؤسسات متخصصة بالصحة النفسية.
وتطالب المفوضية بتوفير 261 مليون دولار هذا العام، لدعم اللاجئين العراقيين، يخصّص جزء منها للرعاية النفسية. وهو الأمر الذي تعتبره تحدياً كبيراً في المنطقة العربية التي تحتاج إلى الدعم بالأموال والخبرات لتلبية حاجات العناية النفسية.
هبة هاني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد