الشمس العربية تولّد كهرباء أوروبا
تدشَّن المرحلة الأولى من مشروع «ديزيرتيك» خلال عام 2012، قرب مدينة ورزازات، التي تقع في جنوب غربي المغرب وتبعد عن مراكش نحو 200 كيلومتر. وينفَّذ هذا المشروع النموذجي في مجال الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء على مساحة 12 كيلومتراً مربعاً ويشمل بناء حظيرة لتوليد الطاقة الشمسية بواقع 500 ميغاواط. ويتوقَّع أن تشيَّد شبكة كبيرة من الحظائر المولدة الطاقةَ الشمسية في الدول العربية، تربَط عبر شبكات الكهرباء ذات الضغط العالي العادية، ويتوقَّع أن يغطي الإنتاج الأقصى للمشروع خلال عام 2050 نحو 15 في المئة من الطاقة الكهربائية المستهلكة في أوروبا في حينه. ووضعَت الخطوط الأولى للمشروع منتدى روما وصندوق الحياة البرية، ثم مؤسسة «ديزيرتيك» الألمانية، وأطلِقت في تموز (يوليو) 2009 مجموعة لتنفيذ المشروع تتألف من 56 شركة دولية تقودها شركات ألمانية، منها «آر في أي» و «أي ون» و «سيمنس» و «دويتشه بنك» وشركات أوروبية.
وتقدَّر تكلفة المشروع بنحو 400 بليون يورو، ستمولها مصارف إنمائية دولية والاتحاد الأوروبي وصناديق استثمارية. وثمة مخطط لتوسيع المشروع ليشمل صحارى أخرى في آسيا وأستراليا وأميركا وروسيا من أجل تصدير الكهرباء إلى أقرب مناطق استهلاكية، مثل مجموعة دول جنوب شرقي آسيا. ويتوقَّع أن تساهم دول عربية أخرى في المرحلة الأولى من المشروع، تشمل، إضافة إلى المغرب، تونس ومصر والجزائر. ويذكَر أن الاتفاق مع الجزائر سبقته معارضة قوية من مسؤولين وخبراء جزائرين لتحسين الموقف التفاوضي الجزائري، خصوصاً حول الملكية والسيادة على حظائر الطاقة الشمسية التي هي ملك الشركات الأجنبية.
يطرح هذا المشروع الضخم، كما هو متوقع، أسئلة عدة، منها: لماذا هذا التصدير الواسع للطاقة من الدول العربية إلى الأسواق الخارجية؟ أليس من الأجدر استثمار هذه الطاقة محلياً أو إقليمياً قبل البدء بتصديرها إلى الخارج؟ تصدّر الدول العربية النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي إلى الخارج، فيما تحتاج بعض هذه الدول أو الدول المجاورة لها إلى هذه المنتجات.
تكمن المشكلة في عدم تشييد محطات الكهرباء اللازمة، وعدم وجود المبادرة والإرادة عند المسؤولين للتخطيط لشبكة كهرباء عربية مشتركة. والحقيقة أن الشبكة الوحيدة في هذا المجال شيدها ومولها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وثمة تفشٍّ للفساد الواسع في قطاع الكهرباء في أكثر من دولة عربية، ما يؤدي بدوره إلى عدم التفكير جدياً في مشاريع مشتركة مع دول مجاورة، ناهيك عن التخوف من قطع الكهرباء من الدول المجاورة نتيجة الخلافات السياسية المزمنة بين الدول العربية.
يعطي الانطباع الأول لمشروع «ديزيرتك» أنه سيقضم من سوق النفط. لكن الحقيقة، أن محطات الكهرباء الجديدة تعتمد معظمها إما على الغاز الطبيعي أو الفحم الحجري أو الطاقة النووية أو الرياح أو الطاقة الشمسية. من ثم، فإن هذا المشروع لن يقلص من استعمال النفط، بل سيساعد على إضافة مصدر طاقة آخر في تحسين البيئة. وتعمل الدول العربية، حتى النفطية منها، جادة لاستعمال بدائل الطاقة المتجددة في توليد كميات متزايدة من الطاقة الكهربائية لبلادها.
وتبقى تساؤلات كثيرة: كم من الطاقة المتولدة ستستخدَم في الجزائر فعلاً، وكيف ستنقَل التقنية، بمعنى تدريب الشباب الجزائريين، وما هو حجم الدخل المحلي من تصنيع المعدات، وكم هو عدد الأيدي العاملة التي ستشغَّل في المشروع، وما هي كميات المياه التي ستستعمَل في المشروع، وما هي المعادلة السعرية لتعرفة الكهرباء على مدى هذه الفترة الطويلة؟
وليد خدوري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد