السورية آمال محمود في حوار عن السجن والنضال والوطن
تعد الأسيرة آمال مصطفى محمود أول سيدة عربية سورية يحكم عليها بالسجن الفعلي في سجون الاحتلال الإسرائيلي, وهي من أبناء بلدة مجدل شمس المحتلة ولديها ولد وحيد في ربيعه العشرين واسمه أمل,
وأسرتها كحال العائلات والأسر الجولانية مشتتة إلى نصفين قسم يقبع تحت الاحتلال والآخر في الوطن الأم ينتظر لم الشمل بعد طرد المحتلين إلى غير رجعة.
انضمت الأسيرة ابنة ال 45 عاماً إلى العمل المقاوم كمتطوعة ومربية في المخيمات الصيفية التي تقام في قرى الجولان الصامد, اعتقلتها سلطات الاحتلال في كانون الأول 2001 ضمن حملة اعتقالات والتي طالت خلية سرية مقاومة للاحتلال, وقدمت ضدها لائحة اتهام تتضمن تنسيق العمل والاتصال بين أفراد الخلية العسكرية التي عملت على نقل معدات عسكرية إلى الانتفاضة الفلسطينية الباسلة, فحكمت عليها (إسرائيل) بالسجن الفعلي خمس سنوات وثلاث إضافية مع وقف التنفيذ.
وبعد 4,5 أعوام من الأسر والمعاناة في سجن ( تلموند) وبعض المعتقلات الصهيونية أطلق سراحها المنقوص بحيث اخضعت لحظة وصولها للأسير الأكبر ( الجولان المحتل) للإقامة الجبرية في منزلها ولاتزال رهينة القيد الالكتروني الذي يمنعها من الخروج من غرفتها بل الاتصال ومحادثة ذويها هاتفياً وحتى الذهاب للمشفى كونها تعاني من آلام حادة في الظهر والرقبة..
ورغم الحجر الصهيوني التعسفي على الأسيرة آمال محمود والذي يمنعها من التواصل مع أبناء وطنها ووسائل الإعلام الوطنية إلا أننا تمكنا من إجراء لقاء معها بواسطة رفيق دربها الأسير المحرر أيمن أبو جبل وليلى الصفدي من مجدل شمس وعبر (الانترنت).
ويأتي اللقاء عشية تقديم الأسيرة آمال محمود إلى المحاكم الصهيونية بتاريخ 6 أيلول الجاري للنظر في الإقامة الجبرية المفروضة عليها منذ 7 حزيران .2006
ووفاء لنضال الأهل في الجولان المحتل ودعماً لصموده ونصرته لقضية الأسرى السوريين في معتقلات العدو وتقديراً لنضال الأسيرة البطلة آمال محمود ننشر مضمون اللقاء كاملاً.
* مثلت الأسيرة آمال محمود الساحة الوطنية في الجولان المحتل داخل المعتقلات الإسرائيلية إلى جانب رفاقها الأسرى الأبطال من أبناء الجولان الذين مازالوا يتصدون بآلامهم وكبريائهم الوطني للظروف اللا انسانية والممارسات التعسفية, ما الذي حصل يوم اعتقالك, وماذا عن الإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية خلف القضبان?
**بداية لايسعني إلا أن اسجل عميق احترامي وتحياتي لهذه اللفتة الكريمة فهي إن دلت فإنها تدل على عمق هذا التواصل بين أبناء الشعب والوطن الواحد, فإن يتواصل مواطنو الأرض المحتلة مع أبناء وطنهم الخالد رغم الأسلاك الشائكة, وألغام الموت الإسرائيلية, واتفاقيات فصل القوات, فهذا يعني إننا ننتمي إلى شعب حر عنيد يشهد تاريخه الناصع بذلك, ويشهده حاضره, شعب يمتلك هذه الإرادة في التواصل جدير بالحياة الحرة الكريمة.
بالنسبة إلى الحالة التي وجدت نفسي بها, كأول أسيرة عربية سورية في سجون الاحتلال, فهذه الحالة هي انعكاس لحالة أبناء شعبنا الصامد في الجولان المحتل, النضال أحد الطقوس الاجتماعية والسياسية والعائلية المقدسة في كل بيت جولاني, منذ ولادتنا ونحن ننشأ على رفض الظلم ورفض الاحتلال بكل أشكاله, وعشق الحياة والإنسانية, وحب العدل والحرية والعدالة, وجولاننا الجريح افتقد لحريته وسعادته واستقراره في دفء وطنه بين أبناء شعبه, وابتلى بلعنة هذا الاحتلال الإسرائيلي الفاشي, أنا كامرأة تعرضت إلى الاعتقالات على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية, حيث امتثلت لطلب حضور إلى التحقيق في مركز التحقيق عكا وكانوا قد وعدوني بأنني سأعود إلى البيت بنفس اليوم نظراً لحساسية مثول المرأة في مجتمعنا أمام محققين إسرائيليين, لكنني اخترت الذهاب إليهم على أن يأتوا هم إلى منزل والدي, لاعتقالي ليلاً, لأجنب والدي تجربة التفتيش والصياح وأجواء الارهاب التي يفرضونها على النساء والشيوخ والأطفال كلما داهمت قوات الاحتلال منزل أحد المواطنين, مباشرة بعد أن دخلت مقر مركز التحقيق, اقتادوني إلى غرفة وقيدوني واغمضوا عيوني حتى أنهم رفضوا أن أخبر أختي وأخي اللذين كانا في انتظاري في الخارج بأمر اعتقالي ونقلوني مقيدة إلى مركز التحقيق في الجملة قرب مدينة حيفا, لم أعرف ماذا يريدون مني خاصة وأنهم لم يوجهوا لي أي تهمة, بعد وصولي إلى الجلحة, ادخلوني إلى زنزانة وبدأت جولات التحقيق معي على كوني اتصلت مع عميل أجنبي دون إذن مسبق, والمقصود بالعميل الأجنبي شقيقي وليد محمود الموجود في دمشق منذ عشرين عاماً. التحقيق كان قاسياً جداًً, تعرضت إلى الحرمان من النوم والوقوف لساعات طويلة وأنا مقيدة ورأسي داخل كيس رائحته كريهة من شدة الأوساخ ورائحة الدماء فيه قوية, وهذا بهدف تدمير ارادتي وكسر معنوياتي وصولاً إلى انهياري التدريجي أمام المحققين, شعرت بضيق واختناق كبير, حتى غدت الساعات كأنها أيام طويلة والأيام سنوات لاتنتهي, في هذه الظروف يخيل إليك أن الزمن قد توقف, وأنك وحدك في معركة ستحسم مصيرك بين الحياة والموت, التهديد بالقتل والاغتصاب والضرب, وتعريض أبناء أسرتك إلى هذه التجربة إن لم تعترف, وحريتك التي يحاولون سلبها منك, تلك المعركة أنت فيها وحدك أمام قوتهم وجبروتهم وتعذيبهم واجرامهم, وأنت لا تملك سوى الايمان والارادة بأنك الأقوى, وأنك ممثل لشعب حر عنيد, الحمد لله ارتباطي في جذور هذا الشعب عميق جداً, لأن تلك الجذور أصيلة وصادقة أثبتت أنها تستحق الحياة والمجد.
*ما الدور الذي اضطلعت به إلى جانب الرفاق والرفيقات الأسيرات والأسرى, وكيف تصديت للمشاريع الصهيونية وأنت معتقلة في سجن تلموند?
**رحم الله الشهيد الأسير هايل أبو زيد,فهو مدرسة ونموذج في المواطنة والوطنية, لم ألتق بالشهيد داخل المعتقل لكننا تواصلنا مراراً من خلال المراسلة وزيارات الأهل وزيارات المحامين, كان دائماً ينقل لي حرارة مشاعره واعتزازه بنضال الأسيرات في معتقل التلموند, اتصفح الآن في عدد من رسائله التي أرسلها لي إلى المعتقل, وأقول لك إن كل كلمة من كلماته كانت تتجسد على أرض الواقع, إنه من النوع الصادق والقريب من القلب, إن نضالنا كأسرى ومعتقلين في مختلف الساحات الاعتقالية كان على الدوام بهدف تحسين شروط الحياة الإنسانية, وتوفير الحد الأدنى منها, حين خضنا الاضرابات عن الطعام كأسيرات, كان الأسرى في مختلف السجون سباقين إلى اعلان تضامنهم معنا والعكس صحيح, الظروف المعيشية داخل السجون الإسرائيلية, سيئة جداً, ناهيك عن عقلية السجان الرسمية التي تعمل ومن خلال طواقم الهندسة البشرية على اذلال الأسير معنوياً ونفسياً وتجريده من الشعور بآدميته وانسانيته, ادارة السجون مازالت ومنذ سنوات تمارس التفتيش العاري للأسيرات أسوة بالأسرى, أمام أفراد الشرطة, ويتعرضن للضرب المبرح بعد حصول أي إشكال صغير, وما زلن يتعرضن إلى الحرمان الثقافي ووصول الكتب والجرائد, إضافة إلى منع الأهالي والأقارب من الدرجة الثانية من زيارة الأسيرات والأسرى, إضافة إلى سوء التغذية كما ونوعاً, وعدم توفير أماكن نوم ملائمة للأسيرات والأسرى الجدد بحجة أن لاميزانيات لاستقبال هذه الزيادة المتصاعدة في أعداد الأسرى والأسيرات, ووسائل المواجهة متعددة ومختلفة, لم يرضخ الأسرى والأسيرات للاجراءات الإسرائيلية يوماً, فقد كانت الخطوات النضالية مستمرة من خلال الرفض وإعلان الإضراب عن الطعام, ورفض استقبال أي أسير لايتوفر له سرير ومكان مناسب, وخطوات احتجاج أخرى تكون عادة بالتنسيق مع الأسرى في مختلف السجون وطواقم المحامين ولجان دعم الأسرى والدفاع عنهم في فلسطين والجولان المحتل.
*خمس سكان الجولان ذاق مرارة العذاب خلف قضبان الاحتلال, منذ عدوان حزيران عام 1967 وبتهم متعددة أبرزها مقاومة الاحتلال, لماذا اعتقلت المناضلة آمال محمود وما تجربتك النضالية قبل الاعتقال?
** منذ عدوان حزيران عام 1967 لم تخل سجون الاحتلال يوماً من أسرى الجولان السوري المحتل, حيث أعلنت المقاومة الوطنية السورية في الجولان مواجهة الاحتلال الإسرائيلي واستطاعت المقاومة اختراق أكثر المواقع العسكرية حساسية وسرية في مرصد جبل الشيخ وحتى خط بارليف في شبه جزيرة سيناء, واستطاعت أيضاً إحباط وفضح أخطر مشروع ومخطط إسرائيلي في الجولان المحتل وذلك بالتمهيد والاعداد لإقامة دويلة طائفية في الجولان تحمي الحدود الإسرائيلية الشمالية, وتكون دمية إسرائيلية لضرب سورية وحركة التحرر العربية, حيث استطاع الشيخ المرحوم كمال كنج أبو صالح عضو مجلس الشعب السوري الأسبق ورفاقه في المقاومة افشال المشروع بعد أن أعلموا السلطات والحكومة السورية, الأمر الذي دفع بإسرائيل إلى أن تعتقل المرحوم كمال كنج أبو صالح وتخفيه لمدة 4 أشهر وتصدر بعدها حكماً بالسجن عليه لمدة 32 عاماً منها 23 عاماً فعلياً رغم كبر سنه, وأفرج عنه في عملية تبادل أسرى الحرب في عام .1973
إضافة إلى المأثرة البطولية التي جسدتها المقاومة الوطنية في الجولان في إفشال قانون ضم الجولان وإلحاقه بدولة الاحتلال في العام ,1981 وتحويل القانون الإسرائيلي إلى مجرد ورقة سياسية تستخدمها الحكومة الإسرائيلية في أي تسوية سياسية.
كلمة أخيرة!!
لأبناء وطني أولاً, ولأحرار هذه الأمة, الجولان أمانة في أعناقنا, بشهدائه وأسراه, بنسائه وأطفاله, برجاله وشيوخه, بجرحاه, وسجنائه المحررين,بعماله وفلاحيه وكل قطاعاته, بكامل ترابه وكامل خيراته, يجب أن نحافظ على هذه الأمانة عربية سورية.
لقيادتنا وعلى رأسها الدكتور بشار الأسد حفظه الله, ثانياً جنود الجولان من الأسرى المحررين المقاومين لم يبخلوا يوماً بتلبية النداء والواجب الوطني, فليكونوا دروعاً متينة بضمان حقوقهم المادية والمعيشية والعلاجية ليكونوا صوتاً للوطن والشعب والقضية والقائد. ونموذجاً للأجيال الناشئة.
ولأبناء شعبي في الجولان ثالثاً أحر واسمى التحيات على كل ما تقدمونه من عطاءات وتضحيات وواجبات مقدسة ليبقى الجولان شعلتنا الوطنية والنضالية.
بهيجة نايف حمد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد