السنيورة ضد السنيورة
يتسم موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالمسؤولية المزدوجة في هذه المرحلة. من جهة، لا يمكنه الا ان يكون مع شعبه في مواجهة العدوان الاسرائيلي، ومن جهة ثانية، يبدو حريصا على مبدأ التمايز الذي يبقي لحكومته هامش مناورة وفتح فجوات للتفاوض واستيلاد المخارج السياسية. كما أن علاقة الشراكة الاكثرية الاميركية، توفر هامشا معينا للحكومة من اجل لعب دور سياسي في سياق وضع حد للعدوان الاسرائيلي ضد لبنان.
من مكامن القوة لدى رئيس الحكومة ما حرصت الادارة الاميركية والرئيس جورج بوش في التأكيد عليه مرارا وتكرارا في الايام الاخيرة بأنهم حريصون على عدم تقويض الحكومة. وقد استند الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان في خطابه امام مجلس الامن امس على ما قاله السنيورة حول اية حكومة يمكن ان تكون قوية وهي عمليا ليست موجودة الآن... انتم تريدون دعم حكومة لبنان دعوني اخبركم انه لا حكومة قادرة على الوقوف فوق انقاض الوطن. كأن رئيس الحكومة يلوح باستقالته في مواجهة العالم بأسره اذا لم يتحمل مسؤوليته في وقف العدوان الاسرائيلي.
يدرك الرئيس السنيورة أن التهديد بتقديم استقالته في غضون 24 ساعة ما لم توقف إسرائيل حربها التدميرية سيعيد خلط الأمور على المستوى الدولي لأن الأولوية بحسب الرئيس الأميركي جورج بوش الآن هي لضرب حزب الله وحماية حكومة ثورة الارز الفتية وهذه المعادلة قد تهتز وتنهار في إحدى الحالتين: صمود المقاومة في الجنوب، أو استقالة الحكومة.
هل لدى الرئيس السنيورة هامش من الحرية في اتخاذ موقف مبدئي كهذا؟
الجواب على هذا السؤال يفترض أولاً رغبة لدى الفريق السياسي الذي يمثله الرئيس السنيورة في الحكومة في الوقوف في مواجهة التغطية الاميركية السافرة للعدوان الاسرائيلي، وهو أمرٌ مستبعد الآن، لأن ثمة مصالح سياسية واقتصادية لهذا الفريق وهذه المصالح تتمثل في العداء لسوريا على خلفية اتهامها باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحماية المصالح الاقتصادية للفريق الحاكم. كان الرئيس الراحل رفيق الحريري مؤمنا بأهمية وضرورة تناغم خيار المقاومة الدفاعية التي يمثلها حزب الله وبين خيار المقاومة الاقتصادية التي يمثلها المشروع الاقتصادي للرئيس الراحل بانتظار التسوية السياسية الاقليمية الشاملة. وكان أداء الرئيس الحريري مبنيا على وجوب حماية كل خيارٍ للآخر.
هذه القناعة لا تستند إلى منطق المصالح فحسب بل إلى إيمان بأن رسالة المقاومة التي يمثلها حزب الله، وهي تعبير صادق عن مشاعر وطنية وقومية، لم يكن الرئيس الحريري إلا متعاطفاً عقلانيا معها وفي بعض الأحيان مادياً أيضاً. إن الحرب التدميرية التي تشنها إسرائيل باستهدافاتها الأمنية والاقتصادية تعمد إلى تدمير البنية الدفاعية للبنان (حزب الله) والاقتصادية (الحريري) وبالتالي فإن المستهدف اليوم هو مشروع المقاومة بوجهيه الأمني الدفاعي والاقتصادي. إن أخطر ما يواجهه لبنان اليوم يتجاوز العمليات العدوانية من قبل إسرائيل ويتجسد في قدرته على استمراره كوطن واحد لشعب واحد.
فهل يدرك الرئيس السنيورة هذه الحقيقة فيتعامل معها بجدية، أم يبقى يمارس سياسة النعامة، وهي السياسة التي تعطي للإدارة الأميركية ضوءاً أخضر فتجيره الأخيرة إلى دولة المجازر المتواصلة في لبنان... اي إسرائيل.
حسن علوش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد