الحديد في الجسم... مضارّ الزيادة والنقص
الحديد من العناصر الضرورية للجسم والحياة لأنه يدخل في تركيب خضاب الدم (الهيموغلوبين) وإنتاجه الذي يعد المكون الرئيس لكريات الدم الحمر التي تنقل الأوكسيجين من الرئتين الى كل عضو بل الى كل خلية في الجسم، وبعد تسليمها الأوكسيجين ترتبط فوراً بغاز ثاني أوكسيد الكربون حاملة إياه من الخلايا الى الرئتين لتتم عملية طرده الى الفضاء الخارجي من خلال عملية الزفير.
ويحتوي جسم الإنسان على نحو خمسة غرامات من الحديد يتركز القسم الأكبر منها في الدم والكبد والطحال والكليتين ونخاع العظام وفي العضلات.
ويجرى امتصاص عنصر الحديد في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة بمساعدة العصارة المعدية وفيتامين سي، ويقل امتصاصه عند وجود مواد قلوية، مثل أملاح الأوكزالات وحامض التانيك الموجود في الشاي والقهوة. ويخزّن الحديد في الكبد والطحال ونخاع العظم الى حين الحاجة إليه.
ويهتم الناس بالحفاظ على مستوى الحديد في الجسم لأنه يعني القوة والصحة والعافية. لكن نقصان الحديد أو زيادته يفضيان الى متاعب صحية.
ويؤدي نقص الحديد إلى الإصابة بفقر الدم الذي يعطي عوارض واسعة، مثل شحوب الوجه والجلد، والخمول، والتعب، وضيق النفس، وسرعة خفقان القلب، والحكة، والهشاشة في الأظافر، والتشققات المؤلمة في زوايا الفم، والحرقان في اللسان، وجفاف الفم والحلق، وصعوبة البلع، وتساقط الشعر، والدوخة، والصداع، وبرودة الأطراف، وضعف التركيز. أما نقص الحديد عند الأطفال فيؤدي الى الشكوى من التعب الدائم، وفقدان الشهية، ونقص الوزن، والتأخر في النمو العقلي والحركي، وزيادة احتمال الإصابة ببعض الأمراض، والرغبة الشديدة في تناول مواد غريبة كالثلج والأوساخ والطين. وبينت دراسات أميركية ارتفاع نسبة انتشار نقص الحديد بين أطفال البلدان النامية.
ويعاني نحو 30 الى 40 في المئة من النساء في سن النشاط التناسلي من نقص في الحديد بسبب فقدان الدم بصورة مستمرة من طريق الدورات الشهرية. كما أن أطفالاً كثيرين من الذين تتراوح أعمارهم بين عام وثلاثة أعوام وكذلك المراهقين في عمر 12 الى 14 سنة، يشكون من نقص الحديد نتيجة مرور هؤلاء بمراحل النمو والتطور. أيضاً سُجلت حالات نقص الحديد عند المصابين بالسمنة المفرطة عزاها خبراء الى سوء امتصاص الحديد بسبب توسّع رقعة الأنسجة الدهنية في منطقة البطن. وسُجل الكثير من حالات نقص الحديد في الدم عند الرياضيات اللواتي يمارسن الألعاب الشاقة، مثل عداءات المسافات الطويلة.
ويُرصد نقص الحديد في الجسم من طريق فحص الدم. ويمكن علاجه بتعديل النظام الغذائي والإكثار من استهلاك الأطعمة الغنية به(الحديد)، وإذا لم تنفع هذه فإن تناول مكملات الحديد يصبح ضرورياً.
ولا تكمن المشكلة في نقص الحديد وحسب، بل إن زيادته أيضاً تترتب عنها أخطار تضر بالصحة.
ويرتفع مستوى الحديد في الجسم نتيجة الإفراط في تناول المواد الغذائية الغنية به، وعند قيام الأمعاء بامتصاص كميات من الحديد تفوق تلك التي يحتاجها الجسم، وكذلك بعد أخذ حقن الحديد أو تناول عقاقير ترفع مستواه في الدم.
وهناك اضطراب وراثي يعرف باسم الداء الصباغي الدموي، يؤدي الى تراكم الحديد في الجسم في شكل خطير للغاية، واذا ترك هذا الداء ولم يُشخَص ويعالَج فإن أمراضاً كثيرة قد تندلع، مثل ضعف عضلة القلب، وتضخم الكبد والطحال، وفشل البانكرياس والغدد التناسلية، والداء السكري المعتمد على الأنسولين، والأورام الخبيثة. واذا طال أمد فرط الحديد في الجسم فإنه يقود الى أمراض تنكسية عصبية، مثل داء باركنسون أو مرض الزهايمر.
ويمكن لزيادة الحديد في الدم أن تسبب العوارض الآتية: الشعور بالتعب، والضعف العام، والألم في المفاصل، والغثيان، والتقيؤ، والألم في البطن، وضعف الرغبة الجنسية، واضطراب نبض القلب، وارتفاع الحرارة، والجفاف، وانخفاض ضغط الدم.
ويشخَص فرط الحديد في الجسم بناء على القصة السريرية والتاريخ المرضي والفحوص المخبرية الخاصة بقياس مستوى هذا المعدن في الدم.
ويتم علاج فرط الحديد في الجسم بالتخلص من الكميات الزائدة بسحب الدم بوتيرة يقررها الطبيب، الى أن يعود الحديد في الدم الى مستواه الطبيعي. أيضاً يمكن إزالة الحديد الزائد بإعطاء المريض مادة تندمج مع الحديد لا يستطيع الجسم امتصاصها فيتخلص منها. وعلى المصابين أن يقللوا قدر المستطاع من الأغذية الغنية بعنصر الحديد، مثل السلائب، واللحوم الحمراء، والقواقع البحرية، وصفار البيض، والحبوب الكاملة، والفواكه الجافة، والبقوليات.
تبقى نقطتان في غاية الأهمية: الأولى هي أن أمهات كثيرات ما أن يرين أطفالهن مصابين بالشحوب حتى يبادرن الى إعطائهم مقويات الحديد من دون أخذ رأي الطبيب بذلك، ما قد يؤدي الى فرط الحديد في جسم الطفل وبالتالي الى إصابته بالتسمم.
والنقطة الثانية تتعلق بالحوامل، فهن قد يقعن ضحايا فرط الحديد في الدم جراء تناول مكملات الحديد مع أنهن لا يعانين فقر الدم، ويؤدي هذا الأمر الى مشاكل تنعكس سلباً على الجنين، مثل قلة النمو في الرحم، وانخفاض الوزن، والولادة المبكرة.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد