الحداثة بين الأزهر والإخوان والسلفيين
إن مرور عام على انطلاق ثورة مصر على الاستبداد والفساد والتخلف الذي جسده نظام حسني مبارك طيلة عقود ثلاثة، مع نهاية هذا الشهر، يمنحنا فرصة لتأمل مسيرة المخاض السياسي والاجتماعي الجديد، الذي تواجهه ثورة 25 يناير، في انطلاقتها للانتقال من عصر التخلف الى عصر الحداثة.
لقد بدا هذا المخاض واضحاً مع اكتمال الخطوة الاولى في دخول عصر الحداثة، في مسيرة الانتخابات النيابية، المفترض انها تجسد سلطة الارادة الشعبية، الأقنوم السياسي رقم واحد في دخول عصر الحداثة.
وسواء كانت النتائج مفاجئة للبعض، وغير مفاجئة للبعض الآخر، فإن الممارسة الديموقراطية الاولى التي مورست في العام الاول لثورة 25 يناير، قد اسفرت ليس فقط عن تقدم بارز للإخوان المسلمين (وهو ما كان متوقعاً بنسبة او بأخرى)، بل عن ظهور سياسي مفاجئ وقوي لتيار السلفيين.
كان طبيعياً هنا ان يختلط الاطمئنان على بدء ممارسة المجتمع المصري للأقنوم الاول من أقانيم الحداثة، وهو الممارسة الكاملة لحريته السياسية عن طريق الديموقراطية، بالقلق الشديد على الأقانيم الأخرى للحداثة، وهي أقانيم متممة لا يكتمل القبض على روح الحداثة من غيرها، عنيت بها ممارسة سائر الحريات في العصر الحديث، ومنها حرية الإبداع، وحرية البحث العلمي، وحرية المعتقدات.
ومع كل المطمئنات اللفظية، التي راح يطلقها منذ وقت مبكر بعض دهاة الإخوان المسلمين، فإن مؤشرات عملية تجاوزت المؤشرات اللفظية، من قبل الإخوان المسلمين، كما من قبل السلفيين، تدعو الى حالة حقيقية وعميقة من القلق على مسيرة الثورة بالمجتمع المصري، ومعه بقية المجتمعات العربية، نحو استكمال كل مستلزمات امتلاك الحداثة، ودخول العصر الحديث، بكل مقوماته وبروحه الحقيقية الكاملة.
في حرية المعتقد، بدأت تظهر دعوة صريحة من قيادات الإخوان المسلمين، بعدم شرعية مشاركة المصريين المسلمين للمصريين المسيحيين في أعيادهم الدينية، لأن هذه المشاركة فيها شبهة المشاركة في المعتقد الديني، وليس فقط الاحتفال الديني. وراح الأكثر دهاء من هؤلاء، يطرحون شرعية المشاركة في التهنئة بالعيد الديني فقط، من دون احتفالاته وطقوسه.
في حرية الممارسة الاجتماعية، بدأت تظهر علناً جماعات سلفية تقتحم محلات تصفيف شعر النساء، لتمنع ممارسات معينة وتفرض ممارسات معينة.
اما في حرية الإبداع، ولعلها تقف على رأس الحريات، فقد تلقى نقيب الممثلين عند زيارته المرشد العام للإخوان المسلمين (وليس زيارة عضو صغير في الحركة) درساً واضحاً فيما يجوز وما لا يجوز في ممارسة الإبداع الفني، مما يشير، في حال تشكل حكومة غالبيتها من التيار الإسلامي، بظهور رقابة جديدة على كل مجالات الإبداع الفني، تفوق سطوة وبشاعة سلطة الرقابة الفنية في عصر الاستبداد المباركي.
كان حرياً بمؤشرات كهذه ان تثير كل دواعي القلق، ليس فقط على مستقبل مصر وحدها، بل على مستقبل الوطن العربي بأسره، الى أن اطلق الأزهر الشريف، وهو المرجع الإسلامي الأعلى في العالم، وليس في مصر وحدها، وثيقتين بالغتي الأهمية، شارك فيهما رجال دين ومفكرون مسيحيون، وصدرت الثانية منهما على شكل بيان أصدره الأزهر قبل ايام قليلة، في موعد له دلالات هامة.
ابرز ما في الوثيقتين حديث صريح وواضح لا لبس فيه عن ضروة الحفاظ في المجتمع المصري على الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الإبداع وحرية البحث العلمي.
إن هذه المفارقة تظهر لنا أن تيار الإسلام السياسي في مصر، الممثل بالإخوان المسلمين والسلفيين، قد قادنا الى بلبلة عظيمة عندما نجح في ان يخلط بين مقولاتهم السياسية المختلفة، والعاطفة الدينية الجياشة لدى كل ابناء الشعب العربي في مصر. فجاء الأزهر الشريف، بما هو مرجع اكبر للإسلام الديني، يحمي المجتمع حماية مبكرة، من أي اتجاه نحو تقييد الحريات العامة السياسية والفنية والعلمية والاجتماعية، باسم نفر معين من أحزاب الإسلام السياسي.
المسيرة طويلة، والمخاض شاق، لكن التقدم مؤكد، ولتبق عيوننا على ميدان التحرير في القاهرة.
الياس سحاب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد