الحجر الأسود: المسلحون يبدّلون بوصلتهم

ينخفض صوت المعارك في الحجر الأسود ومنطقة ريف دمشق الجنوبي في الإعلام فقط، أما على الأرض فصوت قتال المجموعات المسلحة مع وحدات الجيش السوري يستمر، كما يستمر القتال بين تلك المجموعات نفسها حول من يسيطر على الحي الذي يقع بين مخيم اليرموك وداريا، والقريب جغرافياً من مقام السيدة زينب.
يقدر عدد سكان الحجر الأسود بحوالي 60 ألف نسمة، معظمهم من أهالي الجولان السوري المحتل، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين، كون الحي يتداخل مع مخيم اليرموك. ويبعد الحجر الأسود عن دمشق حوالي ثمانية كيلومترات، ما يشكل تهديداً للعاصمة لقربه من أحيائها، بالإضافة إلى كونه صلة وصل بين العديد من المناطق التي فيها مجموعات مسلحة، أهمها مدينة داريا، التي كانت تتبادل مع الحي العتاد والمسلحين باستمرار، وخاصة قبل دخول حي القدم في عملية المصالحة وقطع الطريق الأساسي بين المنطقتين.
تضيع داخل الحي بوصلة الهدف الرئيسي للمجموعات المسلحة، وهو محاربة النظام وقتاله على الأرض، فقد تحوّل الرصاص إلى قتال بين المجموعات داخل أحيائه.
الصراع بين محورين، الأول يضم مجموعات من "الجبهة الإسلامية" و"جيش الأمة" و"الجيش  الحر"، والجبهة الثانية تضم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش"، فالمعارك والهدن تحدث بين هذين المحورين أكثر من حدوثها مع الجيش السوري.
ويعود القتال إلى يوم قيام مجموعة من "داعش" باقتحام مقارّ "الجبهة الإسلامية" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" في بلدة يلدا في رمضان الماضي. ويشير مصدر معارض إلى أن المجموعات المقاتلة في حي الحجر الأسود، مثل "لواء صقور الجولان" و"جيش الإسلام" و"لواء الأمة"، قاتلت عناصر "داعش" بين الأحياء وحاصرتها في أكثر من منطقة، وخاصة في مراكز قيادتها مثل "حي الثورة". ويوضح المصدر أن غالبية المسلحين داخل الحي من سكان ريف دمشق الجنوبي، ومعظم قادة المجموعات من أبناء حي الحجر الأسود. والشرارة الأساسية التي أشعلت القتال بين المحورين هو قيام "داعش" بقتل ممرضين وأطباء ميدانيين في ريف دمشق الجنوبي، ما شكل حالة توتر مسلح بين كل الأطراف.
ويوضح المصدر المعارض سبب اهتمام المجموعات المقاتلة بالسيطرة على الحجر الأسود، فيقول "تؤمن سيطرة الكتائب الإسلامية، أو داعش، على الحي مركزاً في ريف دمشق الجنوبي من جهة، إضافة إلى كون الحي ملاصقاً تماماً لمخيم اليرموك، الذي شكل ملجأً للمقاتلين في داعش، والذي يوضع مع الحي في سلة واحدة من الحل، فإما أن تدخل المنطقتين في مصالحة وحل أو تبقى في حالة صراع مسلح، خاصة بعد دخول حي القدم في عملية المصالحة، ما شكل حاجزاً يقف في وجه الحي من جهة الغرب الذي يعد امتداداً لجزء من داريا".
ويشير المصدر إلى انه لا يمكن فصل توقف القتال بين المجموعات المسلحة و"داعش"، عن حالة التشتت والانقسامات التي تعيشها هذه المجموعات، وخاصة التابعة إلى "الجبهة الإسلامية" وحالات الاغتيالات والخيانات المتنقلة بين مختلف مناطق ريف دمشق. وقد أشار ناشطون معارضون على صفحاتهم إلى خروج تظاهرات داخل الحي مؤيدة لتنظيم "داعش". ويعتبر المصدر أن توجه بعض الأهالي إلى تأييد "الدولة الإسلامية" يعود إلى التراجع الواضح في وجود باقي الفصائل وقوتها.
وتعيق عملية التداخل بين التنظيمات تحقيق المصالحة، وقد ازداد الطوق حولهم بشكل رئيسي حين تم توقيع اتفاقية مصالحة في حي القدم والعسالي بين ممثلين عن الدولة ووجهاء وممثلين عن المسلحين في المنطقتين.
وقال مصدر ميداني إن ملف ريف دمشق الجنوبي أصبح في نهاياته، مشيرا إلى عمليات المصالحة في أكثر من منطقة في الغوطة الغربية وعملية المد والجزر التي تعيشها المجموعات المسلحة في داريا، عسكرياً أو عبر التسوية، بالإضافة إلى التقدم الذي يحرزه الجيش السوري على مختلف الجبهات، وخاصة بعد السيطرة على المليحة، التي تشكل امتداداً جغرافياً نحو الشرق لمنطقة ريف دمشق الجنوبي.
ويكمل المصدر أن استكمال التقدم في مناطق ريف دمشق الشرقي يشكل مع الوقت انهيارا لما بقي من مناطق في ريف العاصمة، وخاصة الجنوبي منها، لتكتمل عملية تأمين العاصمة.
ومع الوقت تتلاشى خطورة دخول المجموعات المسلحة إلى دمشق، إلا عبر عمليات محددة، كما حدث في الدخانية والزهراء قبل أن يعود الجيش السوري ويسيطر عليها. وبعد الخسارة المتتالية للأراضي، التي كانت تشكل حاضنة للمجموعات المسلحة توالياً، فإنه لم يعد من المفيد أن يقوم الناشطون الإعلاميون من تلك الجماعات بنشر مقاطع فيديو وصور لعملياتهم، فطوق الحصار الواقعي على الأرض يختلف جذرياً عن الطوق الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي.

وسام عبد الله

المصدر: السفير