التلفزيون السوري بوصفه محمية للمرتزقة
إن الحديث عن التغييرات الإدارية في أروقة التلفزيون السوري بقنواته الثلاثة "العامة، الفضائية، الثانية" ليس حديثاً ذو شجون فقط، بل يقارب قبض الريح.
فلا تكاد تمر فترة قصيرة من الزمن، على تعيين إداري جديد لأحد الأقسام أو القنوات، حتى يصدر قرار بإقالته، وتغيير كوادره، وبالتالي تغيير الشاشة برمتها. ولا أحد يعرف إلى أين ستقود هستيريا الكراسي والمناصب، ربما في أحسن الأحوال ستقود الشاشة السورية إلى مرحلة لا تحسد عليها. فالرقابة السياسية المفروضة على الشاشة السورية والتي نستطيع أن نفهمها رغماً عنا. لم تقف عند حدود. وما حدث في الأشهر الأخيرة، زاد الطين بلة. إذ أضيفت رقابة من نوع جديد، كأن يصدر قرار يمنع المذيعات من ارتداء بعض اللباس الضيق الذي يظهر جزءا من المفاتن! أو يمنع الحديث عن بعض القضايا الاجتماعية الخاصة بالتشريع الإسلامي، والتي تناقش على شاشات دينية متشددة، بشكل حر ومفتوح، وجاء أخيرا ما زاد الأمور هزالة، فأصبح هناك ما يخيف بعد أن تحولت دهاليز التلفزيون السورية إلى سفينة غارقة، تنتشلها الرياح من مطب لتقع في مطب آخر.
المدير العام الجديد الذي يتم تغييره كل فترة أيضاً، وتغييره يترافق مع تغيير وزير الأعلام. كان أصدر منذ أيام، قراراً بإقالة رؤساء الأقسام واستبدالهم بمدراء جدد. الإداريون السابقون بالكاد كانوا جلسوا على مقاعدهم، وليست المشكلة هنا، لأن العطالة التي تتعرض لها نوعية وكمية وجودة البرامج التلفزيونية، لها علاقة في أن هؤلاء المدراء بالكاد يجلسون على مقاعدهم ويعرفون ما يتوجب إدارته، حتى يأتي قرار ويغيرهم، فيبقى التلفزيون بلا ادراة، ويسير بقدرة قادر، وتختفي فجأة برامج، وتظهر أخرى ومن دون خطة مسبقة، أو يقوم كل إداري جديد بتغيير طاقمه، فتنقلب الدنيا رأساً على عقب، بالكاد تكتمل المشاريع البرامجية، لأن كل مدير يريد أن يثبت اختلاف خطته عن الأخر. وإذا تابع المشاهد القنوات الثلاثة سيكتشف الاختلاف في دورة البرامج، والتي لا تخضع لخطة، سوى منطق الكرسي الجديد، ولعل اللافت في هذا التغيير، رغم أن التغييرات التي سبقتها كانت في إقالة مديرة القناة الأولى، وكانت تشكل مع مديرة التلفزيون، توازناً ثقافيا مرضيا وايجابيا بالنسبة لكثيرين، فان المدراء الذين عينوا حديثاً، كانوا جميعاً ينتمون للحزب الحاكم، وهو جزء من شروط المدير العام الجديد كما تردد في دهاليز التلفزيون. وكما أظهر ت الأسماء. ما يشكل عودة عن السياسة التي كانت اتبعت منذ سنوات في إدخال روح الاختلاف إلى التلفزيون، ودعم المواهب والكفاءات حتى لو كانت خارج السلطة. الآن ما يحدث يعود بالأمور إلى الوراء، ليعود التلفزيون إلى محمية صغيرة يعيث فيها أصحاب المنافع والمرتزقة _غالباً_ الذين لا علاقة لهم بالإعلام، ولا يفهمون من عالم الصورة المرئية، ولا من سحر الشاشة وطغيانها، إلا بالقدر الذي يرضي عنهم أصحاب القرار. أما التلفزيون السوري؛ الواجهة الأشد تأثيراُ وتعبيرا عن هوية البلد الثقافية والإعلامية، فلتبق قبض الريح.
سمر يزبك
المصدر:الحياة
التعليقات
نحن نتوخى من
إضافة تعليق جديد