التكنـولـوجيـا تنقـذ اللغـات مـن الانـدثـار
كل ما يعرفه الناس عن كوكب الأرض موجود في ثقافات البشر ولغاتهم، وقليل منه موجود في الكتب العلمية. وإذا كنا نرغب في بقاء هذا الكوكب، علينا الاستفادة من الحفاظ على بقاء هذه المعرفة.
في عالم يتعرَّض فيه للزوال نصف الـ6000 لغة الباقية، يسترعي اليوم الدولي للغة الأم الذي يحتفل به في 21 شباط من كل عام، الانتباه إلى أهمية الحفاظ على هذه الثروة الثقافية واللغوية انطلاقاً من مبدأ ان التعليم باللغة الأم وسيلة قوية لمحاربة التمييز وللوصول إلى السكان المهمشين.
وفيما يعتقد البعض أن العولمة سبب في انقراض بعض اللغات، تأتي بعض عناصر «العالم الحديث»، ولا سيما التقنية الرقمية، لتساعد على بقاء بعضها. فيعتقد العلماء ان موقعي التواصل الاجتماعي، «فيسبوك»، و«يوتيوب»، ورسائل الهواتف المحمولة القصيرة، ستكون المنقذ لكثير من لغات العالم المهددة بالاندثار.
وها هي قبائل أميركا الشمالية، مثلا، تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الشباب إلى لغتها الأم. فيما ابتكر ابناء لغة «توفان» التي يتكلمها البدو في سيبيريا ومنغوليا، تطبيقا لجهاز الـ«أيفون» لتعليم نطق الكلمات للطلاب الجدد.
وتقول الخبيرة في الدراسات الأميركية المحلية في جامعة ميتشغان مارغريت نوري، والتي تتحدث لغة تعرف باسم «أنيشينابيموين» وهي اللغة الوطنية لمئتي قبيلة في كندا والولايات المتحدة، إن أبناء هذه الأمم يستخدمون الـ«فيسبوك» بشدة.
وقالت نوري «إن ما نفعله بالتقـــنيات الجديدة، هو ربط الناس بعضهم ببعض، من أجل الحفاظ على اللغة».
ويسمي أستاذ علم اللغة المساعد في كلية سوارثمور، وعضو الجمعية الجغرافية الوطنية ديفيد هاريسون ما يحصل بـ«الوجه الآخر للعولمة» مشيراً الى انه لا يمكن لكل اللغات أن تبقى على قيد الحياة، ولا بد أن يُفقد بعضها عندما يموت المتحدثون بها الذين ما زالوا على قيد الحياة. غير أن اللغة التي يتكلمها خمسة أو خمسون شخصا فقط في موقع ناءٍ أصبحت تستطيع عبر التكنولوجيا الرقمية الوصول إلى أرجاء العالم، وأن يكون لها مستمعون على مستوى العالم».
من ناحية اخرى، انطلق البحث عن سبل لتعزيز اللغة الام من خلال عملية التعليم في المدارس خصوصاً مع انتشار ظاهرة تعليم لغتين. وإذ توصل باحثون أميركيون إلى أن تعليم النشء الصغير لغتين يؤثر على وتيرة تعلم هؤلاء للغتهم الأم «لأن اللغات بالنسبة للصغار ليست لعبة».
وانطلاقاً من هذا الامر، تعمد مدرسة ابتدائية ثنائية اللغة في مدينة كولونيا غرب ألمانيا الى إتاحة الفرصة للأطفال للتعلم في المدرسة بلغتهم الأم التي نشأوا وتربوا عليها بالإضافة إلى الألمانية وتقول مديرة المدرسة مارغيت فايكس: «هذا مهم خاصة للتلاميذ من أصول مهاجرة. وبهذا لا تـــكون اللغة عائقا أمــــام تعلـــمهم واندماجهم في المجتمع أو عائقاً أمام بلوغهم أهدافهم».
المديرة فايكس هي نفسها من أصول إسبانية مهاجرة. وهي تعرف جيدا كم هو من الصعب الاندماج في المجتمع المضيف وفي الوقت ذاته الحفاظ على اللغة الأم التي يتكلمها الوالدان في البيت. وقالت فايكس: «المدارس الثنائية اللغة تدرِّس مناهجها بلغتين مختلفتين وهي بالتالي تساعد الأطفال الأجانب على الاندماج وعلى الحفاظ على هويتهم الثقافية وتمكن الأطفال الألمان من الانفتاح واستقاء لغة جديدة وتبلوِر للتلاميذ مستقبلاً واعدا».
وأهم ما في الامر كما تقول المعلمة ساندرا نييتو دي دييغو هو ان «العملية التعليمية ناجحة جداً هنا. الأطفال يتعلمون معاً ويستفيد بعضهم من بعض من أجل استيعاب أفضل».
ولذا، أصبح هذا النوع من المدارس يحظى بشعبية متزايدة في ألمانيا ويلقى اهتماماً متناميا من قبل الدولة. كما بدأ تعلـُّم المنهج المدرسي باللغة العربية بالإضافة إلى الألمانية يلقى اهتماماً في بعض المدارس الخاصة التي أسسها عرب مهاجرون كي لا يفوت أولادهم قطار التعلم بلغتهم الأم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد