الانصهار النووي الإنجاز الأبرز والمناخ على حافة الهاوية
على رغم غيبوبة معظم وسائل الإعلام العربي عنه، فالأرجح أنّ الإنجاز العلمي الأبرز للعام 2015، يتمثّل في تشغيل علماء ألمانيا أول مفاعل انصهار نووي Nuclear Fusion Reactor، أطلق عليه صنّاعه في «معهد ماكس بلانك» اسم «سفِندِلشتاين 7- إكس شتلاراتور» Wendelstein 7-X stellarator، واختصاراً «دبليو 7- إكس» W7-X (أنظر «الحياة» في 13 كانون أول- ديسمبر 2015).
ويصعب عدم القول إن مفاعل الانصهار «دبليو 7- إكس» يشكّل تحوّلاً نوعيّاً في تاريخ علاقة البشر مع الطاقة، خصوصاً أنه يحقّق ســعي الإنسان إلى الحصول على طاقة مستمرة وقويّة وغير مؤذية للبيئة، إضافة إلى كونها غير خطيرة بحد ذاتها.
وعلى غرار إنجازات علميّة كبرى متّصلة بالحياة اليوميّة للبشر، كالإنترنت والكومبيوتر والخليوي والطائرة والهاتف والسيارة وسكة الحديد وغيرها، الأرجح أن يبقى مفاعل الانصهار النووي لأمد طويل. ويعني ذلك أنه يسير ليصبح ركناً أساساً للنقاشات عن الطاقة وعلاقتها مع البيئة. ويزيد في أهمية مفاعل «دبليو 7- إكس» أنّه اشتغل فعليّاً، بمعنى أنه ليس مفاعلاً تجريبيّاً، ولا مجرد تصميم هندسي لآلة علميّة. بالاختصار، يمثّل «دبليو 7- إكس» اللحظة الراهنة في التحوّل من الحصول على الطاقة الكهربائيّة التي تمثّل ما يتراوح بين ثلث ونصف إجمالي ما يستهلكه البشر من أنواع الطاقة كافة. بقول آخر، مفاعل «دبليو 7- إكس» هو «الآن وهنا» في الانتقال نحو المستقبل في الطاقة.
التباس في نجاح «اتّفاق باريس»
على عكس العتمة الإعلاميّة التي أحاطت بمفاعل «دبليو 7- إكس» عربيّاً، غرق مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 21» الذي استضافته فرنسا قبل أيام قليلة، في أضواء مبهرة أرادت غالباً إظهار «اتفاق باريس» التي توصّل إليها المؤتمر، بوصفها إنجازاً خارقاً. وعلى رغم أنّه يصح وصف «إتّفاقيّة باريس» بأنها إنجاز تاريخي، إلا أنّها لم تحمل حلاً فعليّاً لمعضلة التغيّر في المناخ التي يتخبّط فيها كوكب الأرض (أنظر «الحياة» في 13 كانون أول، 2015).
في الجانب المضيء فعليّاً، يسجّل لـ «اتفاقيّة باريس» أنّها انتصار علمي، إذ اختتمت نقاشاً ضاريّاً استمر عقوداً حول مسألة العلاقة بين نشاطات البشر وغازات التلوّث التي تصدر عنها من جهة، والزيادة غير الطبيعيّة في حرارة الكوكب الأزرق التي تقف في القلب من تغيّر المناخ المتصاعد مـــنذ الثورة الصناعيّة، في الجهة الثانية. يكفي القول إنه منذ «قمّة الأرض» التي استضافتها العاصمة القديمة للبرازيل ريو دي جينيرو، في العام 1992. وحينها، أحضر الرئيس الأميركي السابق جورج وولكر بوش، خبراء عرضوا نماذج محاكاة افتراضيّة «تثبت» أن ظاهرة الارتفاع في حرارة الأرض غير موجودة كليّاً!
لم يكن أمراً غريباً على رئيس آتٍ من الحزب الجمهوري، بل من أوساط وطيدة الصلة بصناعة البترول في أميركا، دأبت على التنكّر للدلائل العلميّة عن تفاقم الاحتباس الحراري ان يفعل ما قام به. ومنذ ذلك الوقت، استمر النقاش حاراً وحاداً في الولايات المتحدة.
حرارة تستعصي على الحل
في 2015، سعى أعضاء جمهوريّون غالبيّتهم من جناح «حزب الشاي»، في الكونغرس إلى تمرير قانون يعتبر أن علوم الأرض ليست...علوماً. ولم يوفق أولئك المشرّعون في مسعاهم الذي أثار حفيظة المجتمع العلمي الأميركي، إلى حدّ أن «الجمعية الأميركيّة لتقدّم العلوم»، وهي إحدى أبرز التجمّعات العلميّة في الولايات المتحدّة، خاضت حملة علنيّة ضد ذلك التحرّك، شملت جمع تواقيع علماء أميركيّين بارزين.
وفي ظل تلك الصورة، يسجّل لـ «اتفاقيّة باريس» أنّها حسمت علميّاً مسألة العلاقة بين نشاطات البشر واضطراب المناخ، ما مهّد لإقرار اتفاقيّة تترجم ذلك الحسم عبر تبنيها خفوضات قويّة في انبعاث غازات التلوّث الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم حجري)، وهي المسبّب الأســاس لتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
في المقابل، لم يصل الأمر إلى حدّ الالتزام بخفض يلجم تلك الظاهرة عند حدود 1.5 درجة مئويّة عند نهاية القرن الجاري، وفق ما طالبت به تجمّعات علميّة، وجمعيات البيئة ودول كثيرة من بينها جزر مهددة بالغرق كليّاً في المحيطين الهادئ والهندي. وترك ذلك الأمر إحساساً بالإحباط لأنه حتى تحقيق هدف الـ 1.5 درجة مئويّة ليس كافياً أصلاً. إذ تعيش الأرض حاضراً في ظل ارتفاع غير طبيعي في حرارتها، بسبب ما تراكم من غازات التلوّث منذ الثورة الصناعيّة. وإلى الآن، لم يوضع حل من أي نوع لتلك الزيادة، التي يجري السعي إلى عدم إضافة مزيد من الارتفاع في الحرارة إليها. بقول أشد وضوحاً، حتى لو توقّفت كل انبعاثات غازات التلوّث، تبقى الأرض تعاني الارتفاع في الحرارة الذي تراكم فعليّاً منذ الثورة الصناعيّة في الغرب.
هل يكون مفاعل الانصهار النووي الألماني «دبليو 7- إكس»، هو الحل فعليّاً، أو بدايته على الأقل؟ سؤال ربما لا يطول انتظار إجابته.
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد