الأزهر يناقش فتوى توريث جمال مبارك
فيما يعد اتجاها لرفض فتوى توريث الحكم في مصر لجمال مبارك نجل رئيس الجمهورية قال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر إنه تقرر تحويلها إلى مجمع البحوث الإسلامية، لاتخاذ موقف منها وبيان الرأي الصحيح حيالها، مؤكدا أنها تخالف الواقع الإسلامي وصادرة من جهة غير متخصصة في الفتاوى.
وأشار إلى أن اللجنة تلقت استفسارا من بعض المواطنين حول مدى صحة هذه الفتوى وأسانيدها الفقهية متضمنا كامل النص المنسوب لرئيس جمعية أنصار السنة بمحافظة دمنهور (شمال القاهرة) الشيخ محمود لطفي عامر.
وأضاف: نظرا لأن الشيخ عامر اعتبر ما أفتى به يعبر عن وجهة نظر السلفيين، رأينا تحويلها لمجمع البحوث الإسلامية الذي يمثل المذاهب الإسلامية المختلفة، وحتى يأتي الأمر في إطار بحث فقهي متكامل.
من جهته قال الشيخ ماهر حداد مدير عام شؤون مجلس المجمع ولجانه إنه تم بالفعل إدراج الفتوى في جدول الأعمال ومناقشتها في التاسع من ابريل القادم.
وأكد رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث د.عبدالفتاح الشيخ ان من حق جمال مبارك الترشح للانتخابات الرئاسية مثل غيره ولا يمنع عنه ذلك كونه نجلا لرئيس الجمهورية، لكن ذلك يتم في إطار الاختيار الشعبي الحر في إطار منافسة شريفة لاختيار أفضل المرشحين.
وكان الشيخ محمود لطفي عامر رئيس جماعة أنصار السنة بدمنهور المعروفة بانتمائها للتيار السلفي، قال إن كلامه ينصب على موقف السلفيين من قضية التوريث التي لا تزال تشغل الرأي العام المصري رغم حسم الدستور لقضية تولي الحكم.
وانتقد من يثيرون الناس على مسألة توريث جمال مبارك الحكم قائلا إنه "لا يوجد نص دستوري يمنع جمال مبارك بعينه من تولي الحكم باعتباره مواطنا مصريا توافرت فيه الشروط الدستورية".
وأضاف "ان ورث مبارك ابنه فقد ورث من هو خير منه قبل ذلك ولم يعترض الصحابة على معاوية كاتب الوحي، فماذا تقولون ولماذا تعترضون".
وأثارت الفتوى ضجة كبيرة في الأوساط الدينية ما بين رافض ومؤيد. خاصة استناده على أن الصحابة في عهد معاوية لم يعترضوا على تولي ابنه الخلافة من بعده، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر الصديق لإمامة الناس في الصلاة قبل وفاته وفي ذلك إشارة وتلميحا بتوليه الخلافة من بعده.
ومجمع البحوث الإسلامية هو أعلى هيئة فقهية في الأزهر وفي مصر وتحال إليها القضايا الهامة التي تثير جدلا دينيا واجتماعيا، وهو بمثابة هيئة لكبار العلماء من مصر والعالم الإسلامي.
وأوضح الشيخ الأطرش أن السبب الرئيسي في عرض الفتوى على المجمع هو بيان الرأي الصحيح للناس بعد اللغط الذي أثارته، خصوصا أن جماعة أنصار السنة ليست جهة فتوى يعتد بها، كما أن مضمونها يتناقض مع وقائع التاريخ الإسلامي التي استشهدت به لإجازة التوريث.
وتابع: رغم أن الرسول قدم أبا بكر لإمامة الناس في الصلاة إلا أنه بعد وفاته، حدثت خلافات حول ترشيح ابي بكر للخلافة، وكان هناك من يرفض مبايعته وحدث جدل كبير حتى تقدم عمر بن الخطاب وبايع ابا بكر على الخلافة، وهذا يؤكد أن الأمر شورى فى الإسلام وليست به قاعدة فقهية تجيز التوريث أو تمنعه.
واستطرد الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأزهرية أنه لو كان هناك توريث لقدم ابا بكر ابنه للخلافة ولكن هذا لم يحدث. وقبل أن يتوفى رشح عمر بن الخطاب ولم يفرضه فرضا على جموع المسلمين، بل اختاره الناس طواعية وبايعوه وبعد أن توفى عمر بن الخطاب رشح ستة من الصحابة رضوان الله عليهم على أن يتم اختيار واحد من بينهم.
وأرجع ذلك إلى اتساع الدولة الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى تأكيدا لمبدأ التعددية حسب الظروف وتغيرات الزمان والمكان، وأن الإسلام يفضل المنافسة الشريفة لاختيار الأفضل بين المرشحين.
وأضاف الشيخ عبد الحميد الأطرش: لو كان هناك توريث لنظام الحكم في الإسلام لولى عمر بن الخطاب ابنه لكن هذا لم يحدث، وقال "يكفى بها واحدا من آل خطاب" وذلك لإدراكه لمدى خطورة ومسؤولية الولاية وكونها حملا ثقيلا تنوء به الجبال.
واستطرد قائلا: نفهم من تلك الأحداث أن الإسلام يحرص على أن يكون الحاكم بالاختيار الحر المباشر، وهذا هو جوهر الديمقراطية فى الإسلام، والدليل أنه حينما خرج الرسول فى غزوة بدر سأله الصحابة عن مكان التمركز، هل وحي من عند الله أم الرأي والمشورة، فقال الرسول بل الرأي والمشورة فكان اختيار آبار بدر للسيطرة على مكان شرب المياه، مما يؤكد أن أمور الدنيا تتسع للرأي والمشورة.
من جهته قال د.عبدالفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية إن فرض ولي الأمر ممنوع فى الإسلام، بل لابد أن يكون بالاختيار سواء كان المرشح ابنا لولي الأمر أو ليس كذلك، ويجب أن يعرض الأمر على الشعب.
وأضاف: في نفس الوقت لابد أن تكون هناك حرية في الاختيار فلا يجوز أن يتولى أحد الولاية بقوة السلطان فلم يرد ذلك في صدر الإسلام فلا أبا بكر وعمر وأي من الخلفاء فرض أحد أبنائه على المسلمين ولم يفرض أيضا الخلفاء الأربعة على المسلمين، بل كانت هناك بيعة لهم، أي الرضاء بالحاكم، ولو كان الفرض بقوة السلطان جائزا لأمر الرسول صراحة بتولي أبي بكر الخلافة من بعده.
وأكد د.الشيخ أن ولاية معاوية لابنه من بعده فلم تكن محل إجماع من المسلمين حتى نستند على ذلك بجواز توريث الحكم، بل كانت هناك معارضة شديدة لهذا الأمر مما يؤكد حقيقة الشورى والديمقراطية التي يتمتع بها الإسلام قبل النظم الحديثة.
وقال إن هناك فرقا بين التوريث بمعنى أن يفرض السلطان أحدا من أبنائه بالقوة وبين أن يأتي هذا الابن عن طريق الاختيار الحر المباشر من بين عدد من المرشحين، فهذا المرشح أو هذا الابن ليس ذنبه أنه نجل ولي الأمر، ولهذا يجب أن نجرد المسألة وننظر إليها بشكل واقعي فالعبرة في الإسلام هي كيفية وصول الابن إلى الولاية.
ومضى قائلا: القاعد أن فرض الحاكم ممنوع في الإسلام، أما إذا جاء هذا الابن بطريق الانتخاب فهذا ليس توريثا والحكم هنا للشعب وإرادتهم، ولكن في نفس الوقت يجب أن تتوفر في هذا المرشح شروط الولاية في الإسلام، وأن يكون جديرا بها، ويجب أن تتوفر كامل الحرية للشعب في اختياره وأن يقول الناس كلمتهم بكل شفافية، وأن تتوفر لهم الضمانات الكافية دون تدخل من قوة السلطان أو الحاكم.
مصطفى سليمان
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد