الأزمة التونسية تراوح مكانها و«النهضة» تقترح «توسيع» الحكومة
وسط حداد عام عاشته تونس بالأمس على أرواح شهداء الجيش الثمانية الذين سقطوا عند الحدود الجزائرية إثر تعرضهم لهجوم «إرهابي»، وصلت الأزمة بين فئات المعارضة والائتلاف الحاكم، وتحديداً «حركة النهضة»، إلى مفترق طرق ستُحدَدُ عبره في الساعات المقبلة طبيعة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة.
ففي حين لم يكن من المفاجئ إعلان «النهضة» قبولها بإجراء تعديل وزاري لتوسيع الحكومة، برز إعلان «الاتحاد العام التونسي للشغل» لمبادرة تدعو إلى حل الحكومة الحالية وتشكيل أخرى مكونة من الكفاءات، فيما استمرت أطراف المعارضة الرئيسية بالدعوة إلى حل «المجلس التأسيسي» و«إلغاء المنظومة الناتجة عن انتخابات (شهر تشرين الأول العام) 2011»، وفق ما أعلن القيادي المعارض حمة الهمامي.
وأعلنت «حركة النهضة» استعدادها لـ«توسيع القاعدة السياسية للحكم» في تونس للخروج من الأزمة السياسية، مؤكدة رفضها ما اعتبرته «استغلال الجريمة (اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي) للانقلاب على الشرعية».
وأعلنت «النهضة» في بيان مشترك صدر عنها وعن 17 قوة سياسية، «نؤكد على أهمية التوافق وضرورة الحوار في نطاق التمسك بأهداف الثورة وبأسس الدولة الديموقراطية والمدنية وضرورة توسيع القاعدة السياسية للحكم»، مضيفة «ندعو إلى بناء ائتلاف وطني واسع لاستكمال إنجاز أهداف الثورة ومهام مرحلة الانتقال الديموقراطي».
وتابعت «نتمسك بالمجلس الوطني التأسيسي كأساس للشرعية الناتجة عن الانتخابات المعبرة عن الإرادة العامة والحرة للشعب»، مضيفة «ندعو المجلس الوطني التأسيسي إلى الإسراع بالمصادقة على الدستور والقانون الانتخابي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب الآجال».
كما أعلنت رفضها «جرّ البلاد إلى العنف ومخططات تعطيل إنجاز مهام المرحلة الانتقالية كما نرفض استغلال الجريمة للانقلاب على الشرعية».
وفي وقت لاحق، جدّد رئيس الحكومة علي العريض رفضه حلّ الحكومة و«المجلس التأسيسي»، مقترحاً توسيع الحكومة الحالية. وقال في تصريح للتلفزيون الرسمي «لا نريد أن تتوقف الحكومة عن العمل ... واقترح توسيعها».
من جانبه، دعا «حزب التكتل»، الذي يرأسه رئيس «المجلس الوطني التأسيسي» مصطفى بن جعفر، إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية». وأعلن الحزب في بيان أن «الوحدة الوطنية واجب على جميع أبناء الشعب التونسي من كل الاتجاهات السياسية. ندعو جميع الأحزاب والمنظمات إلى تحمل مسؤولياتها حيال الشعب التونسي والى تشكيل حكومة وحدة وطنية».
وكان لافتاً في هذا السياق دعوة وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، وهو مستقل، إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية». وأضاف في حديث صحافي إنه فكر مع مسؤولين كبار في الوزارة في الاستقالة، لكنه أجل ذلك الى حين تشكيل حكومة تضم كل الأحزاب التي رأى أن عليها أن تترفع عن «أنانيتها» بهدف «رفع التحديات (الأمنية) ومقاومة الإرهاب».
بدوره، أطلق «الاتحاد العام التونسي للشغل»، الذي يضم حوالى 500 الف منتسب وهو طرف له تأثير كبير في الحياة السياسية التونسية، مبادرة بعد اجتماع عام له.
وجاء في المبادرة «حلّ الحكومة الحالية والتوافق على شخصية وطنية مستقلّة تكلّف بتشكيل حكومة كفاءات في غضون أسبوع على أن تكون محايدة ومحدودة العدد ...»، موضحاً أنّ من مهامها «تصريف الأعمال، إشاعة مناخ من الأمن والثقة والاطمئنان لدى المواطنين بما يمكّن من إجراء انتخابات شفّافة حرّة وفي ظروف عادية وملائمة»، داعياً أيضاً إلى «حلّ ما يسمى روابط حماية الثورة (المقربة من «النهضة») ومتابعة مَن اقترف منهم جرماً أو اعتداء، (إضافة إلى) تشكيل هيئة عليا مهمّتها مراجعة كلّ التعيينات في أجهزة الدولة والإدارة محلّياً وجهوياً (في المناطق) ومركزياً وعلى المستوى الديبلوماسي». وفي وقت لاحق، دعا الاتحاد إلى تظاهرات في تونس غداة مقتل العسكريين الثمانية.
وبدا بالأمس أنّ عدداً من أطراف المعارضة سيحاولون البناء على مبادرة «الاتحاد»، حيث عقد لقاء تشاوري بين المتحدث باسم «الجبهة الشعبية» حمة الهمامي والأمينة العامة لـ«الحزب الجمهوري» مي الجريبي ورئيس «حزب نداء تونس» رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي.
وقال الهمامي بعد اللقاء إنّ «هناك محاولات لتكوين جبهة إنقاذ وتمّ الاتفاق على ضرورة التعبئة الشعبية للاحتجاج سلمياً»، مشيراً إلى أن «الوحدة الوطنية لا يمكن ان تحققها الترويكا التي تتحمل تبعات ما آلت إليه الأوضاع في البلاد على كل المستويات».
وأكد الهمامي أن «هناك مساعي بين الأطراف السياسية على ضرورة البحث عن صيغة توافقية تنهي هذه المرحلة من الحكم»، مؤكداً «اتفاق كافة الأطراف المشاركة على إلغاء المنظومة الناتجة عن انتخابات (شهر تشرين الأول العام) 2011 وحل المجلس التأسيسي والحكومة».
بدورهم، أصدر النواب المنسحبون من «التأسيسي»، وعددهم أكثر من 60، بياناً نددوا فيه بما ورد في الخطاب الأخير لرئيس الحكومة علي العريض «من تخوين للمعارضة ووصفها بالأنانية والانتهازية»، مضيفين «نجدد تمسكنا بالمسار النضالي الذي أعلنَا عنه في بياننا الأول المؤرخ في 25 تموز 2013 كما نؤكد اعتصامنا السلمي حتى تحقيق مطالب الشعب في حل المجلس الوطني التأسيسي وإقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني».
في غضون ذلك، شيّعت تونس بالأمس الجنود الثمانية الذين قضوا عند الحدود الجزائرية في مراسم تأبين رسمية حضرها رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي.
وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير إعلامية أن المسلحين «ذبحوا» بعض الجنود مباشرة بعد قتلهم وسرقوا أسلحتهم وبزاتهم العسكرية، بينما أعلنت وزارة الدفاع في بيان أن «دورية عسكرية تعرضت في حدود الساعة السادسة والنصف من مساء الاثنين (الخامسة والنصف بتوقيت غرينتش) إلى كمين في منطقة التل في محمية الشعانبي أسفر عن استشهاد 8 عسكريين». وأضافت إن «سيارة عسكرية كانت متجهة للدورية العسكرية لدعمها تعرضت بدورها الى انفجار لغم ارضي تسبب في جرح 3 عسكريين آخرين».
ووسط هذه الأجواء، تواصل تنظيم احتجاجات، مناهضة للحكومة ومؤيدة لها في عدد من المناطق، فيما سجلت أبرز الاحتجاجات المنظمة ليلاً أمام «المجلس التأسيسي» في العاصمة التونسية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد