اقتصاد العالم في 2007
تشير كل الارقام والمؤشرات الى ان عام2007 كان انتقاليا مضطربا، اذ بدأت كل المشاكل التي تضمنتها فترة النمو المضطرد منذ مطلع القرن في التفاقم تمسك بخناق الاقتصادات الرئيسية في الغرب لتحد من النمو وتفجر ازمات.
في الوقت نفسه واصلت الاقتصادات الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند، النمو بمعدلات استثنائية تصل الى حد يقرب من الغليان كما في الصين.
- من ملامح عام 2007 اقتصاديا الفورة الكبيرة في سوق صناعة الطيران، وعادت شركة ايرباص الاوروبية لتحتل مكانتها الاولى في المبيعات، التي سلبتها اياها لمرة منافستها الامريكية بوينغ.
في المقابل تراجعت صناعة السيارات الامريكية تماما امام الشركات الآسيوية والاوروبية بعد سنوات من تراجع المبيعات والخسائر.
وربما كان اهم ملمح في حركة الاقتصاد العالمي في العام هو بروز اهمية القطاع الخدمي على حساب بقية قطاعات الاقتصاد التقليدية، وكان قطاع الخدمات المالية في بؤرة الضوء معظم السنة.
فالاسواق المالية شهدت تذبذبات واضحة، وان لم تتعرض لانهيارات كارثية وينتهي العام والقطاع المصرفي العالمي يعاني ازمة خانقة نتيجة الانكماش الائتماني الذي ادت اليه ازمة انهيار سوق العقارات الامريكية وما صاحبها من ازمة قروض عقارية رديئة.
ومع استمرار ارتفاع اسعار الطاقة، والسلع الاولية وغيرها، بدأ الناس في مختلف دول العالم يشعرون بضغط التضخم.
ومع ان الطبيعي في تلك الحالة ان تعمد البنوك المركزية الى رفع اسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، اضطرت تلك البنوك في غالبية الدول الصناعية الرئيسية الى خفض اسعار الفائدة لمساعدة الاقتصاد على استعادة الحيوية عن طريق تنشيط الاقتراض الاستثماري وللانفاق الاستهلاكي.
وان شذت الصين عن القاعدة فرفعت سعر الفائدة نقطة مئوية كاملة بنهاية العام، لتصل الى 14.5 في المئة، للحد من الغليان في اقتصادها سريع النمو ـ وتلك اكبر زيادة في سعر الفائدة في الصين في خمس سنوات.
وبنهاية العام ضخت البنوك المركزية في الدول الصناعية الكبرى عشرات المليارات من الدولارات في القطاع المصرفي لحل مشاكل السيولة، وهو اجراء تكرر منذ الصيف حين بدأت ازمة الانكماش الائتماني.
- من اهم تطورات الاقتصاد العالمي، وله علاقة بالعالم العربي ـ خاصة دول الخليج لنفطية، استمرار ارتفاع اسعار النفط.
وبدأت اسعار النفط تعاملات العام في حدود مستوى الخمسين دولارا للبرميل لتنهي العام وهي تحوم قرب مئة دولار للبرميل. وهكذا تضاعفت اسعار النفط تقريبا خلال 2007، لتسهم الى حد كبير في توفير فوائض نقدية هائلة للدول المصدرة للطاقة مثل روسيا ودول الخليج العربية.
واذا كان ارتباط العملات الخليجية بالدولار ادى الى تدهور القدرة الشرائية للاموال الخليجية فان حجم الفوائض النقدية سهل على تلك الدول تفادي الاثار السلبية لمشاكل الاقتصاد العالمي.
كما ادت الفوائض المالية تلك الى زيادة الاستثمارات الخارجية للدول النفطية عبر عمليات استحواذ وشراء صناديق حكومية لاصول وشركات وأسهم في الغرب وبقية العالم.
واثار ذلك مخاوف غربية من استثمارات الصناديق السيادية ـ اي التي تملكها دول او حكام دول ـ في اقتصاداته. وكان موضوع الصناديق السيادية القضية الرئيسية في اجتماعات الدول الصناعية السبع الكبرى في الخريف.
ولم تثر استثمارات تلك الصناديق أي مشكلة طوال سنوات عملها الطويلة، بل على العكس كانت في الاغلب عامل من عوامل زيادة نمو الناتج المحلي الاجمالي في الدول التي تعمل بها.
لكن دولا جديدة دخلت دائرة صناديق الثروة السيادية، بتخصيص جزء من فوائضها النقدية من ميزانها التجاري الايجابي الهائل ومدخراتها من العملات الاجنبية.
ومع انه يصعب تقدير اجمالي ما تديره صناديق الاستثمار السيادية تلك، تقدر وزارة الخزانة الامريكية والبنوك الاستثمارية العالمية الكبرى ما تديره تلك الصناديق بما بين 1.9 تريليون دولار و2.5 تريليون دولار.
ورغم حجم الاستثمارات، لا تبدو كبيرة بالمقارنة مع حجم الاقتصاد الامريكي البالغ 12 تريليون دولار، او حجم التداولات المالية المقومة بالدولار مثلا والتي تزيد عن 50 تريليون دولار، او قيمة التداولات المالية العالمية التي تصل الى 165 تريليون دولار.
بدات مشاكل الاقتصاد العالمي تحتد مع بداية هبوط السوق العقاري الامريكي بداية النصف الثاني من العام.
ونجم عنها انكشاف النظام المصرفي الامريكي والعالمي على مخاطر القروض العقارية الرديئة، اي الممنوحة دون ضمانات كافية ولمقترضين سيئي السجل الائتماني.
بدأت فقاعة العقار بنهاية القرن الماضي، وفي السنوات الست الاخيرة ارتفعت قيمة العقارات السكنية في الاقتصادات المتقدمة بنحو ثلاثة ارباع لتصل قيمته الى نحو 75 تريليون دولار، أي ما يزيد على الدخل القومي لتلك الدول في تلك الفترة.
- ومن اهم نتائج التحولات في توجهات الاستثمار، ودخول صناديق التحوط والصناديق الخاصة المغلقة والسيادية بكثافة في اسواق السلع، ان ارتفعت اسعار السلع الغذائية والمنتجات الغذائية.
وتضافر ذلك مع اسباب مناخية وعوامل تجارية ادت الى عودة الاهتمام بالزراعة والغذاء في العالم والتحسب لاحتمالات تعرض البشر لازمة ندرة غذائية. وكانت النتجة بالطبع ارتفاع اسعار الاغذية والمواد الزراعية.
وكانت هناك اسباب موسمية مؤقتة لارتفاع اسعار المنتجات الزراعية مثل الجفاف والامراض - كالاذن الزرقاء في الخنازير الصينية- او بسبب توجهات جديدة كصناعة الوقود الحيوي.
وادى الجفاف الى تراجع انتاج القمح في استراليا بنسبة 60 في المئة، وفي اوروبا ادت الفيضانات والامطار الغزيرة الى تراجع المحاصيل.
كما وصلت تجارة الاغذية العالمية الى مستويات غير مسبوقة، ما جعل المنتجين والموردين يرفعون الاسعار باستمرار.
ووصلت اسعار الحليب الى اعلى مستوى لها على الاطلاق، وزادت اسعار الذرة وفول الصويا عن اعلى معدلاتها في التسعينيات من القرن الماضي، وارتفعت اسعار الارز والبن الى اعلى مستوياتها في عشر سنوات وارتفعت اسعار اللحوم بنسبة تصل الى 50 في المئة في كثير من الدول.
وتجدر الاشارة الى انه مما يعقد مشكلة الدول في توفير الغذاء ان اهمية الغذاء في الانفاق الاجمالي للمستهلكين تتناسب عكسيا مع مستويات الدخل.
فعلى سبيل المثال يمثل الغذاء 60 في المئة من سلة الاستهلاك للسكان في افريقيا جنوب الصحراء، فيما لا يمثل اكثر من 30 في المئة في الصين و10 في المئة فقط في الولايات المتحدة، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
ويلقي المحللون في سوق السلع باللائمة على الولايات المتحدة واوروبا في الزيادة الحالية لاسعار الاغذية.
اذ ان اموال الدعم الهائلة التي قدمها الامريكيون والاوروبيون لمزارعيهم في العقود الاخيرة جعلت الاستثمار في الزراعة غير مربح للعديد من الدول الاخرى لصعوبة المنافسة في الاسواق. وهكذا فان تراجع الاستثمارات في الزراعة خارج اوروبا وامريكا يعود الآن ليؤذي المستهلكين في امريكا واوروبا في شكل ارتفاع اسعار المواد الغذائية ونقص الامدادات من المنتجات الزراعية.
وهكذا كانت امريكا واوروبا تصدران الانكماش الزراعي والان تصدران التضخم الزراعي.
- يتأهب كثيرون لعام 2008 بطئ النمو الاقتصادي العالمي، واذا استمرت ازمات القطاع المصرفي وتضافرت مع دائرة مضطردة من انهيارات القطاع العقاري في انحاء مختلفة من العالم ربما لا يقتصر الامر على تباطؤ النمو. فان لم يدخل الاقتصاد العالمي في ركود تام، يمكن ان يعاني لفترة طويلة مما يسمى الركود التضخمي.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد