احتدام الخلافات الفلسطينية وتنافس عربي على استغلالها
تعقدت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مجدداً، في أعقاب احتدام الخلافات بين حركتي حماس وفتح ووصولها إلى حد الاقتتال الدامي. وبرغم مسارعة الطرفين إلى تطويق مظاهر الاقتتال بعد سقوط تسعة شهداء وحوالى 130 جريحاً، فإن أساس المشكلة بقي على حاله.
وقتل ثلاثة فلسطينيين وأصيب 22 في اشتباكات بين حماس وفتح في رفح جنوبي غزة أمس، فيما انتقلت المناوشات الى الضفة الغربية حيث فرضت كتائب شهداء الأقصى تنفيذ إضراب عام، فيما علقت الحكومة العمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية، امس، احتجاجاً على مهاجمة المؤسسات الحكومية في الضفة. وأعلنت السلطة ان الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يدرس أكثر من خيار لإنهاء الأزمة بينها الدعوة لانتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة وحدة أو حكومة كفاءات، بينما جدّدت الحركة الإسلامية اتهام الأجهزة الأمنية بالسعي لتنفيذ
انقلاب على الحكومة والشرعية. (تفاصيل ص 14).
ومع اندفاع لجنة المتابعة الوطنية العليا إلى تشكيل لجنة خماسية لمراقبة الوضع وحل جذر الخلاف، يعتقد كثيرون أنه من الصعب إزالة الاحتقان القائم بين الطرفين قريباً، بل إن ثمة من يتوقع استئناف جولات القتال بين الطرفين بعدما تحطمت محرمات الدم الفلسطيني.
وتعود أسباب الخلاف، وفق مسؤولين فلسطينيين، إلى حقيقة وجود تيارين متطرفين داخل كل من فتح وحماس. ويرى التيار المتطرف داخل فتح أنه يمكن العودة إلى تسلم مقاليد الحكم بمفاقمة الأزمة الفلسطينية، المعيشية والسياسية، وإلقاء تبعاتها على حماس. وعارض هذا التيار الاتفاق المبدئي الذي توصّل إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) مع رئيس الحكومة إسماعيل هنية حول تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أما التيار المتطرف الآخر في حماس فإنه كان من البداية يرى أن لا ضرورة لحكومة وحدة وطنية وأن على حماس، التي فازت بالشرعية عبر صناديق الاقتراع، أن تحقق برنامجها، وأنها في هذا السبيل، وبحكم الغالبية المطلقة المتوفرة لها في المجلس التشريعي، تستطيع إنجاز ذلك من دون الحاجة للتحالف مع أحد. ولا يرى هذا التيار أن هناك مشكلة يمكن أن تواجه الفلسطينيين في العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية. فالتأييد الإسلامي الواسع للحكومة بقيادة حماس يشكل عنصر ردع قوياً في مواجهة الأنظمة العربية المحيطة، كما أن الشرعية الشعبية تلزم الأسرة الدولية بتقبل التعاطي مع هذه الحكومة في نهاية المطاف.
وجاء اشتداد الضغط الدولي على الحكومة الفلسطينية والذي تمثل في الاشتراطات التي وضعتها اللجنة الرباعية والإحساس بأن الحكومة على وشك السقوط، ليوتر الأجواء بشكل كبير. ولم تفلح التراجعات أو الليونة التي أبدتها حماس عند الاتفاق مع ابو مازن على وثيقة الوفاق الوطني وبعدها على محددات البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، لتغضب التيارين المتطرفين في الحركتين. واستخدم ذلك التيار في فتح نفوذه لتحريك الجياع في قطاعي الموظفين والأجهزة الأمنية ضد الحكومة، كما أن التيار المقابل في حماس استخدم نفوذه للتراجع عن جزء من الاتفاق المبدئي الموقع بشأن حكومة الوحدة.
ونجح الطرفان تقريباً في نقل الخلافات من مستواها السياسي المقبول إلى المستوى التصارعي المحتدم. وقفز الخلاف من التظاهر وتوجيه الاتهامات، إلى اقتحام مقار ومؤسسات والسعي لعرقلة عمل الأجهزة سواء التشريعية أو التنفيذية. ولم تكن المسافة طويلة بين الاحتقان وانفجار العنف بشكل مدروس في اغتيالات أو اختطافات، إلى انفجار العنف في الشارع.
وتؤمن حماس بأن فتح تضغط من أجل توتير الساحة خدمة لأغراض خارجية وبهدف إسقاط الحكومة، معتبرة أن الإضراب في الضفة الغربية، الناجح إلى حد ما بفضل التهديد، ضعيف في قطاع غزة بسبب كثافة تواجد حماس.
وأمام هذا الوضع نجح التيار المتطرف في حماس في دفع الأمور نحو اتخاذ قرار يقضي ب وقف هذه المهزلة و قطع دابر العبث . وترى حماس أن لا أحد يستطيع سلبها حقها في إحكام السيطرة على الأجهزة الأمنية التي غدت عنصر التحدي الأبرز لها في الشارع. ويرى أصحاب هذا الموقف في حماس أن لديهم جهازاً أمنياً قوياً، هو القوة التنفيذية، وهي قوة ضاربة ومتحفزة وتستطيع كسر الإضراب و تلقين العابثين درساً .
والأهم أن هذا التيار في حماس آمن أن المسألة برمّتها ليست معيشية وإنما هي سياسية بامتياز. فالتيار المقابل في فتح يريد عرقلة الحكومة وتخريب السلطة ومواصلة الضغط على الحكومة من أجل إسقاطها أو دفعها إلى التنازل.
و أنه من أجل تحقيق ذلك ومنع كل التباس، فإن فتاوى دينية وزعت على أفراد القوة التنفيذية تبين لهم جواز التصدي للعابثين وإطلاق النار دفاعاً عن النفس . وأشار مسؤولون فلسطينيون الى أن حماسة أفراد القوة التنفيذية لتنفيذ أمر التصدّي للعابثين كانت السبب وراء العدد المرتفع للشهداء والجرحى في الاشتباكات. بل إن قرار نشر القوة التنفيذية شكّل، في نظر العديد من القوى الوطنية، إعلان حرب على فتح ونقلاً للصراع إلى مستوى آخر. وهكذا أخذت فتح الأمر على أنه محاولة من حماس للسيطرة بالقوة المسلحة على الشارع.
وعلى ما يبدو فإن حماس شعرت بالخسارة عندما رأى الكثيرون، وليس فقط رجال فتح، هذا الرأي. فما إن توسعت الاشتباكات وامتدت إلى الضفة وسقط الشهداء والجرحى، حتى أحست بضرورة التوقف. وسارع العديد من قادتها المعتدلين إلى الاتصال بالرئاسة وبالعديد من الجهات التي يمكن أن تؤثر إيجاباً من أجل وقف الاشتباكات.
وفي هذا السياق، أدّى الوفد الأمني المصري المقيم في غزة دوراً فاعلاً من أجل وقف القتال. فبالإضافة الى الاتصال الهاتفي الذي أجراه مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان بهنية، طالباً العمل فوراً من أجل وقف القتال، اجتمع الوفد الأمني مع وزير الداخلية سعيد صيام واتفق معه على وجوب سحب القوة التنفيذية.
وقررت لجنة المتابعة الوطنية إرسال وفد للاجتماع بوزير الداخلية وإبلاغه أنها ترى في قراره نشر القوة التنفيذية أساس الخطأ. وقررت لجنة المتابعة تشكيل لجنة خماسية مكونة من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديموقراطية من أجل متابعة الموقف والسعي لإيجاد حلول لجذور المشكلة. غير أن تشكيل هذه اللجنة شكل في الأصل محاولة للالتفاف على قرار فتح بعدم قبول اللقاء مع حماس بعدما وصلت الصراعات بين الطرفين إلى هذا المستوى.
وبرغم أن إسرائيل شكلت طوال الوقت العامل الأساس في تعميق الاحتقان الداخلي، من خلال الحصار الذي تفرضه على الحكومة والشعب الفلسطينيين، فإنها بدت في لحظات الاقتتال بعيدة عن الصورة. ولولا تهديدات رئيس الأركان الإسرائيلي دان حلوتس باجتياح غزة لما اعتقد أحد أن القتال الدائر بين الفلسطينيين يجري على مقربة من الإسرائيليين وتحت أنظارهم.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد