إسرائيل تكتشف عقم تهديداتها: نحو جولة لاحقة
للوهلة الأولى، أظهرت إسرائيل ليلة السبت كما لو أنّها عثرت على المفتاح الذي يخرجها من الدائرة المغلقة في مقابل قطاع غزة. شنّت عشرات الهجمات داخل القطاع في أعقاب مقتل جندي صهيوني نتيجة عملية قنص نفذها مقاومون بالقرب من السياج. أوحت إسرائيل في حينه كما لو أنها اتخذت قراراً بشن هجوم متدحرج ضد فصائل المقاومة، خاصة أن تهديدات قادتها نافست أصوات الطائرات والصواريخ التي أمطرت بها القطاع، لكن بعد مضي ساعات عادت وانكفأت. هكذا تجد إسرائيل نفسها، مرة أخرى، أمام النتيجة نفسها: العودة إلى المعادلة السابقة.
تدرك إسرائيل أنها في الوقت الذي تسعى فيه إلى عدم التسبب بفتح جبهة مفتوحة مع القطاع، وجدت نفسها مضطرة للارتقاء في الاعتداء، بقدر، والسبب أن القضية تتجاوز مفاعيل مقتل جندي في الجيش. وترى تل أبيب أن المبادرة إلى قتل جندي على السياج مع القطاع، كشف عن محدودية فعالية الرسائل الردعية التي توالت عليها خلال الأسابيع الماضية. وأظهر أيضاً أن فصائل المقاومة مصممة على الدفاع عن شعبها ونفسها في مواجهة الاعتداءات، وهو ما سيساهم في تضييق خيارات إسرائيل.
مع ذلك، كلما فشلت إسرائيل في خياراتها، فإن ذلك يدفع إلى أن تكون الجولة التي تلي أشد من سابقتها، لكنها حتى الآن ستبقى مضبوطة بمجموعة اعتبارات ما زالت حاضرة في وعي وخلفية صنّاع القرار السياسي والأمني، وتلتقي جميعها حول ضرورة تجنّب أي مواجهة واسعة متدحرجة مع القطاع.من الواضح أن فصائل المقاومة مدركة تماماً للقيود التي تفرض نفسها على مؤسسة القرار الإسرائيلي التي لم تنجح في خلق انطباع مخالف من خلال رسائل التهويل والظهور كمن ينتظر لحظة القرار للانقضاض. ومن أبرز الرسائل التي سبقت الجولة الأخيرة، ما أدلى به وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الذي أخذ دور المحلل الذي يشرح كيف أن إسرائيل استنفدت محاولاتها وبات الجمهور ملتفاً حول خيار العمل العسكري الواسع، باعتبار أن المؤسسة السياسية قد جربت كل السبل البديلة، لكن هذه المحاولات فشلت. ومن الواضح أن حجم الجولة الأخيرة هَدَفَ أيضاً إلى محاولة تبديد التقدير السائد لدى الأطراف الفلسطينية بأن إسرائيل مردوعة عن توسيع نطاق العدوان، تجنباً لتدحرج لا تريده في هذه المرحلة. وحول ذلك، رأى رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يادلين، أن «حماس شخَّصت عدم رغبتنا في جولة إضافية في غزة»، مضيفاً أنها «شخصت تقريباً من طريق الصدفة التظاهرات والبالونات (الحارقة)، كما رأت أن إسرائيل مرتدعة جداً». ورأى أن «السؤال الاستراتيجي هو ماذا تريد دولة إسرائيل أن تنجز مقابل قطاع غزة؟».
مشكلة إسرائيل أنه ليس لديها أفق في مواجهة تصميم سكان قطاع غزة الذين يتمسكون بخيار المقاومة. وعلى هذه الخلفية، أكد رئيس الوزراء السابق، والمسؤول عن عدوان «الرصاص المسكوب»، إيهود أولمرت، أن «نتيجة عملية عسكرية (في غزة) ستكون عدداً كبيراً من الضحايا الإسرائيليين وأيضاً الفلسطينيين ومن بينهم مدنيون كثر... وفي نهاية عملية ستستمر شهراً أو شهرين، وسيطلق خلالها عدد لا يحصى من الصواريخ، سنعود بالضبط إلى الوضع الذي كنا فيه عشية العملية... لذلك فإنها لن تساعد ولن تغيّر ولن يكون لها تأثير ولن تفيد». واقترح أولمرت على القيادة السياسية «عدم التهديد بخطة، يعرف الطرف الثاني أنها غير عملية وأنه في نهاية المطاف نحن بأنفسنا سنتهرب من تنفيذها».
أيضاً، كشفت الجولة الأخيرة عن أن الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، حريصان على عدم الانجرار إلى عملية عسكرية. ولذلك امتنعت إسرائيل عن استهداف قياديين في «حماس» وفصائل المقاومة، وفي الوقت نفسه امتنعت الأخيرة عن إطلاق صواريخ باتجاه عمق الأراضي الإسرائيلية. وهو ما يوضح أن الطرفين أيضاً، يدركان الخطوط الحمراء لكل منهما، ويسعى كل منهما إلى عدم اختبار الآخر. وأتى مقتل الجندي ليذكر الجمهور الإسرائيلي بأن اتساع نطاق المواجهة ينطوي على خسائر مؤلمة، وأن الأمر لن يقتصر على ما تسببه الطائرات الورقية والبالونات الحارقة.
وفي هذا الإطار، كشف المعلق السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، أن هناك اجماعاً في المجلس الوزاري المصغر، باستثناء وزير الإسكان يؤاف غالانت: «لا أحد، ولا حتى نفتالي بينيت، مستعد لإرسال الجيش الإسرائيلي إلى داخل القطاع ودفن 70 جندياً بسبب الطائرات الورقية والبالونات الحارقة». وفي مؤشر على موقف الجمهور من هذا السيناريو، لفتت محللة الشبكات الاجتماعية في الشرق الأوسط، في معهد أبحاث الأمن القومي، أوريت برلوف، إلى أنها لاحظت أن كل التعليقات على موقف عضو المجلس الوزاري المصغر نفتالي بينيت المعروف بمواقفه المتطرفة ضد قطاع غزة، طالبت الوزير بـ«ألا تكون هناك عملية برية في القطاع، نعم للغارات الجوية، ولا لدخول بري»، مشيرة إلى أن «ناخبي بينيت ومتابعيه لا يريدون تصعيداً ولا حرباً في غزة».
في ضوء تكرار الجولات القتالية في الأسابيع الأخيرة، والقلق من دينامية التصعيد، ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن الأجهزة الأمنية ستوصي الحكومة بالتخفيف عن سكان القطاع، في محاولة لتعزيز وتطبيق التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين «حماس» وإسرائيل بوساطة مصرية. ومن المتوقع أن تعلن تل أبيب تسهيل دخول البضائع عبر معبر كرم أبو سالم وزيادة مساحة الصيد التي انخفضت بعد التصعيد الأخير في قطاع غزة. في السياق نفسه، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أنّ «إسرائيل لم يعد بإمكانها التهرب من سؤال نفسها عمّا تريد تحقيقه في القطاع، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وما إذا كانت مستعدة لأن تفعل من أجل ذلك». ورأت أن أحداث نهاية الأسبوع الماضي توضح أنه «لم يعد بالإمكان التهرب من مناقشة ذلك، وينبغي أن يكون ذلك في أقرب وقت».
علي حيدر
إضافة تعليق جديد