إسرائيل تحشد الكونغرس ضد الفلسطينيين: وقف المساعدات في حال اللجوء إلى «الجنائية»!
بدأت إسرائيل حملتها الدولية ضد السلطة الفلسطينية، وخصوصا في الولايات المتحدة، بقصد جباية أكبر ثمن ممكن منها جراء قرارها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وترمي إسرائيل أولا وقبل كل شيء للتأكد من معاقبة الكونغرس الأميركي للسلطة الفلسطينية، بتنفيذ البند في قانون المعونة الأميركية الذي يوقف هذه المعونة إذا تقدمت السلطة بدعاوى ضد إسرائيل أمام محاكم دولية، أو ساعدت في تقديم هذه الدعاوى.
ويبدو أن السلاح الأقوى بيد إسرائيل على هذا الصعيد هو استخدام اللوبي الصهيوني، الذي سارع أحد أبرز قادته دينيس روس، بالتنظير لوجوب الضغط على الفلسطينيين وتكبيدهم الثمن.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن حكومة بنيامين نتنياهو ستشرع في اتصالات مع الجهات المناصرة لإسرائيل في الكونغرس الأميركي، بهدف التأكد من فرض القانون الأميركي القاضي بأن كل توجه فلسطيني إلى المحكمة الدولية يقود إلى وقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين البالغة 400 مليون دولار سنوياً.
ويقضي قانون المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية بوقف هذه المساعدات إذا قدم الفلسطينيون دعاوى إلى المحكمة الدولية في لاهاي، كما أنه يحرم الرئيس الأميركي باراك أوباما من حق استخدام حق النقض (الفيتو) بهذا الشأن.
وتأمل إسرائيل من الكونغرس الأميركي الجديد، الذي سيلتئم خلال كانون الثاني الحالي، ويسيطر عليه الجمهوريون الموالون لإسرائيل والمعادون للفلسطينيين، تجسيد هذا الموقف. وأشارت «هآرتس» إلى قلق إدارة أوباما الشديد من عواقب وقف المساعدات الأميركية، التي قد تضع السلطة في أزمة مالية خطيرة لا تتمكن في ظلها من دفع رواتب عشرات ألوف الموظفين. وثمة تقديرات أميركية أنه رغم وعود بعض الدول العربية تعويض الفلسطينيين، إلا أن تجارب الماضي تثبت أن الأموال لا تصل، وليس هناك ما يمنع إصابة السلطة بالشلل الاقتصادي. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بيساكي ان واشنطن تعارض تجميد اسرائيل أكثر من 100 مليون دولار من الرسوم التي تجبى لمصلحة السلطة الفلسطينية، معتبرة ان هذا القرار «يؤجج التوترات».
غير أن المراسل السياسي للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي رافيف دروكر أشار إلى أن إسرائيل، خلافاً لما كان معمولاً به في الماضي، لن تستخدم في مساعيها ضد الفلسطينيين في الكونغرس اللوبي الصهيوني، بل ستختار قوى أخرى. وفي نظره لا ترى إسرائيل مصلحة لها في الوقوف صراحة على رأس الجبهة التي تطالب الكونغرس الأميركي بمعاقبة الفلسطينيين.
وأشار دروكر إلى أن إسرائيل ستستخدم منظمات حقوقية يمينية، مثل «شورات هدين»، لتقديم دعاوى ضد كبار رجالات السلطة الفلسطينية، كنوع من الرد على الدعاوى الفلسطينية. ومعروف أن نتنياهو بذل جهدا لإقناع قادة اليمين بتجنب الرد على الخطوة الفلسطينية بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
وقد انتقدت «هآرتس» في افتتاحيتها الإجراءات العقابية الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية بسبب توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأشارت إلى أن توجه الفلسطينيين إلى لاهاي «خطوة يائسة، يمكن تفهمها بعدما عملت إسرائيل على انهيار المفاوضات، عندما لم تلتزم بتعهداتها بإطلاق سراح الأسرى، فبقي أمام الفلسطينيين خياران في نضالهم ضد الاحتلال: القيام بأعمال عنف، أو التوجه إلى المجتمع الدولي، واختار (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس الخيار الثاني».
ولاحظت أن فعل الفلسطينيين هذا فعل غير عنيف يمكن لإسرائيل تقليص أثره، إذا قامت هي نفسها بالتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب. وعموما رأت أن تشدد نتنياهو ضد الفلسطينيين يأتي «لجني أصوات جديدة لحزبه، إذ ليس في إسرائيل خطوات أكثر شعبية من الإفراط في ظلم الفلسطينيين».
وكان لافتا مسارعة المبعوث الأميركي السابق للمنطقة ورئيس معهد السياسات اليهودية الأسبق دينيس روس للرد على الخطوة الفلسطينية في مقالة نشرتها في صحيفة «نيويورك تايمز».
ودعا روس الأسرة الدولية للتخلي عن عادة منح الفرص للفلسطينيين للاعتراض على كل مبادرة لحل النزاع. وأشار، في مقالته، إلى أنه أخبر ديبلوماسياً أوروبياً مؤيداً لقيام دولة فلسطينية أنه ينبغي إفهام الفلسطينيين أن عليهم الكف عن التمسك بالشكليات والتركيز على الجوهر. وأضاف في دفاع عن الإسرائيليين أنه منذ العام 2000 جرت ثلاث جولات مفاوضات جدية، أثمرت اقتراحات لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني: معايير كلينتون في العام 2000، واقتراح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود أولمرت في العام 2008، وجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العام 2014.
وحسب روس فإن الفلسطينيين كانوا يردون بالسلب، أو لا يردون أصلاً على كل اقتراح لحل المسائل الجوهرية، وذلك لأنهم «توصلوا إلى استنتاج، أن تكلفة قول نعم، أو حتى تقديم اقتراح مضاد يستدعي تنازلات فلسطينية، هو ببساطة باهظ التكلفة».
وواضح أن روس، الذي كان يعتبر صقراً ليكودياً في الإدارات الأميركية المتعاقبة وآخرها إدارة أوباما، استغل ضائقة إسرائيل الحالية في الحلبة الدولية ليقف إلى جانبها، متناسياً رفض حكومات اليمين الدائم لأي اقتراحات لمناقشة القضايا الجوهرية في النزاع، واستمرار إعلان الرفض المسبق لأي تسوية تنطوي على ترسيخ لحل الدولتين.
وليس مستبعداً أن مقالة روس هي المقدمة لحملة دعائية كبرى ترمي إلى إظهار الفلسطينيين كمعتدين على إسرائيل ورافضين لوجودها، وأن هذا أساس الصراع، وليس استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة ومنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد