إخفاقات العلوم في 2016 وأولها أوهام الخلايا الجذعية!
تراود بعض العقول صورة زاهية عن العلوم والتكنولوجيا وأنها تتقدم بخطى ثابتة في مسار دائم التصاعد. والأرجح أن تلك الصورة الزاهية يزعجها الحديث عن إخفاقات العلوم، بمعنى أن الإخفاق يبدو كأنه عكس التقدم والصعود. لكن، لا: ليس في العلم تناقض بين الإخفاق والفشل وبين النجاح والتقدّم. ولا يتعلّق الأمر بالإرادة والمثابرة والإصرار وحدهما، بل في قلب العلوم وعقليتها. بكلمات اخرى، الأرجح أن العلوم لا تسير إلا عبر النقد، بل المزيد منه باستمرار، حتى لو وصل الأمر إلى النقض والهدم. أكثر من ذلك، عندما يصل النقد في العلم إلى النقض، يكون ذلك بداية لأفق جديد. هناك مثل عن ذلك في الكتاب الشهير «بنية الثورات العلميّة» لمؤرخ العلوم توماس كون (1922- 1996)، وكذلك الأعمال الفكرية للمفكر كارل بوبر (1902- 1994) الذي أطلق خلاصة شهيرة تقول «الدين والأيديولوجيا مطلقان، لكن العلم ليس مطلقاً... ما لا يمكن نقضه وإثبات عدم صحته ليس علماً».
إذاً، في قلب التقدّم العلمي هناك النقد الذي يجعل العلم قادراً على تجديد ذاته، والتخلص من أسر الجمود، للوصول إلى آفاق تتجدّد باستمرار.
وشهد العام الماضي مجموعة من المواقف التي تصلح للتذكير بأن النقد هو في القلب من العلوم والتكنولوجيا، وبعضها أسقط أوهاماً شائعة تماماً، تشمل ما يلي:
> لا علاج بالخلايا الجذعيّة حتماً الآن! يجب قول ذلك بكل صرامة لأن هناك في العالم العربي من يروّج أوهاماً عن العلاج بالخلايا الجذعيّة. وتحصل بعض المستشفيات على أموال طائلة، لقاء بيعها ذلك الوهم للناس عبر حديثها عن الاحتفاظ بمشيمة المولود كي تكون مخزناً لعلاجات ما زالت طي الغيب. وأكثر من ذلك، يدرس «مكتب الغذاء والدواء» في الولايات المتحدة الانخراط في حملة صارمة حيال قرابة 500 مؤسّسة أميركيّة تروّج أوهام الخلايا الجذعيّة، بل ربما أغلقتها. ويتوقّع خبير بحوث الخلايا الجذعيّة الأميركي بول كنوبفلر حدوث ذلك في 2017، وهو لم يتردّد في وصف «عيادات» الخلايا الجذعيّة بأنها تحصد أرباحاً ضخمة لكنها لا تنفذ سوى اختبارات تحوّل البشر فئران مختبر في تجارب تفتقد إلى سند علمي!
> النبات الذي فشل في أن يكون مضيئاً. على رغم ضجة كبرى رافقت الإعلان عن تعديل جينات إحدى النباتات لتكون مضيئة، إلا أن ذلك لم يثبت فعليّاً. وجمعت الشركة التي أطلقت ذلك النبات «المضيء» قرابة مليوني دولار من الجمهور، بفضل حملة منسّقة على الإنترنت. وسرعان ما «انطفأ» ذلك الضوء الذي لم يكن موجوداً أصلاً، وصار من رموز الوعود الفاشلة.
> هذا البرنامج «لامع»، لكنه لا يحسّن ذكاء الدماغ. في السنوات القليلة الماضية، حاز برنامج «ليموزيتي» Lumosity الشبكي، شهرة واسعة كأداة لتحسين ذكاء من يتدرّب عليه. لنلاحظ أن اسم البرنامج مشتق من كلمة «لومينوس» التي تعني الالتماع، لكن مجموعة من المختصين بالعلوم الإدراكيّة راجعت نتائج مئات من الدراسات العلميّة عنه. وفي الخريف الماضي، أصدرت المجموعة نتائج بحوثها التي أفادت بأن «ليموزيتي» لا يجعل الدماغ إكثر ألمعيّة! وفرضت «لجنة التجارة الفيديراليّة» غرامة بـ 2 مليون دولار على شركة «ليموس لابس» Lumos Labs (مقرها سان فرانسيسكو) بعد إدانتها بالكذب في حملاتها الإعلانيّة التي روّجت لـ «ليموزيتي». هناك برامج مشابهة في بعض الدول العربيّة، هل ينهض من يدقّق فيها، ويفرز الحقائق عن الأوهام في شأنها؟
> من سمع بـ «تاي» Tay؟ ليس غريباً أنكّ لم تلحظ وجوده الذي لم يستمر سوى... يوم وحيد، إذ أطلقته شركة «مايكروسوفت» العملاقة في آذار (مارس) الماضي على موقع «تويتر»، واصفة إياه بأنه «برنامج مؤتمت يعمل بتقنية التعلّم الذاتي للكومبيوتر». وراهنت «مايكروسوفت» على أن محاورات «تاي» مع الناس عبر تغريدات «تويتر» سوف تكسبه ذكاءً متصاعداً، وقدرة على التفكير بمنطق العقل البشري. وفي أقل من يوم، «توصّل» ذلك البرنامج إلى خلاصات من نوع «هتلر كان على حق...» و «الحركة النسويّة يجب أن تحترق بنار جهنم»، إضافة إلى انغماسه الصريح في تطلّب المخدّرات والجنس وغيرهما. وبعد ذلك اليوم، أعلن اختصاصي الكومبيوتر بيتر لي، وهو رئيس قسم البحوث في «مايكروسوفت»، وقف عمل ذلك البرنامج المؤتمت، كما قدّم اعتذاراً عن تغريدات «تاي».
> الأخبار الكاذبة على «فايسبوك» ومجمل الـ «سوشال ميديا»، شكّلت إحدى الإخفاقات المدويّة للمعلوماتيّة.
> لم تنجح الساعة الذكيّة «آبل ووتش» في إقناع الجمهور بأنها بديل عملي للخليوي. وكذلك أوقفت «موتورولا» إنتاج ساعتها الذكيّة «موتو 360».
> لا إخفاق علمياً كان مدويّاً أكثر من بطارية «غلاكسي نوت 7» التي ثبتت قابليتها للاشتعال في يد مستخدمها. أوقفت «سامسونغ» انتاج ذلك الخليوي، وسحبت 2.5 مليون جهاز باعتها للجمهور.
> مزيج من الخداع والفشل، رافق اعتراف شركة «فولكسفاغن» الشهيرة بأنها برمجت سيّاراتها الكبيرة كي تخدع أدوات قياس مستوى الغازات المنبعثة من محركاتها. وانطلق ذلك الفشل في 2015، وجرجر نفسه عبر 2016، خصوصاً مع موافقة «فولكسفاغن» على دفع غرامة 14.7 بليون دولار للجهات الرسميّة في الولايات المتحدة.
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد