أين مؤيدي بوتفليقة؟!

06-03-2019

أين مؤيدي بوتفليقة؟!

من الجيش إلى السياسة، صعد نجم شاب جزائري عاش وترعرع في مدينة وجدة المغربية التي غادرها ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني. وما إن تحقق مراده في الإستقلال حتى تحول إلى الحكم المدني الذي لم يبقَ فيه طويلاً بسبب اتهامات فساد. لكن إصراره أوصله إلى أرفع مناصب الدولة، ليصبح عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للجمهورية.


وبعد عقود طويلة، لا يزال “الإصرار” سمة تلازمه أينما حل وكيفما وجد، حيث يشير معارضون إلى اعتلال صحة الرئيس الجزائري وعدم لياقته للنهوض بمهام ولاية خامسة، ترشح لها بالفعل، في 3 مارس/آذار 2019.
إستفزاز سياسي


لم يتأخر تحرك الشارع الجزائري والمعارضة على خلفية تقديم الرئيس بوتفليقة ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 18 إبريل/نيسان2019، مع لائحة تعهدات بعقد مؤتمر توافق وطني وتعديل الدستور وانتخابات رئاسية مبكرة بعد عام تضمن له خروجاً مشرفاً من السلطة.


فلم يكد مدير حملة بوتفليقة، عبد الغني زعلان، ينتهي من قراءة رسالة التعهدات المنسوبة للرئيس حتى كانت موجة من المسيرات الليلية تعم شوارع العاصمة وعدد من المدن الجزائرية بشكل عفوي ومن دون أية دعوات مسبقة. في غضون ذلك، كان المزيد من التصدع يضرب جبهة السلطة بالتوازي مع توجه مرشحين للرئاسة إلى الإنسحاب، فيما ينتظر خطاب قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، لمعرفة توجه المؤسسة العسكرية وإمكان تبدل موقفها من السلطة. في المقابل، تثار مخاوف من تحول في سياسات الشرطة مع المتظاهرين وتوجه نحو مزيد من التشدد معهم، وسط مؤشرات على ذلك.


وتتأرجح الجزائر في ظرف بالغ الخطورة، بين حراك 22 فبراير/شباط 2019، الشعبي المطالب بإنهاء حكم بوتفليقة، ومسار 18 إبريل/نيسان، وفيما يتعزز موقف الحراك الشعبي بمزيد من الدعم، يتجه معسكر بوتفليقة إلى التصدع أكثر وأكثر. ومع بداية تصعيد الموقف وانتقال الحراك إلى خطوة أخرى، قد تكون أفكار إعلان الإضراب العام، في حال لم يتم سحب ملف ترشح بوتفليقة قبل 13 مارس/آذار 2019  وإقرار حالة شغور في منصب رئيس الجمهورية، هي الأقرب إلى التنفيذ اليوم اذ يعتبر عدد من الناشطين بأن “الإستفزاز السياسي” الذي قامت به كتلة بوتفليقة بالإصرار على تقديم الترشيح، سيدفع الحراك الشعبي إلى رفع سقف المطالب السياسية، من رفض الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة ونهاية حكمه بحلول منتصف إبريل/نيسان 2019، إلى المطالبة بإنهاء حكم الرئيس الآن وإعلان حالة عجزه، والدخول في الإستحقاق الإنتخابي وتفعيل المادة 102 من الدستور التي تتيح نقل الصلاحيات الدستورية إلى رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، مدة 45 يوماً تستدعى بعدها انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً. وقال الناشط البارز في الحراك، عبد الوكيل بلام، إن رد فعل الشارع كانت عفوية، وإن كانت تحمل بعض المخاطر بالنسبة لنا كون المسيرات الليلية غير مضمونة ويمكن أن تنزلق وتنسف الحراك الشعبي من الأساس، وتوفر حجة تبحث عنها السلطة لتبرير تدخلها العنيف وإغلاق الشارع.


“إنتفاضة” المثقفين


قاطع الطلاب الجزائريون فصولهم الدراسية عازمين على المضي قدماً في أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة منذ سنوات، ونددوا بعرض من الرئيس بوتفليقة بعدم إكمال ولايته الجديدة إذا فاز في الانتخابات. هذا وقاطع الطلاب الدراسة بجامعة باب الزوار في العاصمة، وهي أكبر جامعات البلاد، كما تخلفوا عن الدراسة في العديد من جامعات المدينة، وشارك المئات في مظاهرات صغيرة في أنحاء الجزائر، مواصلين المسيرات والتجمعات الحاشدة المستمرة منذ نحو أسبوعين احتجاجاً على اعتزام بوتفليقة  الترشح لولاية خامسة.


كما أعلن وزير الزراعة الجزائري السابق، سيدي فروخي، استقالته من عضوية البرلمان وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في دلالة على الإستياء داخل النخبة الحاكمة، ولم يشر فروخي في بيانه إلى بوتفليقة لكنه اكتفى بالقول إن البلاد تمر بظروف وتغيرات استثنائية.


على صعيد آخر، تعيش أكبر نقابتين للعمال ورجال الأعمال في الجزائر على وقع تصدعات بسبب مواقفهما الداعمة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وشهد مقر “الاتحاد العام للعمال الجزائريين” أكبر نقابة في البلاد، احتجاج المئات من النقابيين بسبب موقف قيادة التنظيم الداعمة لترشح الرئيس. كما شهد منتدى رؤساء المؤسسات، أكبر نقابة لأرباب العمل في الجزائر، استقالات لمسؤولين بسبب مواقف التنظيم الداعمة للولاية الخامسة.


إضافة إلى ذلك، أعلن محامو محافظات شرقي الجزائر مقاطعة الجلسات القضائية إلى أجل غير مسمى، وجاء ذلك في بيان “منظمة المحامين الجزائريين” لمنطقة قسنطينة التي تضم أربع ولايات: قسنطينة وميلة وجيجل وسكيكدة، ذكر فيه “أنه نظراً للمرحلة الحاسمة التي تمر بها الجزائر، والتطورات الخطيرة بخرق الدستور وقوانين الجمهورية، فإن المنظمة تقول لا للولاية الخامسة لبوتفليقة.” كما دعا البيان المحامين في المحافظات الأربع لتنظيم وقفات احتجاجية أمام المجالس القضائية مرتدين الزي الرسمي المهني للمحامين.


جمهورية جديدة


تعهد الرئيس بوتفليقة، في رسالة ترشحه للانتخابات الرئاسية، بالمكوث في السلطة عام واحد في حال فوزه، قبل أن يجري انتخابات مبكرة لن يترشح فيها، لكنها ستضمن انتقالاً سلساً للسلطة، كما تعهد بتنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية، من شأنها إرساء أسيسة النظام الجديد الإصلاحي للدولة الوطنية الجزائرية، المنسجم كل الإنسجام مع تطلعات الشعب.


إضافة إلى ما سبق، تعهد بوتفليقة أيضاً بإعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الإستفتاء، ويكرس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجديد ووضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الإجتماعيين، إضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد.


وتابع قائلاً “إن الالتزامات التي أقطعها على نفسي أمامكم ستقودنا بطبيعة الحال إلى تعاقب سلس بين الأجيال، في جزائر متصالحة مع نفسها”، داعياً الجميع في هذه اللحظة إلى كتابة صفحة جديدة من تاريخنا، وإلى جعل من الموعد الإنتخابي “شهادة ميلاد” جمهورية جزائرية جديدة كما يتطلع إليها الشعب الجزائري.


في الكواليس


كما توقع الداعون إلى مظاهرات الجمعة، في الأول من مارس/آذار، جاءت تلك الموجة من الإحتجاجات أكثر عدداً وأوسع انتشاراً وأفضل تنظيماً من جمعة، 22 فبراير/شباط، في أجواء سلمية نسبياً، وخالية من العنف.


وبينما ينغمس الرأي العام في حماس منقطع النظير، يحاول المحللون فك شفرة ما يحدث: من هي هذه الجهة التي استطاعت أن تخرج مئات الآلاف من الجزائريين في معظم البلاد في وقت واحد؟ المعروف حتى الآن أن الدعوة انطلقت من وسائط التواصل الإجتماعي لكن من هي الجهة التي استغلت تلك الوسائط لإحداث هذا الحراك.


فيهذا الخصوص، يحاول المقربون من المحيط الرئاسي توجيه الأنظار نحو المخابرات السابقة، وهؤلاء عادة ما يتسمون بدقة في التنظيم، وعناصر المخابرات موجودة في كل مرفق من مرافق الحياة، لذا فإن تنحية الرأس في هذه الحالة فقط لا يعني موت الجسد. لكن المحيط الرئاسي نفسه يبدو وكأنه أصيب بالشلل، حتى أن مدير الحملة الإنتخابية للرئيس شكا من أن المحسوبين على الرئيس اعتراهم الخوف، والوزراء أخلوا مكاتبهم. ولم يظهر ملايين الأشخاص الذين قالوا إنهم سينزلون للتصويت لصالح بوتفليقة، وهم يشاهدون للأسبوع الثاني البلاد كلها تطالب برحيله.


التساؤل الآخر: ما هو سر التعامل السلمي لقوات الأمن مع المتظاهرين خاصة وأن الذين يتظاهرون، بحسب بعض المراقبين، ينتهكون القانون جهاراً نهاراً لوجود مرسوم رئاسي لا يمنع المظاهرات فقط بل حتى الوقفات؟ فمن أمر تلك القوات بترك المشاركين في المظاهرات وشأنهم؟


صحيح أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لكن ذلك حدث عندما اقترب المتظاهرون من القصر الرئاسي. وفي خضم هذا الغموض، بدأ الحديث عن أن النظام جهز بالفعل المرشح البديل.


لكن مقابل ذلك، يتخوف ناشطون من إمكانية لجوء السلطة إلى دفع الجيش والقوى الأمنية إلى مواجهة الشارع واستعمال العنف تحت أي مبرر كان، بحسب الناشط في الحراك سمير بلعربي، الذي قال إن تمسك السلطة بالولاية الخامسة يضع البلد على منعطف خطر، والخطورة تكمن في أن المجموعة المحيطة بالرئيس بوتفليقة متحللة أخلاقياً وسياسياً ولن تتوانى عن وضع مؤسسات الدولة التي تستخدمها في مواجهة مع الحراك الشعبي. وأضاف بلعربي إنه لا يمكن الآن لأي طرف سياسي أن يكون ضمن كتلة مسيرة وحراك 22 فبراير/شباط وفي الوقت نفسه منخرط في مسار 18 إبريل/نيسان، مشيراً الى ان “اللحظة التاريخية تستوجب عزل النظام السياسي”.




مركز سيتا ـ إعداد: يارا انبيعة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...