أوّل انخفاض في احتياطات النفط منذ 10 سنوات
بعد جولات من المشادّات الشفهيّة وانتقادات بين منظّمة الدول المصدّر للنفط «أوبك» وروسيا في شأن التوافق على خفض إنتاج الوقود الأحفوري، يبدو أنّ موسكو، ثاني أكبر مصدّر للنفط عالمياً، بدأت تغازل الكارتيل العالمي، مقترحة عقد اجتماع معه في تمّوز المقبل، وفقاً لنائب رئيس الوزراء إيغور سيتشين.
هذا الاقتراح يأتي بعدما انتقدت المنظّمة مواقف موسكو التي لوّحت بأنّها يمكن أن تخفض إنتاجها تماهياً مع «أوبك» للسيطرة على الموجة النزوليّة الدراماتيكيّة التي سيطرت على سوق النفط منذ وصول سعر البرميل إلى مستواه القياسي التاريخي في تمّوز الماضي عندما بلغ حوالى 150 دولاراً. ولكنّ السلطات الروسيّة لم تعدّل إنتاجها، وبقيت «أوبك» وحيدة في الساحة مع تراجع السعر بنسبة تفوق 70 في المئة خلال ستّة أشهر فقط.
والكارتيل لم يتمكّن من تعديل السوق، رغم إقرار خفوضات ضخمة في إنتاجه الذي يمثّل 40 في المئة من النفط المنتج عالمياً. فمنذ أيلول الماضي، أُقرّت خفوضات بواقع 4.2 ملايين برميل يومياً من أجل إنعاش الأسعار. ولكن تلك الإجراءات لم تفلح، وانتظر أعضاء المنظّمة بدء موجة التفاؤل في الأسواق والبورصات لكي يتحسّن سعر الوقود الأحفوري. وقد ارتفعت الأسعار بالفعل في الفترة الأخيرة لتسجّل أعلى المستويات منذ 8 أشهر، وتطمئن «أوبك» بهوامش واسعة.
وإحدى علامات الاطمئنان التي يمكن أن تعوّل عليها المنظّمة، خلال العام الجاري، هي التوقّعات الأخيرة لإدارة معلومات الطاقة الأميركيّة في شأن الطلب على الوقود الأحفوري.
فبعد أشهر من التراجع، وللمرّة الأولى منذ أيلول الماضي، قالت الإدارة إنّ الطلب على النفط سيرتفع بواقع 10 آلاف برميل يومياً في عام 2009. ومن المتوقّع الآن أن يبلغ الطلب على النفط 83.68 مليون برميل يومياً ارتفاعاً من 83.67 مليون برميل، وفقاً لتوقّعات أيّار الماضي. غير أنّ ذلك لا يعني بقاء ترجيح تراجع الطلب الإجمالي في عام 2009 بواقع 3 في المئة مقارنة بالمستوى المسجّل في عام 2008، الذي بلغ 85.43 مليون برميل.
وهذه التوقّعات تأتي فيما تفيد إدارة الرئيس باراك أوباما بأنّ بعض القطاعات الاقتصاديّة بدأ ينتعش، ما قد يظهر في البينات الاقتصاديّة التي ستسجّل في حزيران الجاري. وهذا الانتعاش يترافق مع انتعاش عالمي، وتحديداً من جانب الدول الأكثر استهلاكاً للنفط، مثل الصين. وهذه التطوّرات يُتوقّع أن تدعم الأسعار مستقبلياً مثلما دعمتها في الآونة الأخيرة حتّى تجاوز سعر برميل الخام الخفيف 71 دولاراً في بورصة نيويورك، أمس.
وكانت السعوديّة، المنتج الأكبر في «أوبك» والمصدّر الأكبر عالمياً، قد رأت الشهر الماضي أنّ الاقتصاد العالمي أصبح قادراً على تحمّل سعر برميل النفط عند 80 دولاراً. وهي فرضيّة دعمتها السوق بطبيعة الحال وترجيحات مؤسّسات ماليّة ومراكز أبحاث بينها مصرف «Goldman Sachs»، الذي قال في ورقة بحثيّة إنّ السعر سيرتفع إلى أكثر من 75 دولاراً في نهاية العام الجاري، وسيصل إلى 95 دولاراً في عام 2010.
لكن على هامش هذه التطوّرات الإيجابيّة بالنسبة إلى المنتجين، هناك معلومات جديدة تفيد بأنّ مخزونات النفط المؤكّدة تقلّصت للمرّة الأولى منذ 10 أعوام في عام 2008. عمليّة قادها الانكماش المسجّل في روسيا والنرويج والصين، بحسب تقرير نشرته شركة النفط البريطانيّة «BP Plc».
وعند نهاية العام الماضي، بلغت احتياطات النفط المؤكّدة عالمياً 1.258 تريليون برميل مقارنة بـ1.261 تريليون برميل في نهاية العام السابق، ما يعني أنّه وفقاً لأنماط الإنتاج والاستهلاك الحاليّة، يكفي النفط الموجود سكّان الأرض لـ42 عاماً.
وبقي مخزون النفط السعودي ثابتاً تقريباً عند 264.1 مليار برميل، فيما أضحت منطقة الشرق الأوسط بمجملها تحوي 754.1 مليار برميل انخفاضاً من 755 مليار برميل في العام الماضي. والرقم الجديد يمثّل حوالى 60 في المئة من الاحتياطات العالميّة.
وإذا احتُسب النفط الرملي الكندي الذي تصعب عمليّة استخراجه ما يجعلها غير اقتصاديّة حالياً، فإنّ الاحتياطات العالميّة المؤكّدة تصبح 1.409 تريليون برميل.
تجدر الإشارة إلى أنّ أياً من الشركات النفطيّة العملاقة لم تُحوّل الإنتاج إلى حقول مكتشفة جديدة خلال السنوات الست الماضية، بحسب تقرير أصدرته مؤسّسة «Sanford C Bernstein & Co» في نيسان الماضي. وهذا يعني تراجع الإنفاق الرأسمالي، وهو يتماهي مع نمط مماثل مسجّل على صعيد الشركات العامّة، وقد يؤدّي مستقبلاً إلى تضخّم حلقة ارتفاع الأسعار، وخصوصاً أنّ الوقود الأحفوري بدأ ينضب بنمط أسرع.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد