ألقاب «الباشا والبيك» تغزو المجتمع المصري
قبل حوالى 55 سنة، فرح غالبية المصريين بإلغاء ألقاب «باشا» و «بك» و «صاحب المقام الرفيع» وغيرها من الألقاب التي وضعت حداً فاصلاً بين «الناس إللي فوق» و «الناس إللي تحت».
ولأن «الناس إللي تحت» كانت الغالبية العظمى، فإنها اعتبرت ذلك الإلغاء نصراً مبيناً وأصرت عليه إصراراً كبيراً. ومع اقتصار المناداة بـ «يا باشا» على ما تبقى للـ «باشا» من خدم وحشم في داخل البيت، ظن كثيرون أن المصريين بالفعل أصبحوا سواء، وأن العلم والعمل هما ما يصنفان الإنسان. وما هي إلا سنوات حتى بدأت الألقاب تعود وذلك بمبادرة اجتماعية خالصة وهو ما يثير الكثير من علامات التعجب!
وخرجت هذه العودة من حيّز الظاهرة الفردية إلى العادة المتبعة لدى الغالبية العظمى، حتى بلغت أقصاها في هذه الآونة. إذ عاد «البك» و «الباشا» و «سعادة الباشا» و «هانم» وغيرها إلى سطح المجتمع بشكل لم يسبق له مثيل، وإن كان ذلك على أسس لا تمت بصلة إلى المستوى الاجتماعي، أو المادي، أو التعليمي.
أبرز مجالات عودة الباشا هو مجال الشرطة، فأي ضابط يلقب من غالبية المواطنين بـ «باشا» وذلك بغض النظر عن رتبته، وهو اللقب الذي بات الضباط أنفسهم ينادون به بعضهم البعض.
وبدءاً من التسعينات رسخت الأفلام المصرية هذه الظاهرة وأكدتها، من خلال المشاهد الخاصة بالتعامل مع ضباط الشرطة، إذ يتم تلقيبهم جميعاً بـ «باشا»، وهو اللقب الذي لم يعد يلقى استهجاناً من المواطنين أنفسهم بعدما أصبح عادياً. ولأن المساواة في الألقاب عدل، فإن هستيريا تبادل الألقاب انتشرت كالنار في الهشيم بين الجميع. وصار كل مواطن يتمتع بالحق الكامل في «تلقيب» نفسه وغيره بما يراه مناسباً من الألقاب.
ويبدأ التدرج الهرمي في الألقاب من كبار المسؤولين الذين ينعمون بتركيبة فريدة من الألقاب التي يتم سبغها عليهم طالما هم في السلطة، فقلما نجد وزيراً أو مسؤولاً كبيراً يخاطب بـ «الوزير» فلان، ولكنه يخاطب بمجموعة فريدة منها مثل: «السيد الأستاذ الدكتور الوزير»، أو «السيد الأستاذ المهندس الوزير» أو «معالي الأستاذ الدكتور» أو «سيادة الأستاذ الدكتور المهندس»، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تتبخر ولا يبقى منها سوى اللقب المكتسب من خلال الشهادة الجامعية، مثل المهندس أو الدكتور أو الكيميائي وذلك مع زوال المنصب.
وفي عدد من المجالات المهنية المهمة يحرص كثيرون على إضافة ألقاب قبل أسمائهم بحثاً عن مزيد من الأهمية أو المكانة، فأصبح هناك «الخبير» المالي و«المحلل» الســياسي و «المستشار» الاقتصادي والــسياحي والقانوني.
وكان عدد من القضاة المصريين جاهروا قبل نحو أربع سنوات بتضررهم مما سموه «فوضى الألقاب»، وكانوا يقصدون تحديداً فوضى استخدام لقب «مستشار» وميل البعض إلى إطلاق هذا اللقب على أنفسهم من دون سند علمي.
ويتدرج الهرم ليشمل بقية المواطنين، وصارت هناك قاعدة متعارف عليها في هذا الشأن تصنف المواطنين في فئتين رئيسيتين: فئة من لا تملك وفئة من تملك. وفي حال اضطرار الفئتين للتلاحم والتعامل مع بعضهما البعض، فإن أعضاء الفئة الأولى (من لا تملك) تخاطب الفئة الثانية (من تملك) بـ «باشا» أو «دكتور» أو «سعادة البيه» أو «ست هانم».
ويحدث ذلك أثناء مخاطبة حراس العقارات أو خدم السيارات (من يساعدون أصحاب السيارات لإيقاف سياراتهم) أو عمال النظافة أو عمال محطات الوقود، أصحاب السيارات وسكان العقارات الأنيقة، ومرتادي المطاعم الفاخرة.
وفي أسفل الهرم المواطنون البسطاء الذين يتبادلون في ما بينهم مجموعة من الألقاب غير معلومة السبب. فمثلاً سائقو سيارات الأجرة يلقبون بـ «باشمهندس»، وتنتشر كذلك ألقاب أخرى مثل «كابتن» و «زعيم» وغيرهما من الألقاب التي يطلقها المواطنون على بعضهم البعض، وإن كان هناك اتجاه إلى تلقيب من يضع نظارات طبية بـ «دكتور» أو «باشمهندس» في دلالة على أن وضع النظارات يعني كثرة عدد ساعات المذاكرة - سمة كليتي الطب والهندسة - التي تؤثر سلباً على قوة البصير.
الطريف أن النساء دخلن كذلك حلبة الألقاب، وإن كانت ألقابهن ما زالت محدودة بعض الشيء، فعلى رغم أن الغالبية العظمى من نساء وسيدات مصر إما «مدام» أو «آنسة» ، إلا أن لقب «أستاذة» بدأ يتسلل إلى الساحة، ومعه لقبا «دكتورة» و «باشمهندسة» لصاحبات النظارات الطبية.
وإذا كان الخديوي إسماعيل دفع نحو 32 ألف جنيه قبل ما يزيد على 140 سنة ليحصل على لقب «خديوي» من السلطان العثماني لشعوره بأن لقب «والي» لا يناسب موقعه وأهميته، فإن المطلوب في عام 2007 للحصول على لقب «باشا» سيارة مرسيدس وشقة وسيكاراً كوبياً، وربما «كرشاً صغيراً».
أمينة خيري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد