أشكنازي: لم نقتل فلسطينيين بدم بارد
في أول رد فعل على ما كشفته الصحف الإسرائيلية من حوارات الجنود عن جرائم الحرب التي اقترفوها في الحرب على غزة، قال رئيس الأركان الجنرال غابي أشكنازي إنه «لا يؤمن» بأن جنود الجيش «قتلوا مدنيين فلسطينيين بدم بارد». ويأتي رد أشكنازي بعد تأخر الجيش الإسرائيلي في التعليق على اعترافات جنود بجزء من الجرائم التي ارتكبوها، وتأكيدهم بأنهم كانوا ينفذون أوامر صدرت لهم من جهات أعلى.
وكسر أشكنازي حاجز الصمت حول قضايا جرائم الحرب في غزة. وقال لمجندين جدد في الجيش، أنه لا يصدق أن الجنود الإسرائيليين قتلوا مدنيين فلسطينيين بدم بارد. ومع ذلك، أقر بأن أموراً كهذه يمكن أن تحدث، ولهذا فإنها تخضع لتحقيق وفحص من جديد. ورغم أن الحرب انتهت منذ أكثر من شهرين، إلا أن التحقيقات التي أجراها الجيش لم تشر إلى ارتكاب جرائم حرب أو تقديم أحد للمحاكمة.
وكانت جهات حقوقية إسرائيلية قد طالبت الحكومة والجيش بالتشدد في التحقيقات من أجل الحيلولة دون ملاحقة دولية للمسؤولين الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب. وجاءت هذه المطالبات بعد تأكيد العديد من الجهات الدولية، وبينها منظمات تابعة للأمم المتحدة، ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب صريحة سواء باستهدافها المدنيين أو باستخدامها أسلحة محظورة دولياً.
ولهذا، قال أشكنازي «إننا ننتظر نتائج الفحص، لكن انطباعي هو أن الجيش الإسرائيلي تصرف بشكل أخلاقي وقيمي وإذا وقعت حالات كهذه فإنها معزولة». وأضاف في نوع من تبرئة الذمة «لقد بعثنا للفحص ما نشر في الأيام الأخيرة وبوسعي القول إن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وينبغي أن نتذكر أين عملنا، في مكان أحالت حماس فيه حياً سكنياً إلى ميدان قتال والمؤسسات العامة إلى مخازن أسلحة». ومع ذلك، قال إنه إذا تبين أن أفراداً تجاوزوا التعليمات، فإن القانون سيلاحقهم.
وكان نشر «حوارات الجنود» في «هآرتس» و«معاريف»، قد أثار ردود فعل متناقضة في الجيش وفي الرأي العام الإسرائيلي. ونقلت «هآرتس» عن ضباط يخدمون في مختلف الوحدات العسكرية، قولهم إن «كل من له عينين في رأسه، فهم أن أموراً كهذه حدثت في مجرى القتال في غزة». وقال أحد الضباط إن «متخرجي إعدادية رابين العسكرية وضعوا أمام وجوهنا مرآة غير لطيفة أبداً».
وشدد ضابط آخر على أن «هيئة الأركان تصرف النقاش الآن، بشكل متعمد، نحو التقارير التي وردت في الشهادات عن قتل أبرياء. فمن الأسهل لهم جداً البحث عن حبات التفاح المتعفنة». وأضاف الضابط «تثار هنا أسئلة أشد أساسية وعمقاً، فالأمر ليس أخلاقياً وحسب، وإنما هو مهني أيضاً. فأوصاف الجنود تظهر وجود مصاعب مهنية في المحاربة في منطقة معقدة كهذه. وإننا ببساطة لا نفعل الأمر بشكل جيد. وهذه ليست مشكلات تحل مع المدعي العسكري ومع كبير ضباط التربية».
وكرر أشكنازي تنصله من المسؤولية عن قتل المدنيين بإعلانه أنه تم توزيع منشورات قبل العملية، فضلاً عن إجراء اتصالات تحذيرية بحوالى 200 ألف بيت في غزة فضلاً عن إطلاق نيران تحذيرية. واعتبر أن إسرائيل «فعلت كل ما بالوسع فعله لتجنب المساس بالمدنيين غير الضالعين في القتال». لكن أشكنازي، الذي أمر برمي المناشير مطالباً المدنيين بترك بيوتهم، لم يخبر أحداً الى أين يمكن الذهاب، وأي المناطق آمنة في قطاع غزة.
ورغم التنصل الإسرائيلي من جرائم الحرب في غزة ومحاولة تحميل مسؤوليتها لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، فإن تقريراً للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بيّن الكثير من حالات الوحشية الإسرائيلية تجاه المدنيين، بل واستخدام أطفال كدروع بشرية. وقد اعتبرت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الدفاع عن حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، راديكا كومارسفامي، أن هذه الحالات تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. واتهمت الجنود الإسرائيليين بإطلاق النار على أطفال فلسطينيين، وهدم بيت على رأسي أم وطفلها، وقصف مبنى بعدما أمر المدنيين باللجوء إليه، واستخدام أطفال كدروع بـشرية خلال الحرب.
من جهته، دعا المقرر الخاص حول الوضع في الاراضي الفلسطينية ريتشارد فالك، الى فتح تحقيق حول الهجوم الاسرائيلي على غزة، مشدداً على وجود «أسباب تدفع الى الاستنتاج» بأنه يشكل «جريمة حرب على نطاق واسع». وطالب ايضاً بإجراء «تحقيق من قبل خبراء» لتحديد ما اذا كان الإسرائيليون قادرين خلال الهجوم ان يميزوا بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين، معتبراً «اذا لم يكن ذلك ممكناً، فإن الهجوم كان من الأصل غير قانوني ويشكل جريمة حرب على نطاق واسع».
ورأى فالك أن «لجوء» إسرائيل «الى القوة» لوقف إطلاق الصواريخ لم يكن «مبرراً من الناحية القانونية... بما ان هناك بدائل دبلوماسية متوفرة». وأشار الى ان وقف إطلاق النار شكل «الفترة الأكثر أماناً» لإسرائيل لجهة التهديدات التي يمثلها إطلاق الصواريخ من الاراضي الفلسطينية. وتابع «يبدو ان تعليق وقف إطلاق النار كان أساساً نتيجة خروقات اسرائيلية»، مضيفاً ان اسرائيل كانت مسؤولة عن 79 في المئة من حالات خرق وقف إطلاق النار في الفترة الممتدة بين العامين 2000 و2008.
وقد اتهمت الولايات المتحدة فالك بـ«الانحياز». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود «عبرنا مراراً عن قلقنا بشأن آراء المقرر الخاص حول هذا الموضوع... لقد توصلنا الى ان آراء المقرر ابعد ما تكون عن الموضوعية»، مضيفاً «نعتبر انها منحازة، وقلنا ذلك بشكل واضح».
وأقر وود بان الولايات المتحدة تدرك أنها لن تكون قادرة على منع قيام تحقيق. وأضاف «اما في حال كان لا بد من إجراء تحقيق من هذا النوع، فيجب الا يكون منحازاً، ولا بد ان يأخذ بالاعتبار الوضع على الأرض والحقائق».
كما أن منظمة «أطباء لحقوق الإنسان» نشرت يوم أمس تقريراً يتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب انتهاكات خطيرة للأخلاق الطبية. ويصف التقرير حالات منع إسعاف الجرحى أو إخلائهم وإطلاق نار على سيارات إسعاف ومنشآت طبية. وأشار التقرير إلى قتل الجيش الإسرائيلي لـ16 من رجال الإسعاف في غزة وإصابة 25 آخرين بجروح، فضلاً عن استهداف ثمانية مستشفيات و26 عيادة. ويبين التقرير 12 حالة أطلقت فيها المروحيات والدبابات قذائف على سيارات إسعاف وطواقم طبية.
وفي موازاة جرائم الحرب في غزة، تحدثت صحيفة «هآرتس» عن قمصان يرتديها عشرات الجنود الإسرائيليين، تسببت بحملة انتقادات جديدة داخل الجيش وخارجه. وكتب على أحد هذه القمصان التي حملت صورة امرأة محجبة حامل «طلقة واحدة تقتل اثنين»، فيما كتب على اخرى «كلما كانوا أصغر، كلما أصبح الأمر (قتلهم) أصعب»، وذلك قرب صورة طفل وضع خلف إشارة هدف.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد