أسواق دمشق من «الفلتان» إلى الاستقرار النسبي
ذكرت مصادر ضرورة وجود قرار حقيقي للحكومة بالعمل على حل مشكلة الأسعار التي بقيت أقوالاً وأحاديث اجتماعات، والانتقال الفعلي للعمل على خطين هامين عبر خلق منافذ تسويق مؤقتة ثابتة ومتحركة للسلع الأساسية المطلوبة خلال الأزمة الحالية، يمكن أن تصل إلى عشرات السلع، والتعاقد مع وكلاء من منافذ البيع بالمفرق تكون خاضعة لرقابة موظفي حماية المستهلك.
ورأى خبراء اقتصاديون أن أسواق دمشق تشهد هدوءاً على صعيد الأسعار وانخفاضاً تدريجياً لعدد من المواد الغذائية، مقارنة مع الفلتان الذي حصل مؤخراً، وذكروا أن سبب الانخفاض مرده الأساسي استقرار حاصل في سعر صرف الدولار عند 200 ليرة سورية، منوهين بضرورة المباشرة في تنفيذ ما تحدثت عنه الحكومة (وزارة التجارة الداخلية) بطرح قائمة من المواد المدعومة والعمل على التسعير الإداري وليس الاكتفاء بالتصريحات كما حصل حتى الآن.
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية أكد ضرورة تدخل الحكومة الفعلي في كسر احتكار عدد قليل من التجار للسلع الغذائية والضرورية ومواد البناء ومستلزمات العلف المستوردة، مضيفاً: إن الواقع الحالي يشير إلى عدم ارتفاع في الأسعار مقارنة مع ما قبل رمضان.
واعتبر فضلية أن «التسعير الإداري» صعب التحقيق ولا يمكن تنفيذه بنجاح إلا إذا كانت الجهة الحكومية هي التي تستورد أو مستعدة لتحمل فرق سعر التكلفة، أو إذا قدمت مدخلات الإنتاج للمنتج المحلي بسعر محدد يمكنها أن تفرض بعدها سعراً إدارياً للسلع النهائية ومعروفة السعر والمصدر.
وحسب فضلية، يمكن تطبيق التسعير في موضوع دعم الخبز عبر تقديم الدقيق والخميرة للأفران بسعر معلوم ومحدد ومدعوم وتفرض سعر المنتج النهائي، إلا أن تطبيق ذلك غير ممكن مثلاً للزيت النباتي في ظل وجود أنواع وأصناف متعددة المصادر، كذلك الأمر بالنسبة للحلويات العربية، مضيفاً: لا يمكن تطبيق التسعير إلا في حال استوردت الحكومة بضعة أصناف زيت، وتقدمه للخاص أو للمنافذ ومن ثم تفرض السعر للمستهلك، وأضاف:هناك خلط بين السعر الإداري عبر احتساب التكلفة وإضافة نسبة الربح، والمدعوم الذي تبيعه الحكومة بسعر أقل من الكلفة.
وفي سياق متصل، قال فضلية: إن عدد وانتشار صالات بيع الاستهلاكية والخزن غير كاف على الإطلاق، ويمكن للحكومة استيراد المواد وتوزيع 10% على صالاتها، ونسب معينة عن طريق موزعين بالقطاع الخاص، مضيفاً إنه من المجدي في كثير من الأحيان الشراء من خارج الصالة، حيث لا منافسة لدى صالات الاستهلاكية بالجودة ولا حتى بالسعر، كما ليس هناك مرونة، مؤكداً أن عدد منافذ البيع وما تم طرحه يشكل 1% فقط من المطلوب.
من جانبه قال الباحث الاقتصادي إياد أنيس محمد : يحتاج التسعير الإداري للسلع من الناحية العملية إلى منظومة رقابية متكاملة لا تتوافر للحكومة في هذا الوقت وضمن هذه الظروف من ناحية الأفراد ومن نظام المعلومات المترهل وبطء الإجراءات في التعامل الاقتصادي مع هذه الأزمة.
وأشار محمد إلى أن عملية تحرير الأسعار تمت على مدى أكثر من عشر سنوات حتى وصلت إلى تحرير ما يقرب من 95% من مجمل السلع، وترافق ذلك مع بناء عادات استهلاكية تطورت بشكل كبير، حيث كانت عملية التحرير حلاً مطلوباً للتلاعب الحاصل في عملية تسعير السلع المحلية والمستوردة من تزوير للوثائق والتكاليف وغيرها من المشاكل الإدارية في التطبيق.
وأضاف محمد: مع هذا التحرير تخلت الدولة عن أدوات التدخل الإيجابي الأساسية في مؤسساتها التي بقيت شكلاً، ولكن تحولت في المضمون إلى تاجر في السوق، فأغلقت كل المجمعات الاستهلاكية الكبيرة في المحافظات الرئيسية وعرض المنتج منها إلى الاستثمار الخاص لتتماشى مع سياسة البيع بالتجزئة وتم ترك التعاونيات الصغيرة لسماسرة القطاع الخاص مع الحفاظ على هامش ربح من المتاجرة والاستفادة من وفورات بيع الكمية، وكذلك تطوير نظام عمل صالات الخزن لتصبح تاجراً يتدخل ببعض السلع التي يتم شراؤها مركزياً وترك باقي المواد مثل باقي السوق.
وحسب محمد، أدى ذلك إلى إضعاف عملية التدخل الإيجابي المفترض أن تكون هي البديل الفعلي عن التسعير الإداري غير المجدي.
وأوضح الباحث محمد ضرورة إرسال فرق عمل متخصصة دائمة إلى إيران والصين والهند وروسيا وأوكرانيا وفنزويلا والبرازيل والدول التي تراها الحكومة مناسبة، حيث تقوم بشحن المواد بشكل مستمر بما يضمن عدم التوقف لضمان نجاح التسعير الإداري أو التدخل الإيجابي.
فادي بك الشريف
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد