أسواق العيد والأسعار الفلكية
فلتان الأسواق والاسعار, بات يشكل قاعدة أساسية ومألوفة مع قدوم الأعياد, والأمر الذي كان وما زال يثير حفيظة المستهلكين, أن التجار والمنتجين وباعة المتاجر يأخذون ومنذ زمن طويل بمفهوم البيع والشراء واستخدام أساليب التدليس المختلفة بدلاً من تجسيد الأبجديات الأولى لمفهوم التجارة, ومثل هذا التلاعب المستمر بالأسعار يدفع إلى فقدان ثقة المستهلك في وقت تتبارى فيه الشركات وأصحاب المنشآت الصناعية في العالم إلى كسب ما أمكن من الزبائن المحتملين للترويج لهذه السلعة أو تلك.
من يقصد أسواق الألبسة في مثل هذه الأيام, سوف يلحظ ودون أي عناء, أن أصنافاً لا حصر لها من الملابس تباع دون أن تحمل علامات تجارية تشير إلى مصدرها ولا حتى (الماركة) أو اسم الجهة المنتجة, والبعض إن لم نقل الغالبية من المنتجين لا تتردد في الصاق ماركة تدل على أن السلعة مهربة من أسواق دول غير عربية, وذلك بسبب يقينه المسبق بفقدان ثقة المستهلك ببعض السلع المنتجة محلياً.
والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه, يتمثل في تفاوت الأسعار لذات السلعة ومن ذات الجودة والمواصفة, فبنطال أو قميص أو جاكيت ولادي يمكن أن يحدد سعره وفقاً لمكانة المنطقة, ففي أسواق شهيرة مثل الصالحية والحمراء في دمشق يمكن أن يشتري المستهلك منتجاً بسعر يفوق قيمته الحقيقية.
في حين أن ذات السعلة ومن ذات الجهة المنتجة تعرض بسعر منخفض في أسواق أخرى يطلق عليها بالأسواق الشعبية, وغالباً ما تحيط هذه الأسواق بالمدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية, وفي مواجهة مثل هذا التباين في الأسعار, غالباً ما يلجأ أصحاب المتاجر إلى مبررات غير مقنعة ومتخمة بذرائع أقل ما يمكن وصفها بأنها مضللة للمستهلك من جهة وللجهات المعنية من جهة ثانية.
فإذا كان أصحاب المتاجر يتذرعون بالأجور المرتفعة التي يسددونها للعاملين في متاجرهم, وبارتفاع تكاليف المنتج من جانب الجهات المصنعة, فإن البعض الآخر لا يتوانى عن ترديد أسطوانة الضرائب المرتفعة التي لا يدفعون الحد الأدنى منها, إلى جانب فوايتر الكهرباء والماء وغيرها من النفقات التي لا يتعين أساساً الاتيان على ذكرها كونها مضللة أولاً ومتخمة بالمبالغة ثانياً.
ولعل الحقائق التي تثار اليوم وبكثافة في أسواق الألبسة ومن جانب الجهات المعنية في مراقبة ما ينتج محلياً, على أن الأمر الذي لم يعد يستوجب الصمت, يتمثل في المخالفات غير العادية من جهة الجودة والمواصفة.
ومن البدهي في مثل هذه الحالة أن تتراجع وتائر التصدير إلى الأسواق الخارجية, ففي بعض التقارير الصادرة عن جهات معنية في غرف الصناعة والتجارة, كانت قد أشارت إلى أن بعض الصفقات أو الكميات المصدرة من الألبسة كانت تعاد إلى بلد المنشأ أي لأصحابها في السوق المحلية نتيجة مخالفتها للمواصفات المتفق عليها مسبقاً.
وما نشهده اليوم من إقبال غير عادي على الألبسة الصينية أو أي منتج غير محلي وبأسعار مواصفة مرضية نسبياً, هو خير دليل أو برهان على فقدان الثقة ببعض ما ينتج عن السوق المحلية.
نعتقد أنه آن الأوان كي تقوم غرف الصناعة والتجارة بمكاشفة الصناعيين والسؤال حول الأسباب الفعلية التي أدت إلى تراجع الصناعة النسيجية, وأيضاً يتعين التوجه بالسؤال إلى جمعية حماية المستهلك حول الدور المنوط بها منذ الاعلان عن تأسيسها قبل سنوات.
فالغالبية من المستهلكين كانت وما زالت تعول كثيراً على هذه الجمعية, ولكن على ما يبدو أن هناك معوقات جوهرية ما زالت تمنع تفعيل دورها.
وإذا كانت هذه الجمعية تسعى فعلياً لحماية المستهلك من أساليب الغش والتدليس, فهي مطالبة وأكثر من أي وقت مضى من أجل نبش القضايا التي من شأنها وضع النقاط على الحروف وبشفافية عالية.
خاصة أن قانون حماية المستهلك الذي صدر قبل شهرين, من شأنه ضمان ملاحقة كافة الأطراف التي تلحق الأذى بالمستهلكين.
فبعض النقاط الواردة في القانون تقول وبالحرف الواحد: القانون يمكن المستهلك من حق التقاضي للتعويض عليه من الضرر الذي يصيبه, سواء من قبله أو عن طريق جمعية حماية المستهلك.
وفي مكان آخر من القانون, الدولة ستكفل حقوق المستهلك ومصالحه, وتصدر لذلك التشريعات القانونية التي تنظم النزاهة في المعاملات الاقتصادية.
وبمنأى عن قانون حماية المستهلك والدور المفترض للجمعية, فإن غرف الصناعة والتجارة, مطالبة وأكثر من أي وقت مضى, بتذكير الصناعيين بالمنافسة السلعية التي تزداد حضوراً واتساعاً مع انفتاح الأسواق العالمية, وأنه قد آن الأوان لإعادة النظر ليس فقط في أساليب البيع والشراء, وإنما السعي أيضاً إلى توفير جودة سلعية تنافس مثيلاتها في أسواق أخرى من العالم, فالمستقبل القريب يعد بكثير من التحولات الاقتصادية, خاصة بعد أن أعلنت الحكومة صراحة أن سياسة الحماية لغالبية السلع والمنتجات سوف تذهب إلى غير رجعة, والقوانين والتشريعات التي بدأت تسمح باستيراد بعض أصناف الألبسة, تعني ومن ضمن ما تعني, أن هناك المئات من المنشآت الصناعية مهددة بالإغلاق أو الإفلاس نتيجة عدم القدرة على الصمود بوجه المنافسة التي بدأت بشائرها الأولى تطل على أسواقنا.
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد