أسواق الخطف في بغداد
لم يكن أمام «أبو سرمد» خيار آخر غير بيع منزله الذي ورثه عن أبيه ليدفع 50 ألف دولار فدية عن ابنه الوحيد الذي خطف أثناء ذهابه الى مدرسته المتوسطة في بغداد, بعدما فضل عدم إبلاغ الشرطة عن الحادثة انصياعاً لتهديد الخاطفين, وإلا كان الثمن حياة سرمد. واضطر الأب بعد الحادثة الى تغيير محل إقامته ومغادرة الحي لئلا تتكرر المأساة.
ويروي سركون وهو مسيحي يسكن في حي الدورة كيف استطاع ان يفلت من خاطفيه بعد خمسة أيام من اختطافه من المنطقة حين اقنع احدهم خلسة بأنه سيعطيه مبلغاً ضخماً في حال ساعده على الهرب.
سركون لم يجد والده في البيت بعد تخلصه من خاطفيه وعلم بعد ذلك ان والده كان زبوناً يومياً في «دائرة الطب العدلي» المشرحة الرئيسة في بغداد، منذ اختطاف ولده مثلما تفعل بقية ذوي المختطفين الذين غالباً ما يعثرون على جثث أحبائهم في المشرحة بعد اختطافهم.
الخطف اليومي في العراق ظاهرة باتت واضحة للعيان وصارت عمليات الخطف نوعاً من التجارة التي تمارسها عصابات متخصصة في البلاد تعمل على بيع الضحايا الى الجماعات المسلحة او تقايضهم بمبالغ كبيرة مع ذويهم، فيما يقدم آخرون على قتل الضحية بعد الحصول على الفدية.
ومنذ دخول القوات الأميركية الى العراق شهدت هذه التجارة ازدهاراً كبيراً ووصلت الى مستويات خطيرة وانتشرت ظاهرة الخطف الجماعي بين طلبة المدارس والجامعات في عمليات ظل الكثير منها غامضاً حتى الآن.
وتتعدد أسباب الاختطاف في العراق وأكثر هذه العمليات انتشاراً هي تلك التي تقوم بها مجموعات مسلحة تختطف من اجل مكاسب مالية من خلال قيامها ببيع مخطوفيها الى جهات أخرى، أما الإفراج فيكون إما مقابل المال او من خلال توسط سياسيين أو رجال دين ومؤسسات دينية واجتماعية.
ويملك الطبيب جابر محمد (صاحب عيادة في منطقة بغداد الجديدة) الأسباب، ما يدعوه الى التفكير بالهجرة الى الخارج هو وعائلته، ويقول: «كنت اعمل في السابق حتى وقت متأخر من الليل، أما في الوقت الحاضر فإنني أخشى فتح عيادتي في النهار. فالمسلحون يقومون بالخطف ليلاً ونهاراً». ويذكر جابر بألم وحسرة مصير زملاء له تعرضوا للخطف والقتل.
الأمر نفسه حدث مع رانيا أثير التي تنتمي الى طائفة الصابئة، فقد تم اختطافها من وسط العاصمة بغداد بينما كانت تمشي في أحد شوارع منطقة المنصور، وبعد أسابيع من احتجازها اضطرت عائلتها الى دفع فدية (20 الف دولار) لتخليصها، فيما يعمل والدها الآن على إنجاز جوازات سفر العائلة للهروب الى الخارج ويقول: «لم يعد لنا مكان في العراق».
النقيب رحيم خالد المسؤول عن قسم المخطوفين في الشرطة العراقية يعتبر أن الضالعين في عمليات الخطف هم من السجناء الذين تم إطلاق سراحهم بعد الاحتلال الأميركي, والمسلحين وأعضاء الميليشيات المسلحة من الذين يمارسون أعمال الخطف لغايات طائفية، ويؤكد أن المال هو الدافع الأساسي لعمليات الاختطاف إضافة الى الدوافع السياسية للأطراف المختلفة.
لكن الشرطة العراقية تمتنع عن إعطاء أرقام دقيقة أو تقريبية لعمليات الاختطاف ومصير المختطفين لأنها ببساطة «لا تعرف» أرقاماً دقيقة، خصوصاً أن القسم الأكبر من أهالي المختطفين لا يبلغون الشرطة وانما يتوجهون الى رجال الدين والسياسيين بحثاً عن وساطات لإطلاق سراح أبنائهم ناهيك بأن معظم الجثث المجهولة الهوية التي يعثر عليها في شكل يومي تعود أساساً الى مختطفين.
الأدهى من كل ذلك ان جميع عمليات الاختطاف التي أبلغت الشرطة العراقية بها مسجلة في سجلاتها على ذمة «مجهولين» ظلوا مجهولين حتى اليوم.
عمليات الخطف شهدت تطوراً خطيراً خلال الأشهر الماضية تمثل في تنفيذها على يد أشخاص يرتدون زي الشرطة والجيش ويستخدمون سيارات تابعة للدولة على غرار ما حدث في مبنى تابع لوزارة التعليم في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي حيث تم خطف اكثر من (150) شخصاً وكذلك اختطاف حوالى خمسين مواطناً من سوق تجارية في بغداد وحتى مبنى الصليب الأحمر لم ينج هو الآخر وتم خطف ثلاثين عاملاً فيه قبل شهر حيث تم إطلاق غالبيتهم من دون توصل الأجهزة الأمنية الى معرفة الخاطفين.
ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة الى ان شخصاً واحداً يختطف من بين كل ألف عراقي سنوياً ومعظم المخطوفين هم من الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات, أي من الفئات الميسورة، إضافة الى النساء اللواتي يتم اختطافهن وينتهي مصيرهن الى أسواق البغاء في دول مجاورة. ويؤكد التقرير ان هذا الرقم ليس نهائياً ولا يعطي صورة واضحة عن حجم تجارة الخطف في العراق.
حسين علي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد