أسعار التذاكر في صالات السينما من 300 إلى مساومة على 50 ليرة
«السوريون يعشقون السينما»، مقولة ترددت على الألسن خلال مراسم افتتاح إحدى دور السينما الحديثة في مدينة دمشق مؤخراً، وبالفعل يبدو أن الركود الذي أصاب صالات السينما محلياً ولسنوات طويلة بدأ ينكسر بشكل من الأشكال، وعاد ذلك العشق النائم للسينما يستيقظ عند الجمهور وبشكل ملحوظ بمجرد ظهور صالات عرض سينمائية جديدة ترقى بشكلها وبمضامينها على ما يبدو إلى رغبة العموم من جمهور السينما.
صفة «الركود» التي اتسمت بها الأغلبية العظمى من صالات السينما في دمشق لا تزال تحوم حول الكثير منها لأن النقلة النوعية في شكل ومضامين الصالات لم تطلها جميعاً وإنما القليل، بل القيل جداً منها. من جانب آخر هناك العديد من الأسباب المعروفة التي تقف وراء هجرة الجمهور لصالات السينما رغم أن كثيرات منها مازالت واقفة في مكانها لم تتحرك باستثناء من خضع منها لأعمال الترميم والصيانة فاضطرها ذلك إلى إغلاق أبوابها أمام روادها لسنوات عديدة!. أما باقي الأسباب وهي الأهم، فيمكن اختصارها بسبب رئيسي واحد يتمثل - كما اعترف الجميع ممن التقينا بهم - بوفرة الأفلام السينمائية في أماكن أخرى خارج صالات السينما إضافة إلى تدني مستوى معظم الصالات المتوافرة شكلاً ومضموناً.
ليرات قليلة تخلف فوارق كثيرة
جولة متأنية على صالات السينما في دمشق تبين للسائل أن التباين في أسعار التذاكر ليس كبيراً إلى حد ما، ولكن الفارق الملحوظ يكمن بين ما يقدم في هذه الصالة والأخرى وفي الاختلاف العجيب في نوعية وأصناف وحتى أجناس مرتادي هذه الصالة أو غيرها. وقد تراوحت أسعار تذاكر السينما في دمشق بين 75 –300 ليرة سورية كما صرح بذلك قاطعو التذاكر في تلك الصالات وكما هو أيضاً مكتوب على لافتات مدخل كل صالة، ويشار إلى أن بعض هذه الأسعار قابل للمساومة لأسباب عديدة تجبر القائمين على الصالة على الرضوخ للمساومة التي يقوم بها بعض الزبائن.
نزهة لجميع أفراد الأسرة
لا تبدو 300 ليرة سورية كما قال الموظف المسؤول - أو 350 كما قال أحد الزبائن - في الحقيقة مكلفة في حال رغب المشاهد الحضور إلى صالة لائقة ونظيفة لحضور فيلم حديث يحمل قيمةً ما يضيفها إلى مخزونه أو حتى لمجرد الاستمتاع بالصحبة التي عادةً ما تكون حاضرة خلال ممارسة هذا النوع من التسلية.. وهو ما جعل هذه الصالات تعج بالزوار صباح مساء.
وفي لقاء مع أحد الوافدين إلى هذه الصالة مع زوجته وأبنائه قال: «من الجيد جداً أن تأتي الأسرة بين الحين والآخر لحضور أفلام متميزة فهي متعة حقيقية للجميع لا يمكن تفويتها بوجود هذا المستوى من الصالات التي اشتقنا بغيابها إلى ما يسمى (سينما عائلية)»، وعن تكاليف التذاكر قال: «لا بأس بقدوم الأسرة كاملةً ولو لمرة واحدة في الشهر فالأهم هو الفسحة التي سيحصل عليها الأولاد مع والديهم»، وأضاف الأب: «إن وجود مقهى ومطعم في هذه الصالة يجعل من مشاهدة الفيلم نزهة حقيقية ومتكاملة لجميع أفراد العائلة لأن هناك متعة المشاهدة، ومتعة التذوق بالطعام والشراب وغيرها..».
صالات تليق بدخول الفتيات
وحدثنا آخر مع خطيبته وهما يهمان بدخول هذه الصالة عن حاجة محبي السينما منذ فترة طويلة لهذا النوع من الصالات المحترمة التي غابت طويلاً خصوصاً لمن يريد مثلاً القدوم مع أحد ما دون التفكير والقلق من أي مشكلات أو مظاهر غير لائقة قد تكون تنتظره في الصالة. وفسر هذا «العريس المستقبلي» حديثه بأن من يبحث عن صالة سينما تليق بأن يحضر إليها ومعه زوجته أو خطيبته أو شقيقته فلن تكون في الحقيقة أي صالة والأسباب معروفة للجميع أهمها – كما قال - النماذج الموجودة في بعض الصالات الهابطة التي لا تحتمل في الحقيقة وجود ولو فتاة واحدة - سواء وحدها أو مع أحد من أقربائها – إضافة إلى نوعية الأفلام المعروضة على شاشاتها.
إحداث سينما شعبية للجميع
أما 250 ليرة كسعر للتذكرة في إحدى صالات دمشق – أو ما كان يعادلها في السابق - فتبقى أيضاً مقبولة من الناحية المادية إلا أن هناك انتكاسة أصابت هذه الصالة العريقة فأصبح عدد زوارها الحاليين ضئيلاً جداً بالمقارنة مع ما كان عليه في السابق عندما كان المشاهدون يصطفون بالرتل ليحصلوا على تذكرة الدخول إضافة إلى الذين حصلوا على حجز مسبق للحضور.
يقول أحد الرواد السابقين لهذه الصالة: أصبح من النادر جداً إحضار أبنائه إلى هذه الصالة لأن الأفلام التي تعرض لم تعد تغريهم بتاتاً وقال: «إن إحضار ثلاثة أبناء مع أمهم وتناول أكياس البوشار ودفع تكاليف ركن السيارة في أحد المواقف المأجورة القريبة من الصالة يزيد من تكلفة هذه الزيارة إلى السينما ويجعل منها مشروعاً يجب التفكير به مرات عدة قبل المباشرة به وخصوصاً أن مستوى الأفلام المعروضة لم يعد أبداً كما كان عليه في السابق».
واقترح أن تقوم جهة ما بإحداث أو تخصيص سينما ولو بصالة «وحيدة» تكون مناسبة للجمهور العام وتتناسب مع دخل الأغلبية منه كي يتمكن من دخولها جميع الناس، وتابع: «وفي الوقت نفسه يجب أن يحرص القائمون في هذه الحالة على تقديم مستوى لائق من الأفلام السينمائية القادرة على اجتذاب أكبر عدد ممكن من هذا الجمهور ومن مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية». وأكد من جديد مسألة أن تكون أسعار تذاكرها مناسبة للجميع وبرر ذلك بأنها ستكون أنجع وسيلة لاجتذاب أعداد كبيرة من الجمهور ما سينعكس إيجاباً لمصلحة الجميع أي استمتاع الجمهور بأسعار مناسبة وأن تملأ الصالة جيوبها بالنقود.
وقفة على الأطلال
من جانب آخر حافظت بعض الصالات على سعر 150 كسعر للتذكرة نظراً للأفلام المتوسطة المستوى التي تعرضها الصالة مع اعتدادها بتاريخها المجيد وصالتها العملاقة التي احتضنت في الماضي أحدث وأجمل الأفلام المنوعة والحفلات الغنائية والمسرحية لفنانين سوريين وعرب كبار.
ويبدو أن هذه الفئة من الصالات لا تحتاج إلا حملة واسعة من أعمال الصيانة تقلبها رأساً على عقب حتى يكون ارتيادها مقبولاً للجميع دون استثناء وتعود لسابق عهدها الذهبي عندما كانت تعج بالمشاهدين من جميع الأصناف والمستويات.
وخلال الحديث مع أحد موظفي هذه الصالة تكشّف لنا – كما قال - إن نسبة إقبال المشاهدين كانت السبب الرئيسي وراء انتهاج الصالة لسياسة جديدة ومختلفة للعروض ويتمثل ذلك بانتقاء الأفلام المشتراة بأسعار معقولة جداً تتناسب مع الموارد التي سيحققها هذا العرض خلال شهر أو أسابيع عرضه القليلة. وعن نوعية المشاهدين التي تحضر إلى الصالة أجاب الموظف بأن العائلات ما زالت تأتي لمشاهدة الأفلام العائلية التي نحرص على عرضها دائماً وكذلك العشاق الذين يأتون مثنى مثنى للحجز في «اللوج». وفي الحقيقة لم نجد أحداً من زوار هذه الصالة يتقبل إعطاءنا ولو فكرة صغيرة عن أسباب زيارته لهذه الصالة وعن صالات السينما التي يقوم بزيارتها كما أن عدداً منهم استهجن فكرة أن يقوم أحد بسؤالهم عن زيارتهم للسينما وكأن في الأمر ريبة!.
ويعود الموظف الذي يعمل في هذه الصالة منذ أكثر من عشر سنوات إلى استذكار نوعية الزبائن التي تلتزم بأصول الدخول إلى صالة سينما محترمة من لباس وهندام وغيرها.
أفلام خلاعية بـ75 ليرة أو أقل
أما بالنسبة لصالات الـ75 ليرة سورية - وهو سعر قابل للمساومة مع موظف التذاكر - إذ يمكن إنهاء جدال قصير معه بالوصول إلى 50 أو 40 ليرة سورية للتذكرة الواحدة - فحالها مؤسف جداً نظراً للأفلام الغريبة التي تقدمها حتى إن القليل من المارة يمكن أن يعرف أصل وفصل هذه الأفلام، يضاف إليها اللافتات الخلاعية التي تملأ الجدران الخارجية ومدخل الصالة لجذب أكبر قدر ممكن من المشاهدين النوعيين.
بعد الوقوف أكثر من نصف ساعة أمام هذا النوع الأخير من الصالات نلاحظ جذبها لأنواع محددة من المشاهدين يبدو عليهم أنهم متعبون من سفر أو هاربون من مكان ما ليجدوا هذه الصالات أنسب مكان ليقضوا فيها ساعات طويلة من النوم، حتى إن الروائح المنبعثة من داخلها تبقى دليلاً واضحاً على ما يجري بداخلها.
مئات الأمتار فقط تفصل بين الصالة السابقة الذكر ومثيلتها، ومن المؤسف وصف ما يجري أمام مدخل هذه الصالات أو حتى ما بداخلها... صور تعر تجذب نوعاً محدداً من المشاهدين ليس لأنها أفلام خلاعية فحسب وإنما لأن زوارها على الملأ ذوو سحن مميزة، وفي الحقيقة من حق أي شخص الدخول إلى هذا الصنف من الصالات ما دامت مرخصة والأفلام المعروضة مسموحاً تقديمها للمشاهدين ومن ثم لا يجوز لوم من يريد ارتياد هذه النوعية من الصالات لمجرد المشاهدة فقط، إلا أن الحديث الذي يسري بين موظفي الصالات السينمائية بدمشق هو الأشياء المريعة التي تحدث داخل هذه الصالات ومنها ما يصل إلى درجة الحضيض في قاموس الأخلاق العامة.
الفضائيات والأفلام المتوافرة تمتص جمهور السينما
في لقاء مع أحد موظفي صالات السينما العريقة في دمشق سرعان ما أبدى أسفه الشديد على الحال الذي آلت إليها الصالة التي يعمل بها منذ سنوات طويلة، وكيف أنها تبدلت إلى درجة متدنية جداً بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق. والأسباب كما قال الموظف عديدة أولها الأفلام الهابطة - بنظره - التي أصبحت تعرض في هذه السينما مؤكداً أن ثمن التذكرة التي سيدفعها المرتاد تخوله شراء خمس نسخ على الأقل من الأقراص المدمجة التي تتضمن هذا الفيلم الذي لا يحمل برأيه أي قيمة تستأهل حضور أكثر من 10 أو 15 ضيفاً خلال العرض الواحد كما هو واقع الحال.
وتابع الموظف حديثه - خارج تسجيل الحوار بعد رفضه تحمل المسؤولية العلنية عما سيقوله بهدف الحفاظ على وظيفته - مؤكداً أنه يتوق للأيام الخوالي عندما كان الدخول إلى صالة السينما فيه رهبة ووقار كبيران عند الأغلبية العظمى من مرتاديها نظراً للقيمة العالية التي كان يحتلها كل من السينما ومحتواها الفني الراقي الذي تقدمه إلى أن تبدلت الأمور نحو الأسوأ ووصلت إلى ما هي عليه الآن.
وعن رأيه في أسباب ذلك قال الموظف: إضافة إلى توافر الأفلام السينمائية على أقراص ليزرية ومداومة عرض القنوات الفضائية لأعداد هائلة من الأفلام السينمائية أصبح المجيء إلى صالة السينما مجرد تقليد إلا ما ندر من العروض التي تحمل أفلاماً حديثة ملأى بالمؤثرات الصوتية والمرئية والتي لا يمكن الحصول على المتعة الحقيقية منها إلا بالحضور إلى الصالة مشيراً في الوقت نفسه إلى ندرة هذا النوع من الأفلام.
وتطرق الموظف إلى ندرة الأفلام المتميزة والتي حصرها بالأفلام الغربية فقط، وكيف أن لافتات الفيلم تبقى معلقة لفترة طويلة حتى الملل وهو ما يدفع الكثيرين إلى سؤال قاطعي التذاكر عن موعد استبدال الفيلم بآخر!.
وأضاف الموظف ساخراً: «في السابق كنت أحضر أولادي وقلوبهم ملأى بالفرحة لأنهم سيشاهدون فيلماً يحمل العنوان الفلاني.. أما الآن فعندما أخبرهم عن عنوان الفيلم المعروض يضحكون - رغم أنهم صبية صغار – ساخرين من المستوى الهابط للفيلم الذي أدعوهم إلى حضوره وقد شاهدوا مقاطع عديدة منه على إحدى القنوات الفضائية». وأردف: «إذا كان هذا حال الصبية فأين القائمون على هذه المسألة.؟ أليسوا عارفين بالمستويات الهابطة والرخيصة التي يقدمونها في صالاتهم حتى إن الصغار أصبحوا مدركين أنها شبه كاسدة ومعروضة مسبقاً في قنوات فضائية!».
صالات عتيقة ذات مردود مادي ضعيف
خلال وقفة مع موظف آخر في صالة سينما تقع في قلب دمشق قال: «تضم هذه الصالة 1500 كرسي كانت تمتلئ خلال العروض الدائرة كل يوم خارج المناسبات وأيام العطل وخلالها وكانت التذكرة بـ35 ليرة سورية أما اليوم فلا يصل مردود الصالة يومياً إلى أكثر من 8 أو 9 آلاف ليرة سورية فقط مع ثمن التذكرة 150 ليرة أي ما يتراوح بين 50 – 60 زائراً فقط يومياً». ورداً على سؤال حول نوعية المشاهدين قال: «زوارنا من جميع الأصناف وأغلبيتهم من العشاق الذين يحجزون أماكنهم المخصصة في «اللوج» المؤلف من أربعة كراسي معزولة ومنزوية عن باقي أجزاء الصالة مع زاوية مشاهدة جيدة». وتحسر الموظف على الأيام التي كانت فيها الأسر والطلبة والموظفون يؤمون الصالة معاً لمشاهدة الأفلام المميزة والتي لم تكن تتوافر إلا في صالات السينما آنذاك. ويتشارك هذا الموظف الرأي مع زميله في صالة أخرى حول تراجع أعداد الزوار معللاً ذلك بسبب الأفلام العتيقة المعروضة يضاف إليها أعمال الصيانة التي يحتاجها الكثير من الصالات المحلية فأصبح الكثير منها غير مهيأ لاستقبال الرواد بشكل لائق.
مذاق السينما مازال على الألسن
وفي لقاء مجموعة من الشبان الواقفين أمام مدخل إحدى صالات السينما الحديثة والفخمة في دمشق قال أحدهم: «داومت على ارتياد صالات السينما منذ الصغر سواء مع إخوتي الكبار أو مع أصدقائي ووالديّ في المناسبات وأيام العطل الأسبوعية». وأضاف: «خلال السنوات القليلة الماضية انخفضت زياراتنا إلى السينما واقتصرت على المجيء مع أصدقائي في الجامعة فقط، والآن مع بعض الزملاء في العمل عندما يتسنى لنا ذلك». ورداً على سؤال حول رأيه بمستوى صالات السينما في دمشق قال: « لسنوات طويلة لم تكن في دمشق سوى صالة واحدة يمكن اعتبارها مقبولة وعروضها تستأهل الحضور بين الحين والآخر، ومع توافر الأفلام والتجهيزات المتطورة في الأسواق جعل الكثيرين يستغنون عن المجيء إلى الصالات».
وتابع: «نقف اليوم أمام صالة حديثة بكل معنى الكلمة ورغم تكلفة التذكرة المرتفعة نسبياً فلا بأس بذلك ما دام الفيلم حديثاً ويستأهل المشاهدة في صالة مجهزة بأحدث التجهيزات الصوتية والمرئية». وهكذا يبدو أن التلذذ بمشاهدة الفيلم في السينما حصراً لا يزال مذاقه على لسان الكثيرين ممن عرفوا طعمه الحقيقي مسبقاً.
تقول إحدى الفتيات التي قدمت مع صديقاتها لمشاهدة أقوى الأفلام المعروضة حالياً في دمشق: إن السنوات الأخيرة الماضية والتي شهدت قفزة نوعية في فضائيات الأفلام السينمائية المجانية - التي تبث إلى المشاهد في العالم العربي - أشبعت الكثيرين من عشاق الأفلام السينمائية وصار لها طعم مختلف بمشاهدتها على الشاشة الصغيرة. وأردفت: إن ذلك لا يعني ملل الناس مؤخراً من تكرار الأفلام على هذه الشاشات، ومنها ما يصادف عرضها على شاشتين فضائيتين في اليوم أو الوقت عينه.
«الشعب السوري يعشق السينما»، مقولة لم تصدر عن عبث أو من فراغ لكننا بحاجة إلى الارتقاء بهذه الصناعة ولو أنها ضئيلة عندنا ومستوردة من الخارج في معظمها ولكن من ير الإقبال الكبير الذي تشهده الصالات المناسبة فسيتمنى على جميع الصالات المنتشرة أن تكون بهذا المستوى.
حسان هاشم
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد