أتاك الربيع الطلق يختال... طلعاً والتهاباً أنفياً
إنه الربيع. الجميع انتظره كونه يبعث على الأمل والتفاؤل ويجدد الشباب، ويحمل معه الشمس الساطعة والنسائم المنعشة والمناظر الخلابة.
لكن هناك من يعتبر الربيع كابوساً حقيقياً لأنه لا يستمتع به في شكل طبيعي مثل الآخرين، بل يجعله يعيش في دوامة على وقع مجموعة من العوارض المزعجة التي تنشأ جراء الإصابة بالتهاب الأنف التحسسي، وتشمل هذه العوارض السيلان من الأنف، والعطاس المستمر، والحكة في الأنف، والحرقة والاحمرار في العينين، والتدميع المتواصل، والجفاف في الحلق، وانتفاخ الشفتين، والسعال، وصعوبة التنفس، والتعب، وضعف حاسة الشم، والأرق، والقلق، وهناك من يعاني فعلاً من نوبات الربو القصبي. عدا هذا وذاك، فإن المصاب بالتهاب الأنف التحسسي الربيعي قد يضطر إلى العيش منعزلاً عن الآخرين وحتى عن أفراد عائلته، بسبب هدير العوارض المذكورة التي تزعج كل من هو في جوار المريض.
ويشخص التهاب الأنف التحسسي عادة بالاعتماد على العوارض، وعلى المعطيات التي يسفر عنها فحص الأنف من قبل الطبيب، وقد يحتاج الأمر إلى إجراء اختبار الحساسية.
رب سائل قد يقول: ولكن كيف يمكن تمييز التهاب الأنف التحسسي الربيعي عن مرض الرشح؟
إنه سؤال وجيه، لأنه من الضروري معرفة إذا كان الشخص يشكو من التهاب الأنف التحسسي أو من الرشح، لأن العلاج يختلف في الحالين.
وفي شكل عام، إن المدة تؤخذ في الحسبان في التمييز بين المرضين، فعوارض الرشح تستغرق عادة من أيام قليلة إلى أسبوع على الأكثر، أما مدة العوارض في التهاب الأنف التحسسي فتستمر لفترة أطول تتجاوز الأسبوعين. أيضاً فإن سيلان الأنف في التهاب الأنف التحسسي يكون رقراقاً صافياً، أما في الرشح فيكون مخاطياً بعض الشيء. وإلى جانب هذا وذاك فإن وجع الحلق يكون معدوماً في الأول بينما يكون متواجداً في الثاني.
ما سبب التهاب الأنف التحسسي الربيعي؟
المتهم الأول في التهاب الأنف التحسسي الربيعي هو غبار الطلع(حبوب اللقاح) المتناثر من أزهار بعض النباتات التي تزهر في فصل الربيع، واللافت أن جحافل غبار الطلع تزداد سنة بعد أخرى بسبب تأثيرات التغير المناخي التي جعلت مدة موسم الحساسية أكثر طولاً، ما زاد من معاناة المصابين.
لكن لماذا يصبح بعض الأشخاص دون غيرهم شديدي الحساسية تجاه غبار الطلع؟ في الواقع ما زالت الإجابة على هذا السؤال محط أخذ ورد، وعلى ما يبدو أن المكون الوراثي يلعب دوراً مهماً في استعداد بعض الأشخاص من دون غيرهم للإصابة بالتهاب الأنف التحسسي، وهناك معطيات تفيد بأن اعتماد الأطفال على الرضاعة الاصطناعية يجعلهم أكثر عرضة للحساسية في المستقبل، من هنا حري بكل امرأة أن تعطي طفلها حليبها الذي لا يقدم لفلذة كبدها الحنان وحسب، بل يوفر له حماية حقيقية من كثير من الأمراض.
ويشهد كل عام إصابة عشرات الملايين من الأشخاص بالتهاب الأنف التحسسي الربيعي، وعلى رغم عدم وجود علاج سحري لهذا الالتهاب فإن الحل الأمثل يكون في تجنب العامل المسبب الذي هو غبار الطلع، وبما أن هذا الأمر صعب التطبيق من الناحية العملية، فإن خير ما يمكن فعله هو الإقلال من التعرض لغبار الطلع إلى أدنى حد ممكن في كل مكان، سواء في المنزل أم خارجه، وارتداء الأقنعة الواقية في حال العمل في أماكن تكتظ بالأشجار والأعشاب المزهرة. أيضاً يجب تجنب أماكن التدخين والتلوث وسوء التغذية لأنها من العوامل التي تشجع على التهاب الأنف التحسسي.
وإذا لم تسمح التدابير المذكورة أعلاه في وضع حد لنوبة الحساسية الربيعية فإن مضادات الهيستامين ومضادات الاحتقان تساعد عادة في التخفيف من حدة النوبة، وفي بعض الحالات الطارئة قد يتطلب الوضع استعمال شوط من الكورتيزون ومشتقاته.
أما في خصوص الوقاية من التهاب الأنف التحسسي الربيعي، فإن التلقيح المناعي المطور بدأ يشق طريقه على هذا الصعيد. وفي البداية يعمل الطبيب المختص على معرفة نوع غبار الطلع الذي يتحسس عليه المريض من أجل وضعه في اللقاح، ومن ثم يتم العمل على حقن المصاب بجرعات صغيرة منه تهدف إلى زيادة قدرة تحمّل المريض تجاه العامل المسبب للحساسية، وهذا ما يساهم في تحقيق بضعة أهداف في آن واحد، وهي: منع العوارض، وتقليل ارتكاس الجسم تجاه العامل المثير للحساسية، وتقليل شدة العوارض في حال حصولها. وتفيد تقارير مرجعيات علمية أوروبية وأميركية أن هذه الطريقة حققت نسبة نجاح عالية، وساهمت في خفض عدد زوار عيادات الطوارئ، وقللت من نسبة الغياب عن المدرسة أو عن العمل.
مهلاً، إن العلاج باللقاح المطور لا يستعمل لجميع المرضى لأن عملية التلقيح تستغرق فترة طويلة، كما لا يصلح العلاج لجميع المرضى، وحتى الآن لا تزال هناك علامات استفهام في ما يتعلق بالجرعة وآثار اللقاح على المدى الطويل.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد