«خوف» السياسي و «فرائص» الإعلامي
يسحب المرء مسدسه للقتل أو للدفاع عن النفس (أي للقتل أيضاً). ويقال «متى سُحب السلاح وجب استعماله، وإلاّ لا نفع من حامله». وعليه، يكون التهديد من دونه أشد وقعاً في نفس المهدَّد. وفي هذه الأيام، لم يعد السلاح يقتصر على المسدس، يمكن أن يكون دبابة أو رتلاً، طائرة أو سرباً، صاروخاً أو أكثر، أو رهطاً من رجال مدجّجين في «بيك آب» أو «جيب» أسود.
وصار سحب هذا السلاح عملية أكثر تعقيداً من استلاله في المسايفة أيام «هرقل» و «زينة» و «زورو»، ومن شهره في المبارزة أيام «بونانزا» و «روهايد» وعموم مسلسلات الكاوبوي.
ومن هنا المفارقة بين منطق استخدام السلاح الحديث ومنطق الرئيس الأميركي جورج دبليو. فالرجل، كما تنقله الصورة، يمشي متأهّباً كمن يسير نحو مبارزة بالمسدّسات، في حين أن بلاده تقتني السلاح الأكثر تطوّراً. ولعلّ في هذا التناقض بين قوام الرجل، «المبارز» على المنوال القديم، وحداثة سلاحه ما يبرّر فشله السياسي المتداول... أو نجاحه!
بعضهم، يسحب السلاح لأنه تعوّد على ذلك، وبعضهم الآخر... لتكسير الجوز واللوز (وهذا يحصل)، وآخرون يسحبونه عند الشعور بالإنزعاج.
ينقل عن غوبلز، الوزير الألماني إبّان الحرب العالمية الثانية، قوله إنه كلّما سمع كلمة مثقّف يشهر مسدّسه. واضح ان الثقافة «تضرب على أعصابه»، أي أن صاحبها يوتّره، فلا يعود يطيق وجوده.
وهناك في عالم السياسة اللبنانية من يطلّ، في الشاشة الصغيرة، كأنه مستعدّ لسحب «مسدّسه» كلما سمع كلمة صحافي. فينتهز المناسبات لينتهر حلقة الصحافيين الذين لا يعرفون كيف يتصرّفون أمام حضرته، ولا كيف يحضّرون أسئلتهم أو يطرحونها. فـ «يشهر» رجل السياسة نبرته القوية ويطلق على الصحافيين المزعجين «صَلْية» نعوت. وكأن الرجل يجرّب «سلاحه» على ناس يهتفون له!
وهناك من ينتقد الإعلاميين ويقترح إعادة النظر في قانون وسائل الإعلام، لعلّهم يُلجمون.
أما الأطراف المقابلة فيستهلّون ذودهم عن تلك الوسائل بالدفاع عن الديموقراطية الكفيلة وحدها بصون الإعلام. وهم يعتبرونه سلاحهم الوحيد للدفاع عن أنفسهم، زاعمين أن ثمة من يخيفه هذا السلاح.
ولكن، أين يقف الإعلاميون، المستقل منهم والمحسوب و «المحيّر»، وسط كل هذا التجاذب والاصطفاف؟
قد «يخاف» السياسي من الإعلام، مثلما كان غوبلز «يتوتّر» من المثقف، لكن الإعلامي هو الذي ترتعد فرائصه.
زكي محفوض
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد