«جبهة النصرة» تعزز ارتباطها بـ«القاعدة»
في خطوة هي الأولى من نوعها، اشتركت «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام) مع اثنين من أبرز أفرع «القاعدة» هما «فرع الجزيرة العربية» و «فرع المغرب العربي» في إصدار بيان موحد، وذلك لمناسبة نعي ورثاء الملا عمر زعيم حركة «طالبان» الذي أعلن عن وفاته الأسبوع الماضي.
وبغض النظر عن مضمون البيان، فإن صدور بيان موحد عن أفرع «القاعدة الثلاثة» ينطوي على العديد من الدلالات كما أنه يطرح الكثير من التساؤلات. ومن أهم الدلالات هي تعمّد «جبهة النصرة» إظهار المزيد من التقارب تجاه تنظيم «القاعدة» وأفرعه، لتنسف بذلك كل المساعي التي تحاول إقناعها بفك الارتباط مع التنظيم المصنف على لائحة الارهاب العالمي.
وقد تكون هذه الخطوة من قبل «جبهة النصرة» بمثابة رد غير مباشر على وزير الخارجية القطري الذي تمنّى عليها قبل أيام أن تعلن فك ارتباطها بـ «القاعدة». وكأن «جبهة النصرة» تريد القول إنها حسمت أمرها وإن مسألة ارتباطها بـ «القاعدة» لم تعد مطروحة للنقاش.
والدلالة الثانية هي تركيز البيان على «محاربة الكفر العالمي وعملائه من بني جلدتنا»، لا سيما أنه يخالف ما أعلنه زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني في مقابلته مع قناة «الجزيرة» قبل حوالي شهرين، حول عدم وجود نية لديه لاستهداف الدول الغربية، وأن ذلك يدخل ضمن مهام «فرع الجزيرة العربية» بحسب أوامر زعيم تنظيم «القاعدة» العالمي أيمن الظواهري.
فهل يعني ذلك أن «جبهة النصرة» قد غيّرت هذه السياسة وأصبحت تعتبر الغرب ومصالحه هدفاً مشروعاً لها، أم أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجرد محاولة لخلق التباس في مواقف «جبهة النصرة»، خصوصا بعد الاتفاق شبه العلني بينها وبين الولايات المتحدة على عدم استهداف بعضهما في الشمال السوري، إذ وردت تصريحات على لسان مسؤولين أميركيين بأن «المعارضة المعتدلة» لن تستهدف «النصرة»، ومسارعة الجبهة إلى سحب عناصرها من خطوط التماس مع «داعش» في المنطقة التي من المفترض أن تشملها المنطقة العازلة التركية المزمع قيامها.
وثمة دلالة أخرى قد لا تقل أهمية، هي أن أفرع القاعدة الثلاثة وجدت نفسها إزاء التطورات العسكرية والأمنية في أكثر من بلد عربي مضطرةً إلى التقارب أكثر بين بعضها البعض، من أجل مواجهة هذه التطورات ومنع تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) منافسها اللدود من قطف ثمارها الممكنة لا سيما أن هذه الأفرع تعرضت لنكسات متتالية سواء لجهة اغتيال قادتها أو الانشقاقات في صفوفها جعلت موضوع تماسكها وقدرتها على منافسة غريمها «الدولة الاسلامية» محل تساؤلات دائمة. وهذا يعني أن هذه الأفرع ستحاول في المرحلة المقبلة زيادة نشاطها في بعض البلدان لإثبات فاعليتها من جهة وللتغطية على غياب قيادتها المركزية من جهة ثانية.
غير أن هذه الدلالات لا تكتمل إلا بتسليط الضوء على بعض التساؤلات التي تركها صدور البيان الموحد؛ على رأس هذه التساؤلات لماذا اقتصر صدور البيان على «أفرع القاعدة» الثلاثة فقط ولم يشمل أفرعها الأخرى مثل الصومال والقوقاز وشبه القارة الهندية.
والتساؤل الأهم لماذا لم يصدر بيان نعي للملا عمر عن القيادة المركزية لـ «القاعدة في خراسان» ممثلة بزعيمها أيمن الظواهري، وهل يتعلق التأخير فقط بأسباب أمنية تمنع الظواهري من نعي زعيمه في وقت قريب، أم ثمة ما هو أبعد من ذلك ويتعلق بعدم الاتفاق ضمن قيادة «القاعدة» على مبايعة الملا أختر منصور خصوصا بعدما اتضح أن اختيار الأخير ترك شقوقاً واضحة في جسم «طالبان» بعد امتناع أفراد من عائلة الملا عمر وبعض قادة الحركة عن مبايعته، فضلاً عن عدم وضوح توجهات الزعيم الجديد تجاه «القاعدة»، وما يعزز من أهمية ذلك أنه سبق للمتحدث الرسمي باسم «حركة طالبان» الدكتور محمد نعيم أن صرّح أمام وسائل الإعلام بأنه «لا وجود للقاعدة في أفغانستان» كما أشار إلى أن الظواهري نفسه ليس هناك.
وخلافاً لما ذهبت إليه «حركة أحرار الشام» في بيانها الصادر بخصوص الملا عمر الذي ركّز على ما يمكن تسميته «الخطوات الاصلاحية» التي اتخذها لا سيما لجهة «المشروع الوطني الأفغاني»، و «تنشيط العمل السياسي إلى جانب العمل العسكري»، و «محاربة الغلو والتفريط»، فإن البيان الموحد الصادر عن أفرع «القاعدة» تجاهل هذه النقاط وركز على ما يمكن اعتباره أهم الهواجس التي تشغل بال قادتها.
وتوسع البيان في الحديث عن موقف الملا عمر تجاه «المهاجرين» واحتضانه لهم «أكرم المهاجرين ولم ينس فضلهم .. وآوى الشيخ اسامة يوم ضاقت به الدنيا واشتد عليه طلب الأميركان». ولم يذكر البيان من أعمال الملا عمر طوال عقدين من الزمن إلا هدم أصنام بوذا وإصراره على ذلك برغم كل الضغوط والاملاءات التي تعرض لها.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد