«النهضـة» تتجاهـل هـواجـس التونسـيين وشـخـصـيـة خـلافيـة علـى رأس الحكومـة
...أخيراً، حُسم الجدل السياسي المحتدم بشأن الحكومة التونسية، وتمّ تكليف أحد قياديي «النهضة» المتشددين بتشكيل حكومة، بدل المستقيلة التي كان يرأسها حمادي الجبالي، وهو الأمين العام للحركة الإسلامية الحاكمة.
لكن تعيين علي العريض، وهو كان يتولى وزارة الداخلية في الحكومة المستقيلة، لم يزد الوضع إلا تعقيداً. لم يكن ينقص البلاد التي تشهد أزمة مزدوجة بين الأفرقاء السياسيين أنفسهم من جهة وبين الشارع التونسي والطبقة السياسية من جهة أخرى، سوى وصول شخصية إشكاليّة كالعريض.
وازداد المشهد احتداماً أمس، مع تسارع مجريات التحقيق في قضية مقتل شكري بلعيد، حيث كان التونسيون على موعد مفترض لكشف معطيات خطيرة عن الجهة المسؤولة عن الاغتيال. لكن الأمور اتخذت منحى مختلفاً، بعد الإعلان الرسمي من وزارة الداخلية، والإشكال الذي حصل داخل هيئة الدفاع عن بلعيد المكلفة من عائلة الأخير، ثم سحب الثقة من المتحدث الرسمي باسمها.
وبالعودة إلى تكليف العريض، فبرغم تطميناته في الخطاب الذي ألقاه بعد حصول ترشيحه على موافقة الرئيس منصف المرزوقي، حول «تشكيل حكومة لكل التونسيين والتونسيات»، علت الأصوات معارِضة لقرار مماثل. فالعريض، الذي كان يتولى وزارة الداخلية في الحكومة المستقيلة، كان قد تعرّض للكثير من الحملات المطالبة بإقالته بسبب أدائه في الملفات الأمنية، قبل اغتيال بلعيد. أما بعد الاغتيال، الذي فجّر الأزمة السياسية في البلاد، فقد تحولت تلك المطالب إلى حاجة ملحة وفقاً للمعارضين المتخوفين من تنامي نفوذ «الميليشيات» التابعة للنهضة ومن تمييع التحقيق في قضية بلعيد.
ويأتي تكليف العريض بعد استقالة الجبالي، الذي قاد مبادرة تشكيل حكومة «تكنوقراط» غير حزبيّة لامتصاص أزمة تونس ما بعد اغتيال بلعيد، وقوبلت برفض عنيف من حركته ومن الائتلاف الحاكم الذي يطالب بتشكيل حكومة ائتلافية تضم سياسيين وكفاءات.
وبحسب الديوان الرئاسي التونسي، فإن التشكيلة الحكومية ستُعلن يوم الأربعاء المقبل، مع العلم أن التنظيم المؤقت للسلطة يعطي الرئيس المكلّف مهلة أسبوعين للتشكيل.
وقال العريض، بعد لقائه رئيس الجمهورية، «كلفني رئيس الجمهورية رسمياً بتشكيل حكومة جديدة»، موضحاً «سندخل في مشاورات لتشكيل حكومة جديدة.. ستكون حكومة لكل التونسيين والتونسيات انطلاقاً من أن الرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات».
وشدد العريض على أنه يحتاج إلى دعم «الرئاسة والمجلس الوطني التأسيسي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لإرساء الديموقراطية التي يتطلع إليها الجميع»، موضحاً أنه سيتطرق في مناسبات أخرى إلى «أولويات» الحكومة المقبلة.
في المقابل، أثار اختيار العريض غضب العلمانيين في تونس الذين ينتقدون تساهله مع المتشددين السلفيين، ما ساهم في تفشي العنف السياسي في البلاد. وللمفارقة فقد تظاهر مئات السلفيين أمس في مدينة سيدي بو زيد، وسط غرب تونس، ضدّ العريض، منددين بتدخل قوات الأمن في مسجد في المدينة لمطاردة سلفيين تحصنوا به بعد تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن قبل يوم.
وانتقدت «الجبهة الشعبية»، التي ينتمي لها بلعيد، تعيين العريض رئيساً للوزراء. وقال القيادي في الجبهة زياد لخضر «القرار يعمّق الأزمة، لأن العريض ترأس وزارة تتحمل مقتل بلعيد وتتحمل مسؤولية العنف الذي انتشر في البلاد».
من جهته، أكد زعيم الحزب الجمهوري العلماني نجيب الشابي أن «العريض ليس رجل وفاق وهو شخصية خلافية»، مضيفاً أنه يتحمل إخفاقات كبيرة أثناء عمله على رأس وزارة الداخلية.
بدوره، رأى القيادي في «التحالف الديموقراطي» محمود البارودي أن «العريض عنوان للفشل وهو يتحمل مسؤولية التسامح مع العنف ضد الحقوقيين وإفساد اجتماعات المعارضة واغتيال بلعيد».
وفي آخر تطورات التحقيق، عقدت هيئة الدفاع عن بلعيد مؤتمراً صحافياً أمس كان من المفروض أن يُعلن فيه عن «تطورات خطيرة في التحقيق»، لكن الهيئة عادت وتراجعت عن كشف كل ما تملكه، بطلب من قاضي التحقيق، حسب ما أوضح المسؤول في هيئة الدفاع نزار السنوسي لـ«السفير». وفي بداية المؤتمر، قال المتحدث باسم الهيئة فوزي بن مراد إنه يتعرض لضغوطات من داخل المحامين لعدم الإدلاء بالأدلة، مؤكداً أنه يتحمل المسؤولية الأخلاقية والجزائية في ما سيصرح به خلال الندوة. وأضاف أنه لا يثق في قاضي التحقيق ولا يتعامل معه وفق شروطه. يُذكر أن بن مراد قال في الندوة إن من قام بالجريمة ثلاثة أشخاص من جنسية جزائرية وتكفل تونسي بإدخالهم من جهة القصرين قبل يوم من اغتيال، وغادروا في يوم الاغتيال. وهو ما أوضحه السنوسي بالقول إن الجهة المخططة تونسية بحتة، ولا علاقة للسلطات الجزائرية بالأمر.
ولكن بعد المؤتمر، أعلن شقيق بلعيد عبد المجيد، في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام التونسية، أن العائلة سحبت الوكالة القانونية من بن مراد على خلفية تصريحاته.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد